الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، بداية نحب أن نلفت انتباه المرأة إلى أمر غاية في الأهمية، ألا وهو أن رضى الزوج عن زوجته هو طريقها إلى الجنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؛ الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول : والله لا أذوق غمضا حتى ترضى". رواه النسائي بإسناد صححه الألباني. والعؤود هي التي تعود على زوجها بالنفع. فالزوج هو جنة الزوجة و نارها ؛ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أَنْتِ لَهُ قَالَتْ مَا آلُوهُ [أي لا أقصر في طاعته وخدمته] إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ؟ رواه أحمد بإسناد صحيح.
وحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق ، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) البقرة/228. ففي هذه الآية أخبر الله تعالى أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه، وهذا نص في أنه مقدم في حقوق النكاح فوقها . ومن هذه الحقوق :
(1) وجوب الطاعة: يجب على الزوجة طاعةُ زوجها وقبول أمره ما لم يكن معصية، قال تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) [النساء:34]، و"قوام" فعال للمبالغة؛ من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد. و قد جعل الله الرجل قوَّاماً على المرأة بالأمر والتوجيه والرعاية ، بما خص الله به الرجل من خصائص جسمية وعقلية ، وبما أوجب عليه من واجبات مالية، وطالما أن الرجل قائما على أمر المرأة فلزم المرأة أن تطيع الرجل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعقيبا على الآية السابقة : :" على المرأة وجوب طاعتها لزوجها مطلقًا، فإن المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب". و يؤكد ذلك ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحصّنت فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ" رواه أحمد بإسناد حسن. ثم إننا نحذر المرأة التي تؤذي زوجها بعصيانه وعدم طاعته، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ؛ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا، سَاخِطٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ" رواه الترمذي بإسناد حسن. و عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ تُؤْذِى امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِى الدُّنْيَا إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لاَ تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكِ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا». ثم إياك أيتها المرأة المسلمة من طلب الطلاق من زوجك بغير سبب، بعض النساء تسارع بطلب الطلاق من زوجها ربما على سبيل التهديد وربما على سبيل الدلال وهذا أمر من أخطر الأمور، فربما يصل الحد بالرجل إلى عدم التحمل فيتم الطلاق ويخرب البيت، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(2) عدم خروجها من بيته إلا بإذنه: قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب:33]، ففي الآية دلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيت، منهياتٌ عن الخروج. يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى. وقال الشافعية والحنابلة : ليس لها الخروج لعيادة أبيها المريض إلا بإذن الزوج ، وله منعها من ذلك؛ لأن طاعة الزوج واجبة ، فلا يجوز ترك الواجب بما ليس بواجب، والإسلام حينما جعل بيت المرأةِ قرارًا لها، وحذرها من الخروج منه، فإنه أباح لها الخروج عند الحاجة أو الضرورة، ومن ذلك الخروج لحضور صلاة الجماعة في المسجد، وكذا الخروج إلى مصلى العيد أو الجهاد أو ما إليه ضرورة. كما أن الإسلام خاطب الرجل وقال له نعم أنت لك الحق في منعها ولكن استخدم هذا الحق بأسلوب سليم، وفي الحديث قال صلى الله عليه و سلم: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا) [ متفق عليه] ، فيُفهم من الحديث أنها إذا أرادت الخروج لا بد أن تستأذن، كما يُفهمُ منه أن للزوج منع زوجته من الخروج إلا ما استثني شرعًا.
(3) ألا تأذن لأحد بدخول بيته إلا بإذنه: من حق الزوج على زوجته ألا تُدْخِل بيتَه أحدا يكرهه . فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَيضاً أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «لا يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنْ في بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذنِهِ» متفقٌ عليه. وقد تكون هذه النقطة هي السبب الرئيسي للعديد من المشكلات الأسرية، فقد يكون الزوج يغار من شخص معين على زوجته أو يعلم سوء خلق شخص معين ولا يأتمنه على دخول بيته أو على خلاف مع شخص معين ثم يفاجأ بأن هذا الشخص دخل بيته، ويجعل الزوجة محل اتهام وشك. فالزوج هو قائد هذا البيت وله الحق في تحديد من يدخل هذا البيت ومن لا يدخله.
(4) أن تصون نفسها عن غيره: على المرأة أن تصون نفسها عن غير زوجها فتحافظ على فراش زوجها، ولا تتساهل في خلوة أي أجنبي بها، ولا سيما أقارب الزوج وأقاربها الذين ليسوا بمحارم، وحقيقةً هذه النقط من النقط المهمة والتي يجب أن تنتبه إليها المرأة ، الزوج غير موجود بالمنزل، والمرأة وحدها بالمنزل أو معها أطفال غير مميزين، يأتي قريب لها أو قريب لزوجها أو حتى أخو زوجها فيدخل ويجلس ينتظر الزوج، موقف ربما يحدث كثيراً ونحن نعتبره موقف عادي، ماذا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخلوة بالمرأة بصفة عامة، وحذر من الأقارب غير المحارم بصفة خاصة، فقال: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ" متفق عليه. الحمو هو قريب الزوج أخوه أو ابن عمه. وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"متفق عليه. و لتحذر المرأة من خيانة زوجها ، فهي مؤتمنة على كل أموره . و لتتذكر أن الله تعالى امتدح الحافظات فقال تعالى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) (النساء: 34) وعن جابر قال: قال صلى الله عليه و سلم: "فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم.
(5) تمكين الزوج من الاستمتاع : مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع إذا استوفى عقد النكاح شروطه ووقع صحيحا ، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب ، وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة ، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والمرض وما شابه ذلك . عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إِذَا دعَا الرَّجُلُ امْرأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَأْتِهِ فَبَات غَضْبانَ عَلَيْهَا لَعَنتهَا الملائكَةُ حَتَّى تُصْبحَ» متفقٌ عليه . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا" رواه مسلم. فعصيانه في هذه الحالة من أكبر المعاصي ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ" رواه الترمذي وصححه الألباني.وقَوْلُهُ : ( إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ، ( فَلْتَأْتِهِ ) أَيْ لِتُجِبْ دَعْوَتَهُ، ( وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تَخْبِزُ عَلَى التَّنُّورِ مَعَ أَنَّهُ شُغْلُ شَاغِلٍ لَا يُتَفَرَّغُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ اِنْقِضَائِهِ . فَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ ، وَتَلَفُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ وُقُوعِ الزَّوْجِ فِي الزِّنَا . كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ . فعلى المرأة ألا تتعلل بانشغالها في واجباتها المنزلية لتقصر في حق زوجها.
(6) ألا تصوم صيام تطوع وزوجها موجود إلا بعد أن تستأذنه: فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أَيضاً أَن رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : «لا يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ، وَلا تَأْذَنْ في بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذنِهِ » متفقٌ عليه؛ لأن صيام التطوع بغير إذنه قد يضيع عليه كمال الاستمتاع حتى لو كان ذلك تطوعا بعبادة. والحديث دليل على أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوعِ بالخير؛ فحقه واجب، والواجب مقدم على التطوع.
(7) أن تحفظ ماله ولا تفرط فيه أو تبعثره: فلا يجوز للزوجة أن تضيع مال زوجها الذي تعب في تحصيله وتحمل المشاق في جلبه وكسبه، سواء كان ذلك نقودًا أو طعامًا أو ملابس أو أثاثًا أو غير ذلك، فليس لها أن تبذر إذا أنفقت منه؛ لأنه قد ائتمنها على ذلك، وتبذيرها له خيانة، والخيانة من صفات المنافقين، وليس لها الحق في أن تتصرف بشيء من ماله دون إذنه ورضاه، إلا إذا كان حريصًا على المال حرصًا شديدًا، بحيث لا يوفر لها حتى النفقة على نفسها وأولادها، فيجوز لها حينئذ أن تأخذ ما يكفيها ويكفي أولادها بقدر الحاجة. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ" متفق عليه. و قالوا : على المرأة ألا تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه، لما روى أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ): يقول: " لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامُ قَالَ ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا " رواه الترمذي بإسناد حسن. وعليه فقد أجمع العلماء على أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنه فإن فعلت فهي مأزورة غير مأجورة. غير أن المتصَدَّقَ به إذا كان يسيرًا من عادة الزوج أن يسمح بمثله فللزوجةِ التصدق به ولو لم يأذن الزوج.
(8) التأديب : للزوج تأديب زوجته عند عصيانها أمره بالمعروف لا بالمعصية ؛ لأن الله تعالى يقول: "وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً" النساء/34. وذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهرة، ومنها: ترك الصلاة ، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه .
