مواضيع اليوم

من تجارب الآخرين في بناء الديمقراطية 3

د.هايل نصر

2010-08-13 17:57:11

0

في التجربة الرومانية.

من "الديمقراطية الشعبية" الى الديمقراطية الليبرالية.
عرفت رومانيا نظام الملكية الدستورية كما رسمه دستور عام 1866 المستوحى من الدستور البلجيكي لعام 1831. وعرفت في نفس الفترة نظام الثنائية الحزبية على الطريقة البريطانية, بوجود حزب الاحرار وحزب المحافظين. اعطى الدستور المذكور الأولوية للسلطة التنفيذية. معززا مكانة الملك وسلطاته.

انشأ الملك مجلسا يضم شخصيات ثقافية وعلمية ورجال أعمال وسياسيين, هو مجلس العرش. رغم ان لا الدستور المذكور ولا دستور 1923 , الذي صدر بعد الخروج من معاهدة فرساي, نصا على مثل هذا المجلس. كانت القرارات الهامة تناقش فيه, , وتحال بعد ذلك الى الحكومة او البرلمان. كان تأثير الملك على المجلس كبير. وبقي النظام السياسي الروماني طيلة فترة ما بين الحربين العالميتين يتميز بهيمنة الملك ومجلس العرش.

تأثرت السياسة الرومانية منذ القدم بالإمبراطوريات المتعددة والمتعاقبة على المنطقة: الرومان البيزنطيون. المغول. العثمانيون. والامبراطورية الفرنسية في القرن 19. وصولا الى نفوذ الاتحاد السوفيتي الممتد الى نهاية النظام الاشتراكي.

في نهاية الحرب العالمية الثانية فقد حزب المحافظين سيطرته السياسية ليحل محله حزب الفلاحين القومي. ولم يتغير هذا شيئا يذكر في النظام السياسي. اذ بقيت الديمقراطية ديمقراطية شكلية واجرائية.

فترة النظام الشيوعي.
اعتبر بعض الرومان ان تاريخهم بعد الحرب العالمية الثانية كان قد تقرر بعد ما اعتبروه انقلابا سوفيتيا اثر احتلال البلاد عام 1944. فالانتخابات كانت تبين مدى ضعف الحزب الشيوعي الروماني حينها, فنتائجه لم تكن تتعدى 3 الى 5% من الاصوات. ومع ذلك وصل الى السلطة وسيطر عليها. مما يبين الدور الكبير للاتحاد السوفيتي في فرض النظام السياسي الذي تمكن من خلاله الهيمنة على رومانيا.

بدأ النظام الشيوعي الروماني عام 1945 بإخضاع المملكة الرومانية لرقابته وهيمنته. وفي 30 ديسمبر 1947 اعلنت الجمهورية الشعبية الرومانية. وصدر اول دستور شيوعي في افريل 1948.

على مستوى المؤسسات, عزز دستور 21 اوت 1965 دور الجمعية الوطنية. فالحكومة لا تملك سلطة تنظيمية مستقلة. ولا تسطيع ان تتصرف لتطبيق القوانين الا بدعوة صريحة من قبل المشرع, وحتى من قبل مجلس الدولة. ولا تملك حق التشريع عن طريق المراسيم. وكان لمجلس الدولة دائما حق اصدار مراسيم لها قوة القانون, تتحول اجباريا الى قوانين خلال الدورة الاولى للبرلمان التي تعقب تبنيها. والا وقعت باطلة.

أخذت رومانيا لاحقا تبتعد شيئا فشيئا عما هو جار العمل به في تنظيم المؤسسات في الدول الاشتراكية الاخرى, فأنشأت منصب رئيس للجمهورية. وزادت عدد المجالس المشتركة في مجلس الدولة, وفي اللجنة المركزية للحزب. جعل الدور المعترف به للمؤسسات الحزبية في الحياة السياسية من رومانيا دولة ذات خصوصية تميزها عن غيرها من الدول التي تشاركها المفاهيم الشيوعية.

