من روائع الشعر2:
العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي
1915-1850
دراسة العلوم اللغوية والاداب وبقية العلوم الانسانية،هي واجبة على طلاب العلوم الدينية نظرا للتداخل والحاجة الضرورية،ولذلك برز عدد كبير من رجال الدين في الادب والشعر والتاريخ واللغة وبقية العلوم الانسانية،بل تفوق بعضهم على المختصين فيها... لكن من المؤسف ان بعضهم قد ترك الشعر رغم نبوغه بعد ان وصل مراحل متقدمة في العلوم الدينية لاسباب مختلفة،وفقد غالبية آثارهم سواء بتعمد او أهمال منهم ولذلك فأن المطبوع من آثارهم هو جزء يسير!،وفي المقابل ان بعضهم ترك سلك رجال الدين ليختص بالشعر والادب وغيره!......ويخطأ من يتصور ان شعر الفقهاء بعيد عن الرومانسية والغزل وانه يختص بالمواضيع القريبة للعلوم الدينية او الشؤون العامة فهناك من الاثار الدالة على العكس،بل ان بعضهم تفوق على الكثير من شعراء الحب والغزل والترف في عذوبة الوصف ورقته... دون ان يكون ذلك معيبا لهم في الاستعارة الرمزية...
ومن الشعراء...العلامة الحبوبي الذي يلقب ب: شاعر الفقهاء...وفقيه الشعراء!... وهذه مختارات من شعره:
1- جزء من قصيدة ايها الساقي
ايّها الساقي ومن خمر اللمى
نشوتي فآذهبْ ببنت العنَبِ
أين هذا الخمر من ذاك الرضاب
وهو عذب للمعنىّ وعَذاب
فآسقنيها من ثناياها العَذاب
وآطفِ فيها من فؤادي الضرما
واقض هذا اليوم فيها أرَبي
قد فديتُ الغيد لماَّ ان بدتْ
ولها الاغصان طوعا سجدت
وبها الاقمار في الليل آهتدت
نسج الحسن لها برد الدلال
فبدتْ تختال في عزّ الجمال
غار منها الغصن اذ مالتْ فمال
وقلوب الناس أمست حُوَّما
فوق خدّيها وفيها الأشنَبِ
مالتِ النفس اليها فلستْ
مَنْ به للنوم عيناي قَلتْ
وكؤوس الموت فيها قد حلتْ
وعليه لم ازلْ ابكي دَما
وهو لاهٍ لم يزل باللعَبِ
فآسعديني ياابنة الدوح فقدْ
قطع الصد لأحشائي وقَدْ
ولهيبُ الشوق في قلبي إتٌقَدْ
وجفون العين تحكي الدِيَما
وهي لم تطمع بطفو اللهَبِ
ياحمام الدوح بالله أعدْ
سجعك اليوم لصبّ وأجد
ان تكن مثلي مهجوراً فزدْ
رّبما يطفي غليلي رّبما
سجعك اليوم بلحن مُطرِبِ
ياحمام أنَّ في وادي العقيقْ
لا ارى لي غيرك اليوم صديقْ
فمتى من سكرة الحب تَفيقْ
والى ما فيه تخشى اللُّوَّما
وتراعي نظرة المرتَقِبِ
ياحمامٌ لم ترعْه بالفراق
جيرةٌ تعقد بالهجر النطاق
انت والغصن بضمّ وعناق
وبأسر الريم اصبحت وَما
دفعت عني سرايا العَربِ
2- قصيدة ياغزال الكرخ
هزَّت الزورآء اعطاف الصَفا
فصفت لي رغدةُ العيش الهَني
فارعَ مِن عهدك ما قد سَلفا
وأعِدْ يافتنة َ المُفتَتِن
عارض الشمسَ جبيناً بجبين
لنرى أيكما أسنى سَنا
وآسب في عطفك عطفَ الياسمين
وآنثن غصناً إذا الغصنُ انثنى
حبَّذا لو قلبُك القاسي يلِين
انما عطفك كان الأليَنا
فانعطفْ أنت اذا ما انعطفا
قدُّك المهزوز هزَّ الغُصنا
انّ في خدّك روضاً شغفا
مقلة الرآئي وكفَّ المجتنى
ياغزال الكرخ واوجدي عليك
كاد سري فيك أن يُنتَهكا