(9) الاعتراف بفضل الزوج عليها وعدم إنكار معروفه: فلا تنكر الزوجةُ ما قدمه لها وأسداه إليها من معروف، فإن كثيرًا من النساء تجحد فضل زوجها عليها، وخاصة عندما تغضب، وذلك من أسباب دخولها النار، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ. قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ" متفق عليه.
(10) أن تتزين لزوجها: وتبتسم في وجهه، حيث يجب على المرأة أن تتزين لزوجها، وأن تبدو له في كل يوم كأنها عروس في ليلة زفافها، وقد عرفت أنواع من الزينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كالكحل، والحناء، والعطر. وَقَدْ رُوِىَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: « عَلَيْكُمْ بِالإِثْمِدِ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ ». [الترمذي بإسناد صحيح]. وكانت النساء تتزين بالحلي، وترتدي الثياب المصبوغة بالعُصْفُر (وهو لون أحمر)، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته ألا يدخل أحدهم على زوجته فجأة عند عودته من السفر؛ حتى تتهيأ وتتزين له، فعن جابر-رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يَطْرُقَ الرجل أهله ليلاً.[متفق عليه]. ولا ينبغي أن تظهر أمامه بمظهر ينفر منه، كأن تلبس ملابس سيئة المنظر، أو تقترب منه وبها روائح غير مناسبة من آثار الطبخ وغيره، فإن ذلك من شأنه أن يكرّه الزوج فيها، ويُنَفِّره منها، وقد يعقبه بغض شديد لها، لاسيما إذا داومت على ذلك المظهر السيئ. وكثير من النساء لا تعتني بمظهرها أمام زوجها، لا في ملبسها ولا في نظافتها، وتعكس ذلك إذا خرجت في زيارة خارج المنزل، فتراها تعتني بنفسها وتلبس أجمل ثيابها وتتعطر، وهذا الفعل يعتبر من أسوأ الأفعال وأشنع الصفات التي تصدر من الزوجة مع زوجها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِىَ زَانِيَةٌ » [الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح].
(11): أن تواسيه: وتعمل على فعل ما يُدْخِلُ عليه البهجة والسرور، وتزيل عنه الهمَّ والغم والتعب، وتهدئه في حال الغضب بالأساليب المناسبة، والرجل في حاجة إلى مواساة امرأته وتسكينها إياه في حالات الغضب، أو نزول حوادث محزنة، كموت ولدٍ أو فقد مال أو ما أشبه ذلك، ولقد ضربت أم سليم زوج أبي طلحة رضي الله عنهما أنصع مثال في هذا، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنهما ): قال: اشْتَكَى ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ قَالَ فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ فَلَمَّا رَأَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ كَيْفَ الْغُلَامُ قَالَتْ قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ قَالَ فَبَاتَ فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا كَانَ مِنْهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا، قَالَ سُفْيَانُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلَادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ متفق عليه.
(12) أن تقوم بالخدمة في بيته، لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الزّوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممّن تخدم نفسها أو ممّن لا تخدم نفسها. إلاّ أنّهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة. فذهب الجمهور الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة إلى أنّ خدمة الزّوج لا تجب عليها لكنّ الأولى لها فعل ما جرت العادة به. وذهب الحنفيّة إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها، فقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة أنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم قسّم الأعمال بين عليّ وفاطمة رضي الله عنهما ، فجعل عمل الدّاخل على فاطمة، وعمل الخارج على عليّ». وعليه فقد ذهب جمهور المالكيّة، إلى أنّ على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة الّتي جرت العادة بقيام الزّوجة بمثلها، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم «كان يأمر نساءه بخدمته فيقول : يا عائشة أطعمينا ، يا عائشة هلمّي المدية واشحذيها بحجر». أما عن والدي الزوج فالزوجة ليست ملزمة شرعا بخدمة والدي زوجها، ولكنه بر وإحسان يحسن أن لا تتركه، وفيه من الألفة ونشر المودة بين الأسرة ما لا يخفى. وعلى المرأة أن تصبر على ما قد تعانيه من تعب ومشقة، ولتجعل من فاطمة بنت رسول الله نموذجا يحتذى به، عن عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنْ الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ قَالَ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي فَقَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ" متفق عليه. فخدمة الزوجة في بيت زوجها أمر لا ريب فيه ، ولا يصح التفريق بين شريفة و دنيئة ، وفقيرة وغنية . فهذه فاطمة بنت رسول الله أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها وجاءت الرسول صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة ، فلم يقبل شكايتها.
التعليقات (0)