مواضيع اليوم

من حكايات أهل القرى (06) !

عبدالسلام كرزيكة

2010-02-14 13:45:13

0


06 - الــــوادي :

الوادي الذي ترك رأسه على سفح جبال (إيفرظي) يزدادُ إنكماشا كلما إبتعد عن عيونه .. وتزداد ضفتاه تقاربا .. وقد كستا ثياب الخضرة بعيدان القصب التي تزاحم شجر الصنوبر ، فيشكلان - في صراعهما على المكان - غابة يحلو لسكان القرية النزول إليها ، والتمتع بنشوة النسيم الرطب المنبعث منها..

وفي فصل الصيف يصبح الوادي ملجئاً لعشاق السّمَر الهاربين من حرارة البيوت .. والسمر لايحلو إذا كان على غير كؤوس الشاي .. المشروب السحري الذي يحتكره الصحراوي دون كل المشروبات .. وبه فقط تتحرر الصرخات التي يطلق لها المتسامرون العنان لتمضي في سماء القرية رسائل تفض مضاجع محبوباتهم ..

ساقية الوادي رمز من رموز البركة والخير .. ومثالا عن مكان نابض بالحياة التي يسودها الصدق .. والإيمان .. والصفاء .. لذا يعتبرها سكان (تازولت) عين الخير على القرية .. وماؤها بركة تنالها الحقول في دورة تناوب بين الفلاحين ، لكل واحد منهم نصف يوم يوجهها فيه نحو حقله .. فيعود إليه الدّور وأرضه لاتزال ندِيّة بمياه السّقي الأخير ..

أما فتيات القرية ونساؤها فلهن ثلاثة أيام في الأسبوع ، ينزلن فيهم إلى الوادي لغسل الثياب بمياه الساقية ، يوم الإثنين مساءاً ، ويوم الخميس مساءاً ، وصبيحة يوم الجمعة .. ويحلوا لهن النزول في جماعات بأكبر عدد ممكن ، ليستدرجن في نزولهن شباب القرية ومراهقيها ..

هي مناسبة يحظى فيها العشاق برؤية عشيقاتهم بأقل كمٍّ من الثياب في تحاشيهن للبلل أثناء الغسيل ، واستظهاراً لمعالم الأنوثة أمام عيون الشباب ، الذين يحفلون في تلك الأيام بالوقوف على الإختيارات ، وتفحص المعالم التي تخفيها (التيسغناس) ..

بيت (أوردن) على مشارف الوادي ولاتفصله عن الساقية سوى بضع حقول صغيرة ، ضيّق عليها الوادي الخناق ومنعها من التمدّد .. وهو يجد الساقية أيام الجمعة كافية وزيادة لإغتساله الطويل ، ولايبالي في نزوله بأحد من الشباب الذين يقفون بعيدا عن النساء خوفا من إنتقادات كُبريات السن ، خاصة أمهات فتياتهم منهن ، فيكتفون بالنظر من بعيد ..

في نزوله المتثاقل يُعلق منشفته على كتفه ، ويخترق جلسات الغسيل غير آبهٍ بالعيون التي تتفحصه ، ولابالهمسات التي تتلقى أذناه صداها من هنا وهناك :

- أنظري إلى شعره إنه أطول من شعري .. قالت واحدة لجليساتها ..

وقالت أخرى لصاحبتها : أنظري إليه ، لقد ناولوه حبة الغرور في أسفاره ، وهو لايرى أبعد من مواطئ قدميه ! ..

يغتسل ماشاء وينشف شعره ، ويخترق صفوف النساء عائدا إلى بيت عزوبيته ، فاسحا المجال لأحاديثيهن ، وضحكاتهن ، ولبحلقات الشباب في تفاصيلهن .

ــــــــ

(إيفرظي) :- إسم لسلسلة جبلية.

(تازولت) :- إسم منطقة بتمنراست ومعناها (الكحل).

(التيسغناس) :- لباس نساء قبائل الطوارق.

ــــــــــــــــــــــــ

تاج الديـن : 02  - 2010

 

 


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات