يخيَّل للمرء حين يولج إلى شارع شيللر في مركز مدينة ميونيخ، انه يمر بأحد شوارع بغداد أو القاهرة أو بيروت ، فأسماء المحلات مثل؛ مجوهرات التاج، برج العرب، الخليج، دبي للصياغة وغيرها من الأسماء والعناوين تمنح المرء دون شعورا بأجواء شرقية. و لكم ما يلبث المرء أن يدرك حقيقة أنه في مدينة ألمانية حينما يلاحظ أن اسم الشارع مكتوب باللغة الألمانية وملامح وجوه الناس متنوعة من مختلف الجنسيات.
ولمحلات الذهب الشرقية، أو لنقل العراقية، في ميونيخ قصة يعود تاريخها إلى ما يقارب عقد من الزمن، كتب بداياتها مجموعة من العراقيين من طائفة الصابئة المندائيين الذين قدموا من جنوب العراق ليسكنوا على ضفاف نهر الايزار الذي يشق المدينة إلى نصفين. ومن المعروف عن هذه الطائفة اشتغالها في صياغة الذهب منذ مئات السنين وقد هاجر الكثيرون منهم في الأعوام الأخيرة إلى ألمانيا تحت وطأة الظروف في بلاد الرافدين.
ويبدو أن هؤلاء مازالوا أوفياء لمهنتهم القديمة في الغربة كما كان عليه الحال في أرض الوطن، ولربما أنهم لا يجيدون غيرها. فقد افتتح أول محل لبيع وشراء الذهب الشرقي في العام 2001، ليزداد بعدها عدد التجار في مركز المدينة إلى أكثر من عشرة من صائغي وبائعي الذهب الشرقي، تزيين واجهات محالهم المليئة بالحلي والمصوغات مركز المدينة وتمنح بذلك لونا ذهبيا شرقيا لوجه عاصمة ولاية بافاريا الألمانية.
تتعدد الأهداف والألوان، لكن الذهب هو الذهب
للذهب قيمته المعروفة عالميا ورغم أن كل شعوب العالم تحب اقتنائه إلا أن الدافع لذلك يختلف من شعب لأخر، كما يقول احد الصاغة العراقيين وهو الصائغ نجم الدهيشي والذي مارس المهنة أربعة وعشرين عاما في بغداد ويمارسها اليوم في ميونيخ. ويعتقد الدهيشي أن الرغبة في اقتناء الذهب مختلفة في ألمانيا عما هو عليه الحال في البلدان العربية، ففي العراق مثلا يكون شراء الذهب للزينة وللتوفير. كون الذهب يحافظ رغم مرور الأيام على قيمته نسبيا، بعكس النقود التي لا يمكن الاحتفاظ بها لمدة طويلة.
أما في ألمانيا فان اقتناء الذهب للزينة فقط، كما يرى الصائغ العراقي بفراسته التي أكتسبها من خلال الخبرة. ويضيف قائلا إن اقتناء الألمان للذهب "هو شيء كمالي ليس إلا"، بمعنى أن الهدف غالبا مايكون لغرض جمالي أو كمالي، كتقديمه هدية أو ما شابه ذلك. على العكس من ذلك لدى الشعوب الشرقية، حيث يمثل اقتناء للذهب قيمة اقتصادية بجانب جماليته المعهودة. ويبدو أن الدافع للاقتناء مختلف من شعب لأخر، ولكن أي نوع من الذهب يفضل الألمان ؟
ليس كل ما هو أصفر ذهباً...لدى البعض
الذهب أنواع كما يعبر عن ذلك تجارُهُ وصنًاعُه، وللحلي الذهبية ألوان مختلفة تعتمد على نسبة الذهب الخام المكون لها، فالأحمر مثلا يحتوي على نسبة عاليه من النحاس و الأبيض يكون ممزوجا بعناصر أخرى تجعله أكثر قوة أما الأصفر فيحتوي على نسبة عاليه من الذهب الخالص.
ويبدو أن الشعوب الشرقية وبالذات العربية منها ترغب أكثر في اقتناء الذهب الأصفر 21 قيراطا. في هذا السياق يقول سلام قدوري، صاحب محل مجوهرات في ميونيخ، إن الصاغه في العالم العربي لا يبيعون ولا يشترون الذهب الأبيض 24 والثمانية عشرة قيراط. على العكس من ذلك ـ يقول قدوري ـ إن الألمان يرغبون هذا النوع من الذهب بشده، إذ يعتقدون أن الذهب الشديد الاصفرار و اللمعان يبدو رخيصا جدا، وهو بالتالي لا يناسب أذواقهم. أما الأبيض فبجانب قوته وبساطته يبدو أكثر ملائمة لذوقهم."
كابرييلا، زبونة ألمانية تستهوليها الحلي الذهبية ذات الفن الشرقي، تقول "لا ارغب بالحلي الشديدة الاصفرار. نحن لا نميل إليها ولكن كون الحلي من نوع وتصميم ليس له مثيل في بلداننا الغربية وبالذات القلائد والخواتم ذات الطابع الشرقي منها، يدفع الكثير من صديقاتي لسؤالي: من أين اقتنيتها؟. و تضيف كابرييلا معبرة عن سعادتها بوجود هكذا أسواق في مدينتها ميونيخ قائلة" يمنح وجود واجهات محال مزينة بالذهب الشرقي في وسط المدينة وجها آخر جميل لمركز المدينة وتنوع ذوقي وحضاري أجمل".
أعجاب بالنقوش والتصاميم الشرقية
بالتأكيد إن زبائن هذه المحال في ميونيخ ليسوا فقط عربا أو ألمان، بل إنهم من مختلف الجنسيات التي تسكن أو تزور مدينة ميونيخ، وبالتالي فلكل شعب ذوقه الخاص، كما يؤكد غسان البصري، وهو تاجر ذهب ومن أوائل الذين فتحوا محلات في ميونيخ. وفي هذا السياق يقول البصري، إن "طبيعة وتصاميم الحلي الذهبية تعكس ثقافة وذوق الشعوب، فالشرقيون يميلون إلى الحلي الكبيرة الحجم بعكس الأوربيين الذي يميلون إلى اقتناء الصغيرة. ويتابع قائلا إن بعض الزبائن الألمان يستغرب بشدة حين يشاهد قلادة كبيرة الحجم أو حزاما ذهبيا مثلا ويتساءلون عما إذا كانت المرأة ترتدي القلادة كلها أو جزا منها؟
ويكشف البصري عن توجه زبائنه الألمان، حيث يقول إذا ما أراد احدهم شراء هدية ما لزوجته في عيد زواجهما أو في عيد الحب فان الهدية تكون غالبا قلادة صغيرة الحجم أو خاتما ابيض اللون في قمته حجر صغير، معتبرا أن هذا هو ما يمز ذوق الألمان، مؤكدا أنهم يحبون الحلي الذهبية المصاغة يدويا. وتعقب كابرييلا مرة قائلة " تلك الاستدارات و النقوش الشرقية الدقيقة تبدوا لنا ساحرة جدا وتمنحنا المتعة بالذوق الشرقي اليدوي الرفيع، فالحلي الشرقية التصميم ذات الأحجار الكريمة كالفيروزي والعقيق تبدو كالتحف الفنية بالنسبة لي ".
أما فتاش، وهي فتاة تركية تستعد للزواج قريبا، والتي تبحث عن خاتم يناسب ذوقها وذوق عريسها الألماني، فتقول إن إنها وبعد رحلة بحث في الأسواق التركية والعربية وجدت ضالتها في محل عربي لتجارة الذهب في شارع غوته. وفي هذا السياق تقول العروسة التركية " إن الذهب العربي قريب جدا من ذهبنا وحتى الذوق والثقافة" وهو ما يرضي ذوقها كتركية.
الكاتب: عباس طه الخشالي ـ ميونيخ
مراجعة: عبده جميل المخلافي
نقلا عن موقع دوتشة فيلة الاخباري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك صورة لما ينقله المهاجرون والمقيمون في الغرب عن مجتمعاتهم وعن حضاراتهم وفنون شعوبهم..فهل بربك تستوي تلك الصورة مع صور التحريض على الكراهية والأنعزال عن المجتمع والتحريض ضده..هل يستوي اولئك الصاغة الطيبون ومثلهم فنانون وادباء مع صورة ابو حمزة المصري مثلا؟؟
الفن والأدب هما مفتاح الحوار لمن اراد التحاور..كم هو جميل ان يقال ان الحلي العراقية تزين ميونخ..تلك يا سادة هي لغة من يريد الحوار ويتخذه ثقافة..هي يد ممدودة لنا للتعاون والحوار فهلا رأيناها..
التعليقات (0)