من تفلسف... تزندق. ما هي الفلسفة؟. سؤال تصدى له عدد من الفلاسفة و المفكرين منذ بداية فعل التفلسف في بلاد الإغريق. لكنه يظل سؤالا راهنيا في المجتمعات الإسلامية، لأننا نحتاج حقا إلى فهم هذا الفكر البشري الذي يبدو أنه لا يجد القبول ( كالعادة ) في هذه المجتمعات.
يرتبط مفهوم الفلسفة عندنا بشكل مباشر ومتعسف بالكفر و الإلحاد، وفي أحسن الحالات( وقد تكون هي الأسوأ ) بالهذيان و الكلام الزائد. غير أن الأمر لا يتوقف عند عامة الناس فحسب، بل إنه يتجاوز ذلك إلى من يحسبون على الثقافة والمعرفة أيضا. هؤلاء الذين نطلق عليهم إسم " المثقفين " لا يختلفون عن بقية الناس في نظرتهم إلى الفلسفة، وإن كان ذلك لا شعوريا على الأقل. وفي كثير من الأحيان نسمع في مجالس الجدل والنقاش الفكري من يتهم محاوره بالتفلسف، و تهمة التفلسف هذه تتكرر كلما تكلم شخص بدون منطق أو قال كلاما غير مفهوم. لذلك تعني الفلسفة بناء على هذا التصور كل ما ليس فيه ترتيب و تنظيم ووضوح. وهكذا انقلبت المفاهيم رأسا على عقب و أصبح كل ما لا علاقة له بالعقل والمنطق ضربا من الفلسفة.
رفض المسلمون الفلسفة في القرون الوسطى رفضا باتا عندما نجح تيار النقل - الذي ما يزال متحكما في أدوات التفكير حتى اليوم - في تجييش عواطف العامة من الناس و تخويف متعاطي الفكر الفلسفي بالترهيب و المحاصرة والمصادرة. وكان طرد الفلسفة بمثابة إعدام للعقل. أو لنقل على الأقل إنه كان حكما بنفي هذا العقل إلى أجل غير مسمى. و هو لا يزال قابعا في منفاه الإجباري حتى اليوم. وإذا كان سقوط العقلانية من حسابات المسلمين هو السبب الرئيسي في كل مظاهر التخلف التي يعيشونها، فإن الواقع يكرس هذا التوجه العام بشكل يثير الشفقة حقا.
لقد نجح الفقهاء إلى حد بعيد في اعتقال العقل و إطلاق العنان لتأويلاتهم الغيبية بالتغلغل في الشعور الجماعي .وفي كل مرة يحاول العقل أن يتمرد و يغرس بعض بذور التفكير في الأرض القاحلة، ينهض المجتمع بكل فئاته للمقاومة و التصدي. فالعقل رجس من وساوس الشيطان. و كل من يفكر كثيرا يتجاوز الحدود و يسقط في المحظور. لذلك ينبغي مراقبة هذا العقل و استخدامه في حدود ماهو يومي و مرتبط بالحاجيات الحياتية البسيطة فقط... وبدل لغة العقل و المنطق السليم، استوطنت خطابات الوعظ والإرشاد كل القلوب، و بالرغم من ذلك فإن السلوكات اليومية لا علاقة لها بالتوجيهات الخطابية، و ذلك في ظل واقع يكرس أزمة الهوة العميقة بين القول والفعل. محمد مغوتي 13/06/2010.
التعليقات (0)