هذه الصهبآء والكأسُ لديك
وغرامي في هواك إحتَنكا
فآسقني كأساً وخُذْ كأساً اليك
فلذيذ ُ العيش أن نشتركا
إترع الأقداح راحاً قرقفاً
وآسقني وآشرب او آشرب واسقني
فلمُاك العذبُ أحلى مرشفا
من دم الكرم ومآء المُزن
مِن طُلا فيها الندىُّ ابتسما
إذ سرتْ تأرجُ في نشر العبير
أطلعتْ شمس سناها أنجما
مِن حباب ولها البدرُ مُدير
والسما أرضٌ أو الأرض السما
إذ غدتْ تلك كهذي تستنير
في ربوع ألبستها مطرفا
أنملُ الزهر من الوشي السنى
وحمامُ البُشر فيها هَتَفا
مُعربا في لحنه ِ لم يلحنِ
وُحميا الكاس لما صفقَتْ
أخذتْ تجلى عروساً بيدَيه
خلتها في ثغره قَد عُتقتْ
زمناً واعتُصرتْ من وجنتيه
مِن بروق بالثنايا ائتلَقَتْ
في عقيق الجزع أعنى شفتيه
كشف سترَ الدجى فانكشفا
وانجلى الأفق بصبح بينّ
اكسبتنا إذ سقتنا نطفا
خفة الطبع وثقل الألسن
أيها العذال كفّوا عَذلَكُم
بالهوى العذري عذري اتضحا
وامنحوا يا اهل نجد وصلكم
مستهاما يتشكى البرحا
واذكروني مثل ذكراي لكم
ربّ ذكرى قرّبتْ من نزحا
الوفا ياعرب يا اهل الوفا
لا تخونوا عهد مَن لم يَخُنِ
لا تقولوا صدّ عنا وجفا
عندكم روحي وعندي بدَني
3-جزء من قصيدة اغار الحسن
أغار الحُسن وجنتهُ لهيبا
ليمنع نَمل عارضه دَبيبا
وافرغه الصبا قًمرا فلمٌا
تلظّت نار وجنته أذيبا
اذا آسترشفت من برد الثنايا
أخاف ُعليه ِمن نفسي لهيبا
تغنى حجله فحسبتُ غصناً
ثنتهُ صباً فاوقع عندليبا
اذا هضم الصبا كشحيه أوفى
بردفٍ ماج مرتجاً كثيبا
فها انا منثنٍ ادنو اليهِ
اذا ما اهتز معتدلاً رطيبا
وهل انا راجع بعناق ِ ظَبيُ
رشاً قد تيم الرشَأ الرَبيبا
فانعم ما على الغبراء عيشٌ
محبٌ بات مُعتنقا حَبيبا
سفرت لناظري زهراً مندٌى
فدع لي طيب نشرك ان يطيبا
إذا منه أنستَ غريب حُسنٍ
أتاكَ بغيرهِ حُسناً غريبا
وتحسب وجهه قمرا فيرنو
فتحسب لحظهُ سيفَاً قشيبا
اذا رمتُ السلوَّ اشتد وجدي
وزاد على الوجيبِ بهِ وَجيبا
وعيشك أيها الرشأ المفَدٌى
لعيشي دون وصلك لن يطيبا
ولست امدُّ لي امداً بعيداً
اذا ما كنت لي فيهِ قَريبا
فذات الطوق لو نظرت اليهِ
لاصبح جيدها منهُ سَليبا
وصورٌ قرطه صنما فخَرٌتْ
له الاصداغ تعبده صَليبا
متى ما كافر الظلماء يدعو
لمرسل شعره لبى مُجيبا
فلمٌا لاحَ حيٌرَ كُل لُبٍ
فلم تر عند مرآه لبيبا
رشاً تعشو النواظر منهُ نوراً
فلا اخشى بنظرتهِ الرقيبا
أغار الشمس لما واجَهتهُ
بمطلعِها فودٌت أن تغيبا
واخجل قرصها فاحمرَّ حتى
حسبتُ شعاعها الكف الخضيبا
ولاح لها بمطلعها اضطراب
اتنحو الافق ام تنحو المغيبا
هوىً قد ضاق صدر الصب فيه
ولازمه فعاد به رحيبا
اقام بعينه فغدى سُهاداً
وحلَّ بقلبه فغدى وجيبا
فلست ترى الهوى الا غريبا
ولا معنىً به الا غريبا
ولستُ اقول هذا الشعر الا
فخارا او عتاباً او نسيبا
واني قد قرضت الشعر حسناً
لذكرك ألا لان ادُعى أديبا
ولستُ كسائر الشعراء شعري
تعوٌدَ أن يُثاب ولا يُثيبا
لقد سفرت به الظلماء حتى
غدى وضح الصباح بها قشيبا
التعليقات (0)