مواضيع اليوم

من د.جميل و القهوة و المطر تعلمت!

مريم ناصر mn

2010-03-03 09:14:50

0

هطول الأمطار هذه الأيام جعلني أتذكره و ابتسم!
مدير أحد المعاهد الحكومية التي لها فروع على مستوى الدولة, كانت لي تجربة فيها لمدة 6 أشهر تقريباً, و رغم قصر المدة إلا انها كانت تجربة مختلفة جداً.

أعرف اني من الأشخاص الذين يتعلمون من كل التفاصيل التي تمر في حياتهم, الأشخاص , التجارب السلبية و الإيجابية و اشياء كثيرة قد لا ينتبه لها كثير من الناس.

حين قابلت د.جميل أول مرة, قرأت فوراً في وجهه علامات الذكاء الحاد و عززها الحوار الذي دار بيننا , عرفت كم هو دقيق و حريص على عمله , و أثناء حوارنا هذا قاطعنا عدد من التلاميذ الذين لجأوا إليه , فلم يرمقهم بنظرة قاسية, و لا طلب منهم الإنتظار , بل كان يهب واقفاً كلما دخل عليه طالب (جدير بالذكر انهم في سن 12-16 تقريباً) و يرحب بهم و يحفظ أسماؤهم, و يستأذنني ليحل مشكلاتهم بسرعة و ذكاء, جعلني أقول .. لو كان شخصاً عادي لأحتاج أيام قبل أن يحل مشكلاتهم المتنوعة!
دعوني أخبركم عن د.جميل:

طول فترة عملي معه , كنت حريصة أن أتعلم منه, هذا البريطاني الذي لم يتخلص من عراقيته بل ظل محافظاً عليها بشكل راقي و جميل.

لم أرى د.جميل إلا و الإبتسامة تعتلي وجهه , حتى وهو يعاتب موظفيه الذين كانوا يكنون له إحتراماً عظيماً.
كان حريص جداً على جعل جهود الطلاب و الموظفين مجتمعة, كان حريص ان تكون اللجنة الطلابية في كل إجتماع يحضره المدرسين و يجعل منهم طرف رئيسي في الحوار , و ليس طرفاً مهملاً أبداً , كان يفرد لهم مساحة الحوار و النقاش و المشاركة و الإعتراض أيضاً.. و دائماً كنت أردد و أنا أسمع هؤلاء الفتية يتحدثون بطلاقة و بثقة.. و أقول يا ليت لو كان لدينا د.جميل في كل مراحل الدراسة و في كل مدرسة و في كل جامعة و في كل كلية , مثله كان سيهدي الكثير لنا كبشر!

لم أسمعه ولا مرة يقلل من جهود الإماراتيين الذين يعملون معه ,أقول ذلك و قد سمعت بأذني نماذج كثيرة تقلل من جهودنا كمواطنين بل و أن بعضهم يعامل الموظفين المواطنين بإحتقار و كأنهم بلهاء , خاصة في المؤسسات التي تمتلئ بجنسيات متعددة , بل أعجبني فيه أنه مثلاً يعتمد إعتماداً كلياً على شاب إماراتي تخرج حديثاً بدلوم من إحدى كليات التقنية و يوكل إليه مهمات فنية دقيقة و يربت على كتفه شاكراً أو حتى حين يطلب منه تعديل أجهزة أو تجهيز غرفة الإجتماعات بمعدات مؤتمرات الفيديو و التي كانت تعقد أكثر من مرة أسبوعياً, كانت أجهزة و تقنيات معقدة و كثيرة و كنت أقترح عليه أحياناً أنا يستعين بشخص إضافي .. لكنه يقول لا : أريده أن يتعلم و هو شخص ممتاز, و لم يخذله هذا الشاب ولا مرة!

في مرة من المرات, رافقته في جولة لغرفة المدرسين, ووقف عند كل شخص منهم و تحدث معه , و قال لكل منهم على حدة :

- جون .. ما رأيك أن نلتقي بعد نصف ساعة في مكتبي لنشرب قهوة أو شاي؟!
- ماري .. هل تقبلين دعوتي لك لشرب فنجان قهوة بعد ساعة!؟
- أماندا.. هل لديك وقت بعد ساعة و نص لنشرب فنجان شاي و ندردش معاً في مكتبي؟!
لم أنتبه للتوقيت إلا بعد شخصين أو ثلاثة , و أنا أنظر إليه بــ (نص عين) وهو منتبه لي و يبتسم و يهز رأسه و كأنه يقول سأشرح لك لاحقاً.

