مواضيع اليوم

من تراثنا العربي : رسالة إلى علمائنا ..

قال الاصمعى : "كان يقال : صنفان إذا صلحا صلح الناس : الأمراء، والفقهاء" وحقا فإن العلماء إذا فسدوا فسد بفسادهم خلق كثير، وأول ما يفسد بفسادهم الحكام؛ لأنهم لا يجدون من يأمرهم أو ينهاهم أو يأخذ على أيديهم ويحجبهم عن ظلمهم واستبدادهم، فيزداد الحكام استبدادا وطغيانا، ويزداد المحكومون سلبية واستكانة؛ لما يرون أهل العلم واللسان قد خرست ألسنتهم، فلا تنطق إلا نفاقا وتملقا من أجل مغانم رخيصة وغايات وضيعة، وبفساد الحكام والمحكومون تضيع المصالح، وتذل الدول بعد عز، وتقهقر إلى ذيل الأمم بعد تقدم، ويطمع فيها كل من هب ودب، ويظهر عليها أراذل الناس، ومتى وجدت الأوطان علماء أفاضل لا يخشون في الله لومة لائم، يقولون الحق، ويصدحون به، ولو كان فيه حتفهم، ويغارون على المحارم، ويغلبون المصالح العامة على مصالحهم الشخصية؛ فإن الأمم ترقى، والأوطان تزدهر، والشعوب تسعد وتأمن على حقوقها وأعراضها.

وهذا نموذج للعلماء الأفاضل من تراثنا العربي ممن يصدحون بقول الحق، ولا يؤخر ذلك من حظهم شيئا، ولا يمنع عنهم من قدرهم أمرا..
فقد ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد كتاب اللؤلؤة في السلطان مايلى:
" أرسل ابن هبيرة أحد ولاة بنى أمية إلى الحسن البصري والشعبي فقال للحسن : ما ترى أبا سعيد في كتب تأتينا من يزيد بن عبد الملك فيها بعض ما فيها، فان أنفذتها وافقت سخط الله، وان لم أنفذها خشيت على دمى، فقال له الحسن: هذا عندك الشعبي فقيه أهل الحجاز، فسأله فرقق له الشعبي، وقال له: قارب وسدد؛ فإنما أنت عبد مأمور .
ثم التفت ابن هبيرة إلى الحسن وقال: ما تقول يا أبا سعيد فقال الحسن: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، يا ابن هبيرة، إن الله مانعك من يزيد، وإن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فانظر ما كتب إليك فيه يزيد فاعرضه على كتاب الله تعالى، فما وافق كتاب الله تعالى فأنفذه، وما خالف كتاب الله فلا تنفذه، فان الله أولى بك من يزيد، وكتاب الله أولى بك من كتابه، فضرب ابن هبيرة بيده على كتف الحسن، وقال : هذا الشيخ صدقني ورب الكعبة، وأمر للحسن بأربعة آلاف درهم، وأمر للشعبي بألفين، فقال الشعبي: رققنا فرقق لنا. فأما الحسن فأرسل إلى المساكين، فلما اجتمعوا فرقها، وأما الشعبي فانه قبلها وشكر عليها.

"ودخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فقال له: ما حديث يحدثنا به أهل الشام؟ قال: وما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدا رعية كتب له الحسنات، ولم يكتب له السيئات، قال: باطل يا أمير المؤمنين، أنبي خليفة أكرم على الله أم خليفة غير نبي؟ قال: بل نبي خليفة، قال: فإن الله تعالى يقول لنبيه داود عليه السلام ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) فهذا وعيد يا أمير المؤمنين بنبي خليفة فما ظنك بخليفة غير نبي، قال : إن الناس ليغووننا عن ديننا."

أرأيتم علماءنا كيف أن كلمة الحق لا تنقص أجلا أو رزقا؟ وأن ما قدره الله للإنسان فهو كائن، رضي أم أبى، فعل أم لم يفعل، فلتكن حياة كريمة، أو موتة شريفة، وإلا فالخسران المبين في الدنيا والآخرة، في الدنيا ذل لا ينتهي، ووسم باللعنة لا ينفك، وفى الآخرة حساب شديد، وعذاب أليم .

محمد عبد الفتاح عليوة
Ostaz_75@yahoo.com
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !