يعظم التاريخ اشخاصا ويحقر اشخاصا آخرين، حسب حب الناس لهم، فتجد ان الانسان عندما يحب شخصا معينا يضيف عليه هالة من التقديسات قد لا يستحقها، فيبدا بنسب كل شيء حسن مجهول فاعله الى ذلك الشخص، وكل شيء سيء مجهول صاحبه الى اعداء ذلك الشخص، ومع مرور الايام يصبح هذا حقيقة ثابتة وانجاز من انجازات هؤلاء الاشخاص العظام ولا يقبل حتى النقاش.
لكن الناس قد يظلمون هؤلاء "العظماء" بدون ان يشعروا، وبذلك تكون نتيجة اعمالهم عكس ما كانوا يرجوه منها. لقد وردني قبل اشهر بريد الكتروني من احد الزملاء ـ الذي يحاول ان يهديني دائما الى طريق الحق ـ وكان عنوان الموضوع هو ـ من روائع الامام علي رضي الله عنه ـ وكالاتي:
معضلة في الرياضيات مازالت محيرة للعقول !!
كان هناك ثلاثة رجال يمتلكون 17 جملا عن طريق الإرث بنسبٍ متفاوتة ..
فكان الأول يملك نصفها، والثاني ثلثها، والثالث تسعها :
وحسب النسب يكون التوزيع كالآتي ..
الأول يملك النصف (17÷2) = 8.5الثاني يملك الثلث (17÷3)= 5,67الثالث يملك التسع (17÷9 ) = 1.89
ولم يجدوا طريقة لتقسيم تلك الجمال فيما بينهم، دون ذبح أي منها أو بيع جزء منها قبل القسمة .
فما كان منهم إلا أن ذهبوا للإمام علي رضي الله عنه لمشورته وحل معضلتهم قال لهم الإمام علي رضي الله عنه : هل لي بإضافة جمل من جمالي إلى القطيع ؟؟فوافقوا بعد استغراب شديد !!فصار مجموع الجمال 18 جملا ، وقام الإمام علي (رضى الله عنه ) بالتوزيع كالتالي
الأول يملك النصف (18÷2) = 9الثاني يملك الثلث (18÷3)= 6الثالث يملك التسع (18÷9) = 2
ولكن الغريب في الموضوع أن المجموع النهائي بعد التقسيم يكون .. 17 جملا !
فأخذ كل واحدٍ منهم حقه ..
واسترد الإمام جمله ( الثامن عشر) .
وبمجرد قرائتي الموضوع، عرفت المغالطة الرياضية في المسالة، ولكنني حاولت ان استبين راي الناس في ذلك، وهل هم بالفعل ينظرون الى قدسية الاشخاص قبل ان يحكموا تصرفاتهم، ام انها مجرد نظرية، فاعدت ارسال الايميل الى مجموعة من الاصدقاء وقد تقصدت ان ارسله الى اصدقاء من اصحاب الاختصاص، والذين درس قسم منهم الرياضيات وباعقد مجالاتها من تفاضل وتكامل وهندسة وصفية وهندسة تحليلية وغيرها، فاعدت ارسال الايميل الى خريج تربية قسم الرياضيات، وخريج فيزياء ومجموعة من المهندسين، ولكن الفاجعة كانت انهم لم يكتشفوا اللعبة، واكثر الردود التي اتتني كانت، سبحان الله، والله اكبر، ولا فتى الا علي ـ اللهم صلي على محمد وآل محمد ـ.
بغض النظر فيما لو ان المسالة عرضت على الامام علي ذاته او على شخص آخر، ففي المسالة خطا واضح ، فلكي يستقيم الحساب يجب ان يكون مجموع النسب مساويا لواحد وفي حالتنا هذه عندما نجمع (نصف مع ثلث مع تسع) يكون المجموع هو 17/18 وهذا يعني ان هناك حصة مفقودة وقيمتها 1/18 ولو كان الشخص الذي حل المسالة عنده حقا علم بالرياضيات لسال المتقاسمين لمن تعود هذه الحصة المفقودة، قبل ان يقسم عليهم الجمال بالباطل.
بعد هذا قمت بارسال هذا التعليق لهؤلاء المؤيدين، فكان جواب اكثرهم، التاريخ يخطئ وليس كل ما نسب الى الامام علي هو صحيح، وهذا يؤكد النظرية اعلاه، فبمجرد ان نكتشف ان احد الاشياء المنسوبة لشخصيتنا المحبوبة هو مجرد ترهات نقوم بحذفه من التاريخ، وبهذا نبني تاريخنا العظيم الجميل الشامخ بدون اي شوائب تعكره.
التعليقات (0)