اشهر فترات النظام السياسي الروماني هي فترة دكتاتورية تشاوسيسكو التي استمرت 25 عاما وكانت تعتبر من اشد الدكتاتوريات في اوروبا الشرقية. لا تضاهيها او تبزها الا دكتاتوريات العالم العربي.
عزز تشاوسيسكو عام 1967 موقعه في الحزب والدولة, فاصبح السكرتير الاول للحزب, وانتخب رئيسا لمجلس الدولة. كانت سياساته الخارجية تهدف لإخراج رومانيا مما كان يسمى الدوران بفلك الاتحاد السوفيتي. وفي العام نفسه كانت رومانيا الدولة الوحيدة في المنظومة الاشتراكية التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل بعد عدوان هذه الاخيرة على الدول العربية عام 1967.

رسخ تشاوسيسكو سياسة عبادة الشخصية, وامر بصناعة صولجان على غرار الملوك. وكان يريد ان يُنصّب في بلده كبطل قومي من التاريخ. وجند لذلك على غرار كل الانظمة الشمولية الاستبدادية كل وسائل الاعلام والدعاية لتضفي على شخصه صفات العظمة والعبقرية, والمشروعية. كما اسند لزوجته مناصب هامة عامة وخاصة ووزارية في الدولة وفي المجتمع, وكذلك كان الحال فيما يتعلق بأفراد عائلتيهما. وجعل من ابنه السكرتير العام للشبيبة الشيوعية ووريث سياسيي له. واغدق على ابنائه الاخرين وكل المقربين منه المزايا والنعم والمكرمات المادية والالقاب الفخرية. واضاف عام 1974 الى مهامه لقب رسمي هو رئيس الجمهورية.

مما يجدر ذكره هنا ان العديد من الانظمة الدكتاتورية في العالم الثالث, وبشكل خاص في المنطقة العربية, استفادت من ابتكارات وممارسات وتقنيات دكتاتورية تشاوسيسكو كنموذج. ولكنها ترفض الى الان اخذ العبرة من مصيره.

كانت رومانيا الشيوعية البلد الاول في اوروبا الشرقية الذي أقام علاقات رسمية مع الجماعة الاوربية الاقتصادية, وذلك عام 1974, مما اعطاها صفة البلد الأكثر حظوة. عقدت اتفاقا عام 1980 حول المنتجات الصناعية. ومع ذلك رفض تشاوسيسكو دائما اجراء اية اصلاحات ذات طابع ليبرالي. فبقي متمسك بالمفاهيم الستالينية. مبتعدا عن توجهات الاتحاد السوفيتي و أعضاء حلف وارسو الذين شرعوا في انتقاد الفترة الستالينية والابتعاد عن مفاهيمها. كان يعزز دور رجال الامن في قمع الحريات الفردية والعامة, وبشكل خاص حرية التعبير والاعلام, ولا يسمح باي معارضة مهما كانت محدودة او دون وزن يذكر.

عام 1972 تبني فكرة تقليص الفوارق بين المدينة والريف مستلهما بشكل خاطئ كتابات انجلز. وقد اسفرت عن هذه السياسة تغيرات كارثية في رومانيا, وخاصة فيما يتعلق بتهديم العديد من القرى وترحيل سكانها الى مجمعات مدنية, وحتى قبل الانتهاء من برامج البناء. ازال من الوجود اكثر من 50 مدينة ليعاد بناؤها على طريقته. ودمر معالم ومواقع مصنفة عالميا على انها اثار تاريخية.

لم تكن دول الديمقراطيات الغربية بسياساتها الانتهازية, (انتهازية لم ولن تتخلى عنها يوما في تعاملها مع الدكتاتوريات اينما كان موقعها: سكوت على الفظائع ومتاجرة بها للضغط على مرتكبيها عند اقتضاء المصلحة. وصولا الى حد الدعم العلني والمشاركة المباشرة غير المباشرة في تنصيبهم وتثبيتهم ), جادة في ادانة دكتاتورية تشاوسيسكو, طالما ان سياسته الخارجية تسعى لان تكون مستقلة عن سياسات الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الاخرى, وطالما ان مصالحها الاقتصادية ليست في خطر. اغرقته في الديون لتمويل مثل تلك المشاريع المشار اليها اعلاه, والتي كانت هي نفسها تدينها في وسائل اعلامها من حيث جدواها الاقتصادية, واضرارها الاجتماعية وما تلحقه بالإنسان والاعتبارات الانسانية .. وفي الوقت نفسه تشجع شركاتها وتترك لها المجال واسعا لتمولها بأقسى الشروط. مما اجبر هذا المدين المستهتر بشؤون دولته وشعبه على تصدير جزء هام من منتوجاته الصناعية والزراعية ليتمكن من سداد ديونه, دون اي اعتبار لما يتركه هذا من اثار مأساوية على مواطنيه حاضرا ومستقبلا.

سقط نظام شاو سيسكو في 17 ديسمبر 1989 منهيا حياته السياسية بإعطائه الامر للجيش ورجال الامن Securitate بإطلاق النار على المتظاهرين ضد نظامه في تيمشورا Timisoara . في 25 ديسمبر 1989 , بعد محاكمة دامت 55 دقيقة صدر الحكم فيها عليه وعلى زوجته بالإعدام, وتم تنفيذ الحكم فيهما فورا رميا بالرصاص في القاعدة العسكرية في Târgoviste وعرض التلفزيون "المشهد" بمأساويته ودلائله .

التجربة الرومانية هذه حولت النظرية الشيوعية, فيما يتعلق بالدولة والحكم , الى ممارسلت مأساوية كرست الطغيان ورسخت مفهوم عبادة الشخصية, والغت مفهوم حقوق الانسان والحريات العامة والفردية. فأعطت عكس ما اراده مؤسسو الشيوعية.

بعد هذا السقوط بقيت صيغة الجمهورية , رغم بعض المطالبات بعودة المك ميشال. وقد رفضت الجمعية التأسيسية عام 1990 ـ 1991 هذه العودة. واقرت الجمهورية نهائيا. وبقيت المسالة الاساسية التي تطرح نفسها في مسألة ايجاد الية تسمح بفصل السلطات وتقيم التوازن بينها. وتحقق لتيار الشباب بعض ما يتطلع اليه, نظامابرلماني مع وجود رئيس دولة محدود السلطات.

عشية انتخابات 1990 تشكل 80 حزبا معترفا به , وصل ممثلو 18 منها الى الغرفة النيابية . وممثلو 7 احزاب الى مجلس الشيوخ. وقد احرز حزب واحد, هو حزب جبهة الخلاص الوطني الذي اسسه ايون ايلسكو على 85% من الاصوات , وثلاثة ارباع المقاعد النيابية. مما جعله الحزب المهيمن.

من الاحزاب السياسية يمكن ذكر:
ـ القوى الديمقراطية الرومانية
ـ جبهة الخلاص القومي
ـ الحزب الاجتماعي الديمقراطي (عضو الحزب الاشتراكي الأوروبي, والاشتراكية الدولية).
ـ الحزب الشيوعي الروماني
ـ حزب المحافظين الروماني
ـ حزب التحالف الاشتراكي
ـ حزب المبادرة القومية
ـ حزب الجيل الجديد (مسيحي ديمقراطي)
حزب رومانيا الكبرى
ـ حزب الرومان
ـ حزب البيئة الروماني
ـ الحزب الحر الديمقراطي
ـ الحزب القومي الديمقراطي
ـ الحزب القومي الحر
ـ حزب الفلاحين القومي
ـ حزب الفلاحين القومي المسيحي الديمقراطي
ـ الحزب الاخضر
ـ احزاب الاقليات العرقية في رومانيا
ـ فيدرالية الطوائف اليهودية الرومانية
ـ حزب يهود رومانيا
ـ اتحاد الصرب في رومانيا
ـ الاتحاد الديمقراطي المجري في رومانيا.
(سوريان سوار, الاحزاب السياسية الرومانية بعد 1989, اصدار جامعات بروكسل, 2004).

والواقع ان الدستور الروماني الذي أقره استفتاء شعبي عام 1991 , جعل من رومانيا جمهورية برلمانية مع توجه رئاسي, مستوحيا في ذلك بعض الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة. (تميزت الحياة السياسية الرومانية بقصر عمر دساتيرها, فقد عرفت البلاد بين عام 1866 و 2005 سبعة دساتير خضعت الى 25 تعديلا).

نص دستور عام 2003 في المادة الاولى فقرة 1 من العنوان الاول ( مبادئ عامة), على أن:
1ـ رومانيا دولة مستقلة سيدة موحدة غير قابلة للتجزئة.
2ـ الجمهورية هي نظام الدولة الرومانية.
3 ـ رومانيا دولة قانون, ديمقراطية, اجتماعية, فيها كرامة الانسان وحرية تطور شخصيته, والحقوق, والعدالة, والتعددية الحزبية, تمثل القيم العليا في روح التقاليد الديمقراطية للشعب الروماني, والافكار الثورية لثورة 1989 مضمونة.
4 ـ تنظم الدولة طبقا لمبدأ فصل وتوازن السلطات: التشريعية, التنفيذية, القضائية, في اطار الديمقراطية الدستورية.
5 ـ احترام الدستور وعلويته واحترام القوانين الزامي.
كما بينت المادة الثانية ان السيادة تعود للشعب.

المادة الثانية من العنوان الأول: السيادة
الفقرة الاولى: تعود السيادة للشعب.
الفقرة الثانية: لا تسطيع اية مجموعة أو اي شخص ممارسة السيادة باسمه الشخصي.

في البحث عن نموذج سياسي لم تبرح التجربة التاريخية الرومانية اذهان غالبية الرومان, والتي تمثلت في هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات, وقادت الى استبداد تجسد في شخص الملك فيما قبل المرحلة الشيوعية, ثم الى دكتاتورية وشمولية تمثلت في شخص تشاوسيسكو في الحقبة الشيوعية. ومن هنا كانت المناقشات حامية في البرلمان وخارجه, لان النظام السياسي في اي بلد مرتبط بشكل وثيق بشكل حكومته.

توصلت الجمعية التأسيسية, بأغلبية الاصوات , على ان يمثل السلطة التنفيذية رئيس جمهورية يلقب برئيس رومانيا, منتخب بالاقتراع العام السري والحر, (على غرار ما يجري عليه العمل في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية), مما يكسبه مشروعية كبيرة. ولكن على ان تكون سلطاته محدودة, واقل بكثير من تلك التي يتمتع فيها رئيس الجمهورية في النظام نصف الرئاسي الفرنسي. بحيث يكون, كما يراه الدستوريون الرومان, نظام يقترب من النظام البرلماني أكثر من اقترابه من النظام نصف الرئاسي. أو كما وصفه أحدهم بانه نظام نصف رئاسي/ برلماني. (المصدر السابق).

يتكون البرلمان الروماني من غرفتين : غرفة الشيوخ "أو مجلس الشيوخ" وتضم 137 شيخ. وغرفة النواب وتضم 341 نائبا . يُنتخب اعضاء البرلمان بالاقتراع العام المباشر السري لمدة 4 سنوات. كان اخرها انتخابات عام 2008 . وصفت المادة 58 من الدستور البرلمان على انه السلطة التمثيلية العليا للشعب الروماني, والهيئة التشريعية الوحيدة للبلاد.

قمة السلطة التنفيذية ثنائية. تتكون من رئيس رومانيا, والوزير الأول. رئيس رومانيا منتخب باقتراع عام مباشر سري, وليس من البرلمان وفي البرلمان, لفترة 5 سنوات تبدأ من ادائه اليمين الدستورية ولا يحق له ممارسة اكثر من فترتين رئاسيتين يمكن ان تكونا متتالتين. رغم دوره الرمزي تقتصر مهامه على جعله "وسيطا بين سلطات الدولة, وكذلك بين الدولة والمجتمع". (المادة 80 من الدستور).

يسمي رئيس رومانيا مرشحا لمنصب الوزير الأول (م. 103) وهو مجبر على اختياره بناء على اقتراح الحزب الذي حصل على الغالبية في الانتخابات التشريعية. في غياب وجود هذه الاغلبية عليه استشارة الاحزاب الممثلة في البرلمان. اختصاصات الرئيس المقيدة في السلطة التنفيذية لا تسمح له بعزل الوزير الاول (م. 107). كما لا يستطيع حل البرلمان. ولكنه يجبر على حله في حال اخفاق 3 اقتراحات متتالية لتسمية الوزير الاول. تؤمن الحكومة, بعد حصولها على ثقة البرلمان, تطبيق السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.

المراسيم التي تصدر في الامور الهامة يجب ان تحمل توقيع الوزير الاول الى جانب الرئيس (مادة 99 فقرة 2). بهذا التوقيع تستفيد المراسيم من ثقة البرلمان بتصويته عليها. هذه الصيغة التقنية الاجرائية يمكن للبرلمان ممارسة رقابته المباشرة على الوزير الأول ورقابة غير مباشرة على رئيس رومانيا. وعليه فتقنية ثنائية قمة السلطة التنفيذية المكونة من رئيس رومانيا والوزير الأول, تُخضع هذه القمة للرقابة البرلمانية المباشرة أو غير المباشرة.

يمكن للبرلمان ــ المنتخب بنفس طريقة انتخاب رئيس رومانيا ــ ان يوجه تهمة الخيانة العظمى للرئيس, او اعلان عدم مسؤوليته السياسية. (ويظهر هنا التأثر بالنموذج التنظيمي الفرنسي للدستور الفرنسي الحالي).

في البناء الدستوري الروماني تكون علاقات القوى محابية لرئيس الدولة في حال كون الاغلبية البرلمانية هي نفسها الاغلبية الرئاسية, اي المساندة للرئيس في البرلمان. اما في حال كون تلك الاغلبية ليست هي اغلبية الرئيس وانما أغلبية الوزير الاول, فان العلاقات بين هذين الممثلين للسلطة التنفيذية تصبح علاقات لا تتصف بالانسجام والتوافق, اي علاقات متوترة تعيق السير السليم لعمل السلطة التنفيذية, وهذا ما جرى على سبيل المثال بين رئيس الدولة ايون ايليسكو والوزير الأول بيتر رومان. وكانت العلاقات اكثر تعقيدا وتوترا بين الرئيس باسكو وبين الوزير الاول تارسينو. للنموذج الفرنسي تجاربه بهذا الصدد استطاع بفضلها ان يوفق بين المراكز المتعارضة , وحصر التوتر بحده الادنى, بين الرئيس والوزير الاول والحكومة التي ليست من الاغلبية الرئاسية, بالتوصل الى ما اسماها سياسة المساكنة cohabitation التي عرفها عهد ميتران وعهد شيراك.

خصص الدستور العنوان الرابع للمجلس الدستوري Cour constitutionnelle تكوينه واختصاصاته.
فنصت المادة ,142 الفقرة 1, على ان المجلس الدستوري ضامن لعلوية الدستور. يتكون المجلس من 9 قضاة يعينون لولاية مدتها 9 اعوام غير قابلة للتمديد أو التجديد, كما يلي: 3 يعنيهم رئيس غرفة النواب. 3 يعينهم رئيس غرفة الشيوخ. 3 عينهم رئيس رومانيا. (فقرة 2). ينتخب هؤلاء القضاة رئيس المجلس بالاقتراع السري, لولاية مدتها 3 أعوام. (فقرة 4).

اما اهلية القضاة والشروط المطلوب توفرها فيهم فتحددها المادة 143 : تكوين مهني رفيع المستوى. أهلية مهنية عالية. أقدمية لا تقل عن 18 عاما من النشاط القانوني أو التعليم القانوني العالي.

اختصاصات المجلس تحددها المادة 146 ونذكر منها:
ـ النظر في دستورية القوانين قبل اصدارها, بناء على طلب من رئيس رومانيا, او رئيس احدى غرفتي البرلمان, أو طلب من الحكومة, أو محكمة النقض, أو من محامي الشعب, أو من 50 نائب على الأقل او 25 عصوا من غرفة الشيوخ. (فقرة1).