أخذ مواعيد مع جميع المتواجدين في الغرفة, و حين خرجنا قلت له :

- د.جميل.. ماذا يحدث؟ هل لديك ملاحظات عليهم؟ثم كيف ستلتقي بهم كلهم اليوم؟!
- خصصت هذا اليوم لهم مريم, هذه تقنية اسمها إجتماع أو دردشة القهوة (coffe chat) و لا ليس لدي عليهم ملاحظات, و نحن العرب فقط لدينا تحفظ و تخوف دائماً من إجتماع المدير بموظفيه, في الحقيقة في هذه النصف ساعة, نكسر حواجز نفسية كثيرة , ليعرف الموظفين أن الباب مفتوح لهم, و ليتعرفوا علي كمديرهم, لأعرفهم أنا أيضاً و أعرف مواطن القوة و الضعف لديهم و أسمع إقتراحاتهم , لنتشارك الأفكار , نحن في مجتمع صغير في المعهد لكننا ننشئ رجال و شخصيات يشكلون مجتمع أكبر, يجب أن أكون حريصاً على تكون بيئتهم صحية, و أول شئ أفعله هو أن أعرف و أتعرف على هؤلاء الذين يهدونهم التعليم و التربية!

كان يتحدث و أنا مصغية بإعجاب شديد!
لا أريد أن أقارن بين حال مدرساتنا و مديرة المدرسة على إختلاف الشخصيات و تشابه النموذج الإرهابي,طول مراحل الدراسة, دائماً كانت تصرخ, و دائماً الذهاب إليها يعادل ضيق التنفس و التوتر و الخوف , الخ!
و بين د.جميل, صديق الطلاب و الموظفين!

ما يجعلني أتذكره في هذا اليوم الماطر, هو ان فاجأتنا زخات المطر مرة و نحن في وسط إجتماع ما .. فأرجع كرسيه للوراء و قال :

- ألا تتفقون معي؟! هذا ليس وقت إجتماع .. و ليس هناك شئ مستعجل .. تعالوا لنستمتع بالمطر.
خرج الجميع و بقيت أنا أراقب زخات المطر من خلال نافذة داخلية كبيرة تطل على ساحة تحيط بها المباني, و رأيت د.جميل يذهب للصفوف.. و لم تمر 10 دقائق حتى خرجت أفواج الطلاب من الأبواب وسط دهشتي!
في منتصف اليوم الدراسي! خرجوا و كثير منهم يلهو تحت المطر وهو معهم وكأنه في عمرهم!
كنت ابتسم بفرح و أنا أراقب هذه التجربة الجميلة التي عشتها تلك اللحظة معهم وأقترب د.جميل من النافذة , و قال : لا تستغربي, المطر شحيح في الإمارات, و إن كنت أنا أتوق و أرقص فرحاً به , فهل نحرمهم من المطر؟ تأمل المطر ونعمة الخالق وحدها درس .. لذا أجعلهم يستمتعون به!

كان مشهد مدهش.. الطلاب , المعلمين, الإداريين , الموظفين الذين يشكلون الرابط بين معاهد الدولة بدون التدخل فيما يدور في المدرسة و المطر!

ثم بعد ربع الساعة او 20 دقيقة , طلب منهم جميعاً العودة ... و يا لدهشتي.. بدون فوضى عادوا لفصولهم بعد أن طلب من الذين أبتلوا تحت زخات المطر تبديل ملابسهم بملابس الرياضة التي يحتفظون بها في خزاناتهم!
... ألا تتفقون معي , أننا نحتاج للكثير من نماذج الدكتور جميل في حياتنا العملية و الدراسية؟!

رغم اني ترشحت لهذه الوظيفة و ُطلبت لها كأحد مؤسسي هذه التجربة الإماراتية الفريدة من نوعها و انا أراقب نجاحاتها المستمرة, خاصة و أنه يديرها رجال لهم خبرتهم الطويلة إلا اني أستقلت بعد عرض وظيفي أجمل و لأني عرفت ان رغم الفترة القصيرة إلا اني تعلمت الكثير فيها..

و لم أتخلى عن التجربة , بل مارستها حين أصبحت إدارية تنفيذية و بفريق لا يقل عن 40 شخصاً, و شربت مع الموظفين القهوة , وعرفت ان تقنيات جميل القهوة و الباب المفتوح و الإبتسامة و المرونة هي ناجحة تماماً, مما فسر لي نجاح فريقي الذي كنت أديره و تجنب الأخطاء و لله الحمد حين كنا نعمل على أحد أضخم المشاريع في الدولة, و هذه نتيجة ممتازة لي كشخص يدير فريق بهذا العدد لأول مرة!

لا تهم المدة أبداً .. نحن نتعلم من الشخصيات و الأحداث المختلفة إذا كنا نصغي جيداً!
شكراً لله
شكراً د.جميل
و شكراً للمطر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !