04 - اللغات الميتة ! :
إستيقظ صبيحة (يومٍ شتوي) قارص البرد ، على أصوات أهل القرية ، فيما يشبه الشحناء بينهم ، وما يشبه إسترسالات متداخلة لآرائهم حول قضية ما ، واعتقد للوهلة الأولى بأنها لاتعدوا إسترسالاتهم المعتادة حول المحليات التي حفظوا قضياها بحكم تشابهها المتطابق في الإختلاسات المتكررة لمحاصيل الفلاحين الكادحين من أجل جمعها لاقتسامها بالعدل والمساواة بين الجميع .. لكنه تفاجأ هذه المرة بقضية أكبر مما اعتادوه (في قريتهم) من قضايا ، فالخبر بلغ أهل القرية بأن العالم أصبح قرية واحدة ، وأن التقدم الحاصل (ماوراء البحار) قد أفرز ما يسمى بالتكنولوجيات ، والأجهزة الدقيقة ، ما يكفل التواصل البشري في مشارق الأرض ومغاربها ، كما أن (الأمية والجهل) لم يعد مقياسهما تعلم اللغة وأبجدياتها ، بل أصبحا يقاسان بمدى القدرة على استعمال تلك التكنولوجيات وتلك الأجهزة ..!
.. لم يفكر كثيرا ، بقدر ما حسبها ببساطة متناهية ، واستنتج بأنه مادام متعلما ، ويحسن ترويض (لغة الضاد) ، فإنه لن يعجز عن ترويض تلك الأجهزة (حتى لوكان قرويا) ، وعزم على اقتناء واحد منها .. وحرص على تعلم مبادئه الأساسية من خلال البرامج التلفزيونية ، والدورات التعليمية التي أصبحت مكثفة ، لانتشال ما يمكن إنتشاله من براثن (التخلف ) ..
المهم أنه استطاع نفي تهمة الجهل عنه ( وفي كل الأحوال) ، لأن قناعاته الراسخة ، بأن الإنسان يملك طاقات (جبارة) ، وعقلا يستطيع بواسطته التأقلم مع الظروف الطارئة ، والمستجدات المتماشية مع النقلات البشرية (وفي كل الميادين) .. مايؤهله لكسر الحواجز (مهما كانت صلابتها) ، وما يسمح له باكتساب خبرات تضاهي خبرات المبتكرين (في الطرف الآخر) ..!
ورغم أن بعض الحواجز تستنزف جهودا ( كبيرة) ، وأزمنة (طويلة) لكسرها ، إلا أن حاجز (لغته العربية) لايزال أطولها أمدا .. لأنها (في المجال التكنولوجي) من (اللغات الميتة) ؟!.
ـــــــــــــــ
التعليقات (0)