ـ ينظر بدستورية المعاهدات والاتفاقات الدولية. وكذلك بدستورية الأنظمة البرلمانية. وفي المنازعات القانونية من طبيعة دستورية بين الهيئات العامة.
ـ ...

واخيرا, وفي تقييم النظام الروماني الحالي, يرى دستوريون رومان, ومنهم سوريان سوار و كريستان بريدا, ان ضعف هذا النظام يتمثل في مركزة السلطة, وبالفساد, وضعف المشاركة. خاصة وان المؤسسات بقيت دون اصلاح يذكر منذ تغيرات عام 1989 , مما يجعل الديمقراطية في رومانيا, ويبقيها, ديمقراطية اجرائية.

في 1 جانفي 2007 انضمت رومانيا للاتحاد الاوروبي, معتبرة في ذلك امكانية حقيقية لمتابعة تحول فعلي باتجاه الديمقراطية ودولة القانون, واقتصاد السوق غير المتوحش. يحدوها الامل في هذا ان تصبح مجتمع حرية وازدهار. في اطار الكل الأوروبي.

والواقع ان حداثة التجربة في اقامة نظام سياسي جديد, مختلف كليا عما كان سائد لعقود طويلة من دكتاتورية تشاوسيسكو ــ حتى لا نشير الى ما سبقه من انظمة حكمت البلاد ــ لا تعطي فكرة كاملة ولا تسمح بتقييم موضوعي لتجربة لم تتأصل وتستقر بعد. خاصة وانها الى الان تعتمد في بنائها على تغيير التسميات وشكل المؤسسات, والقص والتلصيق من النماذج السياسية الاوروبية العريقة في الديمقراطية, ليس دائما ايمانا بضرورة التغيير, وانما لاعتبارات متعلقة بتلبية الشروط الاوربية لقبول اعضاء جدد في اتحادها.

الاصلاحات التي تعتمد على القص والتلصيق ليست مقتصرة على رومانيا وحدها. فهي متبعة في العديد من الانظمة السياسة, العربية بشكل خاص, وكثيرا ما يكون القص غير متقن والتلصيق في أماكن لا يصح فيها اي تلصيق. باسم الانفتاح على تجارب الاخرين واحتذاء ما صلح من محتويات نماذجها.

مثل هذه الاصلاحات تعطي عكس ما يرجى منها فهي:

ــ كثيرا, ان لم يكن دائما, ما توفر نوعا من المشروعية المزيفة لممارسات غير مشروعة في أصولها وفروعها.
ــ كثيرا, ان لم يكن دائما, ما تفرغ المؤسسات من محتوها وتخرجها عن الاهداف التي قامت من اجل تحقيقها.
ــ كثيرا , ان لم يكن دائما, ما تتستر على انتهاكات المبادئ العامة الاساسية, حتى المحمية بالدستور والقوانين.
ــ كثيرا ان لم يكن دائما ما تبرر انتهاكات الحريات العامة والفردية, وحقوق الانسان, بمبرات الأمن, وطبيعة المرحلة, ونوعية الانسان العربي, وخصائصه.
ــ كثيرا, ان لم يكن دائما, ما تكون في اصل الفساد وتساهم في نشره وتكريسه ليصبح الأداة المقاومة لكل تغيير حقيقي جاد.

وهي بالتالي "اصلاحات" هدفها, دائما , التصدي لأية تغيرات حقيقية وجوهرية في طبيعة الانظمة القائمة.
واخيرا, يبقى النظر للتجارب الديمقراطية للآخرين, التي عرضنا بعضها, نظر بعين حولاء, حتى لا نقول عمياء, اذا ما أهمل الناظر, سليم النية والفكر, تكوين الانسان الديمقراطي وجعله في مركز التحول والبناء الديمقراطي وبناء المؤسسات. الانسان غير الديمقراطي لا يبني شيئا سليما. وان بناه فيبنيه لنفسه ولمصالحه الخاصة, ويسخر له شعوبا واجيالا.

د. هايل نصر

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات