جلست يوما أتحدث إلى جدي حيث كان ما زالت ذاكرته مفعمة بحب الوطن قبل أن يبلغ من العمر الطويل الذي لا يستطيع أن يتذكر إلا القليل القليل فقد كان يقول لي يا جدي هذا الوطن غالي وغلاته تكمن بطيبة أهله يا جدي هذا الوطن ما مثله وطن ترابه ذهب وهواه طيب ومسك وعنبر وآلميه يا جدي صحيح بطلت تيجي على الدار بس يا جدي الميه عنا خمر وزمزم قد ما تشرب منها يا حدي منها بتطلب أكثر يا جدي أتعلم كيف تحب الوطن وتسعى وتصول وتجول بجوانبه وترفع صوتك دايما للعالي وتدعي إلى الله انه يرعاه ويحميه يا جدي ثمانون عاما وان اخدم بها الوطن وما بعرف قديش بقى من عمري لكن يا جدي بطلب من الله انه يزيد بها العمر حتى اقدر أقدم له أشي بسيط مما قدمه لي هذا الوطن يا جدي من فضائله عليّ انه خلاني اعرف كيف أدافع عن الحق خلاني اقدر أقول وما استحي من قول اللي لازم ينقال علمني ما أتمسح بعباءة ولا أتزلف لمسئول علمني يا جدي كيف احمل سلاحي وما أهاب المنية بالدفاع عن عنه وعن كلمة الحق ومش بس هيك يا جدي علمني هذا الوطن كيف اعشق جدتك غزاله وعلم جدتك يا جدي كيف كانت تقف وتقول هبوا يا رجال على خيلكم قوموا شدو سلا حكوا لما الوطن يتعرض لمصيبة يا جدي هذا الوطن برجاله والأردنية يا جدي رجال عند الشدايد ما يهابوا المنية وأنا بذكر يا جدي كيف لما الشريف حسين غضب لما قام جمال باشا الصغير والي سوريا بتعليق رجال العرب على أعواد المشانق يومها يا جدي تعلمنا كيف نغضب ونثور نثور بوجه الظلم والاستبداد بوجه الفاسدين قبل الفساد وظل جدي اسولف وكل فكر جدي أني بعدني صاحي ما نمت وبعد ما استيقظت من النوم لقيت رجال البلد مجتمعه في بيت جدي وهون استغربت وسألت جدتي وين جدي يا جده ليش مش مع الرجال قالت لي وعيونها تدمع وبصوت مخنوق و محروق صعب يسمع جدك يا جده بعد ما رحت بنومك انته جدك تفتحت جروحه وصار أقارن رجال زمان مع رجال اليوم وكيف تغير بيهم وغيرهم الزمان وبعدها صفن بحاله صفنه طويلة وقام من فراشه وراح وقف على البرندا شوية وما شعرت يا جده إلا بصوته يهدر و يقول ... وين الرجال اللي يعرفوا الغضب وين وين الرجال اللي أتعلموا بها البلد وين وين الثوار اللي ثاروا وحرروا الأرض من الاستعمار وين حتى يثوروا ويطهروا هالبلد من الفساد والمفسدين واللي يغطوا عليهم من بعض ها المسئولين ويجردوهم من مناصبهم ويرجعوا أموال هذا الشعب وحقوقه من السارقين اللي جيوبهم أصابها التخمة من كثرة الملايين وي حاسبوهم ويتحاسبوا لما كانوا أقصروا بمحاسبته هؤلاء الشياطين و هون رجع جدك يا جده لفراشه وعيونه حمر تقدح شرار, وأقول الصدق يا جده بيوم ما عهدة جدك بها الحالة من الغضب يوم قبل وسألته مالك يا رجل ليش مكدر ليش زعلان ليش عيونك حمر تقدح نار وشرار وهون جدك ناداني بأسمي و قال :
يا غزاله كيف ما بدي ازعل كيف .. كيف ما بدي أطق وأنقهر كيف .. ما أنتي شايفه يا حرمة شو اللي قاعد بصير الليرة صارت مش ليرة والديون علينا صارت كثير والتعليم صار بسبب ها القوانين مش تعليم .. والقوانين اللي عرفناه وعشنا عليها بطلت تصير قوانين ومجلس النواب ها الوقت غير عنه سنة الست وخمسين وكل ما اجى رئيس حكومة بروح بجيب معه زلمه السابقين وكأنه يعني بها البلد ما في غيرهم رجال صالحين .وأكثر من هيك يا حرمة شو بدي اسولف واسولف .. فاتوا على الوزارات أيد من ورا وايد من قدام حق حلاقة ذقونهم ما معهم ( بين قوسين يعني مفلسين ) لكن بس يطلعوا منها بتطلع معهم الملايين .. و هون يا جده جدك تنهد وقال قبل ما يحط رأسه على المخدة و ينام ورجع قال غريبه ها البلد الوزير ابنه بس تلده أمه بنكتب على شهادة ميلاده المهنة ( وزير ) والمواطن اللي زينا بحرث وبزرع وبصفق وبحمل سلاحه وبدافع عن كل ذرة تراب فيه بنكتب بشهادة ميلاده المهنة ( دافع ضريبه) والحنفية يا حرمه فاتحة بس ما بتصب ميه بس بتصب بصناديقهم الملايين ولا حسيب و لا رقيب عليهم ومين يقدر !! لكن بس يغلط مسكين هون الكل منهم بتراكض بده يطبق القوانين وشو بدك اسولف بعد هيك يا حرمه .. الكيل فاض وما عاد يسع والله يعين ها الناس المبتلين ..
وهون وقف على حيله وقال يا غزاله هذا زمان مش زماني قالها بصوت عالي وكررها كثير وبعدها غضب غضبة الخوف على ها الوطن وسقط بعدها على فراشه وصار جدك مع الميتين .
بس يا جده جدك مات وبقلبه حب كبير للوطن وأهل الوطن ووصاني اوصيك وأقول لك .. الوطن باقي مثل الشمس ما تبقى منوره مثل القمر لما يضوي العتمة الوطن يا جده ما مات ولا عمره بموت دير بالك على هال وطن وعلم أولادك كيف أحبوا ها الوطن .. ها الوطن يا جده كريم أو ما في أكرم منه إلا الكريم
التعليقات (0)