كان العرب قبل الاسلام يؤمنون بوجود الله لكنهم في نفس الوقت يؤمنون بالهة متعددة ويؤمنون بقدرتها المستقلة لكن هذه الالهة أقل قدرة من الله وتقربهم منه بل بعضها أبنائه وبناته
مثل اللات التي تعتبر ابنة الله واسمها خير دليل على ذلك فهو تأنيث لأسم الله
. ويبين الشعر الذي يحلف به اوس أبن حجر شيء من عقيدة العرب المتداخلة بين الايمان بالله والايمان بالهة متعددة :
وباللات والعزى ومن دان دينها وبالله ان الله منهن أكبر
كان كل أله متخصص في مجال معين فكانت العزى مثلا كوكب الصباح (الزهرة) ويعتقد انها النسخة العربية من افروديت الهة الحب والجنس والشهوة عند اليونانيين وكان بعض العرب يعتبرون النخلة رمز لها . ومناة ألهة القدر و اللات الهة الخصوبة وهكذا ..وكان هناك ألهة عامة لكل العرب وألهة خاصة لقبائل معينة مثل سواع ألهة بني هذيل وهي على شكل أمرأة أو يعوق أله بني همدان وهو على شكل حصان .
كان للالهة عند العرب قدسية كبيرة فضلا عن مردودها الأقتصادي والسياسي . كان الأله هبل مصنوع من العقيق الاحمر وله ذراع مكسور تم تعويضه بذراع من ذهب وهذا دليل المكانة الرفيعة للالهة ومدى تبجيلها . وسط هذه المكانة الكبرى والاهمية المعنوية والمادية الكبيرة للالهة لم يكن من السهولة ان يدعو النبي محمد للدين الاسلامي الذي يدعو الى ترك عبادة الالهة المتعددة وعبادة الله الواحد . وهذه الدعوة تعتبر تجاوز على المقدسات وتجاوز للخطوط الحمراء . لذلك كان رد فعل قريش عنيف وقاسي .
المسلمين الاوائل
من أكثر مراحل الاسلام صفاء ونقاء هي المرحلة التي كان المسلمين فيها يمثلون أقلية مستضعفة . هذه المرحلة كانت تتسم بالصفاء الروحي والنقاء الفكري . حين لم يكن للاسلام دولة ونفوذ وقبل ان يصبح الأسلام أمر واقع على العرب . لم يكن للمسلمين الاوائل أطماع في الحصول مكاسب مادية ولا أطماع في الحصول على مناصب سياسية . ولا أطماع في الحصول على غنائم حرب . كانوا أصحاب مبدأ يدعو الى عبادة الله الواحد الذي يتخذ من التقوى معيار للقياس بدلا من السيادة والوجاهة او العرق . كان الفكر الاسلامي بالنسبة للمستضعفين كالماء الذي يسقي الارض الجرداء فهو يضعهم في مكانة اجتماعية مساوية لمالكيهم أو لسادتهم ويروي ظمأهم الروحي والمعنوي الذي سببه الظلم والتهميش الاجتماعي . كان الايمان والاخلاص والرغبة في تغيير الواقع هو دافعهم . لكن الحال تغير بعد أن تحول الاسلام الى دين أغلبية ودولة ذات نفوذ فلم يعد الجميع بهذه النقاوة وبطبيعة الحال طالما ان هناك أموال ومناصب وجيش وغنائم فأن هناك تزلف ومصالح وطموحات شخصية وهذه طبيعة الاشياء .
تعرض المسلمين الاوائل للتعذيب :
يختلف الرواة في تحديد بداية تعرض المسلمين الاوائل للتعذيب وأسبابه وحتى عدد من تعرضوا للتعذيب . بعضهم يقول ان الاضطهاد بدأ بعد بداية الدعوة العلنية وأنتهاء الدعوة السرية التي دامت لثلاث أعوام. وبعضهم يقول أن العرب لم يعارضوا دعوة النبي محمد ألا بعد ان تعرض القران لالهتهم وتهجم عليها . وبعضهم يقول ان الاضطهاد بدا بعد ان بدأ عدد المسلمين يزداد ويتعاظم مما سبب شعور بالخوف من تزايد نفوذهم . تعرض المسلمين الاوائل الى أكثر من نوع من انواع التعذيب منها الحرق والتشميس والرمس في الماء والجلد بالسياط والكي وغيرها . وكانت كل قبيلة تتكفل في تعذيب أبنائها والمتحالفين معها وكل سيد يتكفل في تعذيب عبيده ومواليه .
الحبس
وهو أبسط ردود الافعال ويتم فيه حبس من يكتشفون أنه أعتنق الاسلام من قبل عائلته لمنعه من الاجتماع بالنبي محمد وابعاده عنه قدر الأستطاعة ويعتبر هذا الفعل سلب قسري لارادة الانسان . وتعرض مصعب أبن عمير للحبس بعد أن أكتشف أهله أمر أعتناقه للاسلام . وتعرض كذلك مجموعة من العبيد والموالي للحبس من قبل ملاكهم .
التشميس
يعد التشميس من أكثر الأساليب تقليدية وكان يستخدم مع العبيد من قبل ملاكهم حيث كانوا يلبسوهم دروع حديدية ويتركوهم في الشمس لفترات طويلة وكما نعلم ان حرارة الصحراء لا تحتمل وأثر هذا النوع من التعذيب كبير من الناحية البدنية من خلال فقدان كميات كبيرة من السوائل وتعرض الجلد للأحتراق فضلا عن خواء المعدة .
التعذيب بالصخور
وهو اسلوب أكثر قسوة من التشميس حيث كان يطرح الضحية على ظهره في الأرض الساخنة وتوضع على صدره صخرة كبيرة ويطلب منه البرائة من دين النبي محمد . وبالامكان تخيل مدى الضغط الهائل الذي تسببه صخرة كبيرة الحجم وثقيلة الوزن حين توضع على منطقة الصدر واستخدم هذا الاسلوب مع بلال الحبشي الذي كان مملوكا لأمية أبن خلف ولم يتوقف أمية عن تعذيبه الا بعد ان اشتراه أبو بكر وأعتقه .
الرمس بالماء
ويوضع رأس الضحية في الماء بشكل متكرر مما يؤدي الى تعرضه للاختناق ويعد التعذيب بالماء من اكثر أنواع التعذيب انتشارا في العالم على مر العصور لرخصه وتعدد اساليبه ونجاحه في تعريض الضحية لمعاناة شديدة وأستخدم أسلوب الرمس في الماء مع عمار بن ياسر فضلا عن تعرضه لأساليب تعذيب أخرى .
التعذيب بالرضف
والرضف هو الحجارة المحماة بالنار حيث كان يلصق جسد الضحية على حجارة محماة بالنار وكان هذا الأسلوب يستخدم مع من لا ينفع معهم التشميس لزيادة المعاناة ورفع درجة العذاب .
الجر بالحبل
ويربط الضحية من قدميه بالحبل ويطرح أرضا ثم يجر على الأرض وتعرض لهذا النوع من التعذيب ابو فكيهة وكان مملوكا لأحد أبناء امية أبن خلف وقام أمية بأستخدام هذا الاسلوب معه بنفسه وبينما هو يسحبه بالحبل مرت حشرة فقال أمية لأبو فكيهة ( أليس هذا ربك ) فأجابه أبو فكيهة ( الله ربي وربك ورب هذا ) فقام أمية بخنقه بشدة .
الرجم بالحجارة
وأستخدم هذا الأسلوب مع النبي محمد نفسه حين ذهب الى الطائف داعيا أهلها الى دين الاسلام والى نصرته على قومه فقام اهلها برميه بالحجارة ولم يستجب لدعوته الا شخص واحد .
مقتل ياسر وسمية
أستخدموا مع عمار ابن ياسر نفس الاسلوب الذي أستخدموه مع بلال أبن رباح الحبشي مضافا له رمس راسه في الماء وتعذيبه بالنار و تعذيب أبويه ياسر وسمية أمامه وقاموا بربط سمية بين بعيرين وطعنها في منطقة حرجة فماتت على أثر هذه الطعنة وقتلوا زوجها ياسر بعدها . ويبقى مقتل السيدة سمية بهذه الطريقة من أكبر الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين الاوائل وأكثرها خسة ودنائة .
كل هذا أدى بعمار ان يمتدح ألهة العرب ويذم النبي محمد لتخليص والديه ونفسه . لكنه لن يتمكن الا من تخليص نفسه فقط . كان العرب يعلمون ان عمار قال ما قاله لتخليص والديه من العذاب وتخليص نفسه لكنهم أطلقوا سراحه كرسالة لبقية المعتقلين من أتباع النبي محمد في ان هناك امل في أن تتخلصوا من العذاب لو فعلتم ما فعل عمار . وحين جاء عمار متأسفا الى النبي محمد على ما بدر منه قال له النبي محمد : ( ان عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك – الا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان ) كان لهذه الاية القرانية أثر كبير في تخفيف العذاب عن المعتقلين من خلال أعطائهم رخصة قول ما يريدون لسانا مع المحافظة على الايمان القلبي . بطبيعة الحال لم يكن الجميع بنفس الدرجة من الأيمان فبعض المسلمين الاوائل تراجعوا عن الاسلام قولا وفعلا وعادوا الى معتقدهم السابق .
تعرض مجموعة من المسلمين للتعذيب من قبل عوائلهم بسبب خروجهم على المقدس وأستخدم معهم الجلد بالسياط وغيرها من الاساليب . ننظر الان الى تقديس الالهة القديمة المتعددة وتبجيلها على أنه أمر مستغرب ولا يفعله الا شخص مغيب العقل لكن حينها كان الأثر النفسي ورد الفعل الذي ينعكس على المجتمع بسبب الخروج على المقدس ( الالهة المتعددة) يشبه الأثر النفسي ورد الفعل نحو الخروج على المقدس في زماننا ( الألحاد أو اعتناق دين اخر أو الالتزام بمذهب اخر ) رد الفعل العائلي والاجتماعي الان سيكون عنيف أيضا وقد يصل الى استخدام القوة على الأغلب وقد يصل في أحسن حالاته الى المقاطعة والنبذ .
تعذيب المسلمين لمخالفيهم ومعارضيهم :
يتبع ...
المصادر :
أنظر-ي :
1- من تاريخ التعذيب في الأسلام – هادي العلوي
2- موسوعة المعرفة – محمد أبن عبد الله
3- الموسوعة الحرة – ميثولوجيا عربية
4- الموسوعة الحرة – عمار بن ياسر
5- موقع تبيان – موسوعة التاريخ الأسلامي– مقتل ياسر وسمية
6- مركز الكلمة المسيحي – مفهوم العرب عن الله – أشهر الالهة عند العرب
7- موقع الشيخ الكوراني – السيرة النبوية عند أهل البيت – تعذيب المسلمين في مكة
التعليقات (0)