من بغداد الى طرابلس الغرب الثورة والاستعمار-الثورة والاحتلال-الحلقة الثالثة
عبدالكريم صالح المحسن
باحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية
أن "توراتية " الثقافة المؤسسة لأمريكا لم تكن عارضة وليست طارئة في ثقافة الاعتقاد السياسي للأمريكيين الأوائل فالقدرية كانت في صلب النشأة حيث اعتقد المهاجرين الى الأرض المكتشفة في ماوراء البحار أنهم ذاهبون الى ارض الوعد الإلهي ليقيموا "دولتهم الفاضلة" وان الجواب على سؤال الرئيس "ماكينلي"على القول ان جزر الفلبين البعيدة هبطت عليه من السماء فهو في صلب عقيدة الاستيطان نفسها ،وهي في الحقيقة عقيدة توراتية اي مستندة الى مكنونات العهد القديم .
إن سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة والتي كانت برئاسة بوش الابن ومن يحيط به من المحافظين الـجدد ليست سياسات طارئة أو منفصلة عن الخط العام الذي يسبغ السياسات الأمريكية رغم الإسراف في مشروعها الإمبراطوري وتجاوزها للأعراف وتسفيهها للمؤسسات الدولية، إذ لا ينبغي أن يغيب عن الذهن جذور البعد الإستراتيجي كخط ثابت لا يتغير منه سوى الأسلوب والوسائل المتبعة لبلوغ الأهداف المرتقبة.
وهذا التوجه الإمبراطوري ليس وليد تصور سياسي أو خيار إستراتيجي مرهون بحدث تاريخي مفصلي أو برئيس أو إدارة أمريكية دون أخرى - جمهورية كانت أو ديمقراطية - بل ان هذا النهج كان و لا يزال خطا إستراتيجيا ثابتا رغم ما عرفه من تعثر في بعض مراحله التاريخية لظروف موضوعية طارئة سرعان ما تأقلم معها، ليواصل دعاة الإمبراطورية وبناتها مشروعهم من جديد.
إن المطّلع على خطاب السيناتور" ألبرت بيفردج "Albert Beveridge بعنوان : " زحف العلم " The March of "the Flag الذي ألقاه خلال مناقشات الكونغرس سنة 1898، سيعي أن الحلم الإمبراطوري ليس وليد مرحلة ما بعد الحرب الباردة كما يصوره لنا بعض البحاثة وإنما رافق ميلاد الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في نفسها وريثا شرعيا لإمبراطوريات بدأت تتآكل وتأفل نجومها يقول: ألبرت بيفردج : "عليكم أن تتذكروا اليوم ما فعله آباؤنا، علينا أن ننصب خيمة الحرية أبعد في الغرب، وأبعد في الجنوب. إن المسألة ليست مسألة أميركا، ولكنها مسألة زمن يدعونا إلى الزحف تحت العلم، حتى ننشر الحرية ونحمل البركة إلى الجميع. علينا أن نقول لأعداء التوسع الأميركي، إن الحرية تليق فقط بالشعوب التي تستطيع حكم نفسها، وأما الشعوب التي لا تستطيع فإن واجبنا المقدس أمام الله يدعونا لقيادتها إلى النموذج الأميركي في الحياة، لأنه نموذج الحق مع الشرف. فنحن لا نستطيع أن نتهرب من مسؤولية وضعتها علينا العناية الإلهية لإنقاذ الحرية والحضارة، ولذلك فإن العلم الأميركي يجب أن يكون رمزا لكل الجنس البشري!. ساد هذا الخيار الإستراتيجي داخل المداولات حتى أن المجلس اعتبر أن "الإمبراطورية" هي الخيار الواجب إتباعه و ذلك ما ساهم في التشريع لسحق كل من حاول الوقوف في وجه غطرسة الولايات المتحدة أو تجرّأ على مقاومة مشروعها التوسعي . ظل المشروع الإمبراطوري الناشئ يقضم شيئا فشيئا ما تبقى من الإمبراطوريات الهرمة كما ذكرنا – أسـبانيا والبرتغال- يطردها من مواقعها ليحل محلها بعد أن أضحى وجود الإمبراطوريتين " تطفّلا استعماريا وهمجية " على حد تعبير" تيودور روزفلت "Theodore Roosevelt وهو الذي كان يعتبر اكتشافهما لأمريكا " بعثة حضارية ". كما ظل المشروع الإمبراطوري يتحين الفرصة السانحة ليرث الإمبراطوريات الأوروبية ( فرنسا وبريطانيا ) المنهكتين بفعل الحربين الأوربيتين الأولى والثانية وحين توفرت الظروف الملائمة لم تتوان الولايات المتحدة عن استلام التركة وملء ما سمي" بالفراغ الإستراتيجي "Strategic Vacuum فبعد الانتصار الكاسح على ألمانيا النازية والدمار الذي حل بأوروبا شرعت الولايات المتحدة في " رشوة " حلفاءها تحت غطاء " المساعدات " لإعادة أعمارها من خلال" مشروع مارشال الشهير" The Marshall Plan وبذلك ضمنت تبعية أوروبا وولاءها ومصدر ابتزاز لا تزال تمارسه حتى يومنا هذا.
ولو نظرنا اليوم نظرة الى سريعة الى أمريكا الساعية لبناء امبراطوريتها نجد انها تمارس سيطرة لانظير لها على أنحاء العالم وتنشر قواتها حوله من سهول أوربا الشرقية الى خطوط المواجهة في شرق أسيا وعلى امتداد الوطن العربي ،وتسيطر أيضا على النظام المالي العالمي ولديها أوسع سوق للصادرات الأجنبية بحيث اذا هبطت الأسهم في "وول ستريت "Wall Street تداعى الاقتصاد العالمي باسره.
ان السعي الأمريكي للتوسع والسيطرة على العالم لم يتوقف منذ ان نشأة أمريكا بالرغم من تباين المستويات والحقب الزمنية الا ان ماتمر به من فترات توقف ليس الا لاعادة ترتيب الأوراق من جديد .
في خلال السنوات الانتقالية بين نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي أسقطت الولايات المتحدة في يدها صفوة أوراق اللعبة الكونية الرئيسية. لقد صار اتخاذ أي قرار، وتقرير أي حل نهائي، من دون رضاها ضرباً من المستحيل. فما الذي نستطيع انتزاعه من المشهد العام؟؟..
مع نهاية الحرب الباردة أخذ منظرو الاستفراد الأميركي يصوغون المقدمات العملية لفلسفة السيادة المطلقة. كان كل شيء في المقدمات النظرية جاهزاً. العالم الإيديولوجي شكل أساساً ثقافياً ودعائياً لهذه الفلسفة. ولنا أن نعرف أن الولايات المتحدة مرت ضمن صيرورة تاريخية ساهمت الإيديولوجيا شيئاً فشيئاً في تكوينها. فقد قامت- هذه الفلسفة- انطلاقاً من نواة إيديولوجية ذات محورين: الأول، الاعتقاد بأن أميركا مكلفة برسالة. والثاني، اليقين بأن أداء هذه الرسالة يستلزم استخدام كل الوسائل بلا تحريم، ومما يميز السياسة الأميركية منذ مولدها: الثبات في العمل على قَدْر الديمومة في متابعة الهدف، وكذلك مواصلة الجوهر الإيديولوجي المولد للعمل. ولا شك في أن هذه السياسة بلغت ذروة تحققها في فجر القرن الثامن عشر، وزادت أيضاً في مطلع القرن التاسع عشر. لكن" ميشال بوغنون موردانMichel Bugnon Mordant" في كتابه "أميركا المستبدة - التوتاليتارية" (LAmérique Totalitaire) - الصادر في باريس في العام 1997 يذهب إلى "أن الإيديولوجيا الأميركية لم تتورع عن خلع صفة الأزلية على أميركا. حيث إن ادعاء الرسالة الإلهية لم يغب يوماً عن ناظرها. ثم يورد كلاماً لمعاون الرئيس السابق بيل كلينتون لشؤون الأمن القومي أنطوني لاك، فيه "إن مصالحنا ومثُلنا لا تلزمنا بالتدخل وحسب، بل تلزمنا أيضاً بالقيادة (...) يضيف: "من واجبنا تطوير الديمقراطية واقتصاد السوق في العالم لأن هذا يحمي مصالحنا وأمننا، ولأن الأمر يتعلق بانعكاس القيم، حيث هي في آن قيم أميركية وعالمية" (...). وهكذا فإن انتصار الأميركيين الأبرز- يعلق " ميشال بوغنون موردان": هو، بكل تأكيد، الحضور الكلي لإيديولوجيتهم. فالليبرالية، وهي أكثر عقيدة اقتصادية خالصة، تمثل أيضاً رؤية قويمة للعالم، استقبلها الكثير من المالكين ومجموعات المصالح بوصفها نعمة وخلاصاً. لقد صارت الليبرالية- حسب بوغنون- رؤية وعقيدة تخدمان مصالح الأميركيين وتنقذان المظاهر، الأخلاقية، على الأقل، ما دامت الليبرالية، كمفهوم، تنطوي على ركيزة دينية. وهو ما كان لاحظه "اليكس دي توكفيلAlexis de Tocqueville" لجهة وجوب اعتبار الدين بالنسبة للأميركيين بمثابة المؤسسة السياسية الأولى. ثم إن جمهور الناس، أولئك الذين لا يفهمون شيئاً كثيراً من الألعاب السياسية والاقتصادية، اقتنعوا بفعل الحملات الإعلامية، بعدم وجود أية عقيدة أفضل من هذه العقيدة (...) ولقد رأينا منذ الأصل، وقبل أن تصبح أميركا هي الولايات المتحدة، أنها كانت تزعم شمولية نمطها التنظيمي الخاص. ولم يسْعَ مفكروها- من أساتذة وكتاب وكهنة ورجال دولة- لحظة واحدة إلى إخفاء هدفهم الأخير وهو: فرض نمط حياتهم على بقية العالم. وذلك عبر آليات أخلاقية تكتظ بالتعالي على الآخر، أي آخر. منها في المقام الأول، بما يسميه بوغنون بـ"القدوة". أي من خلال تأدية عروض مثيرة تُظهر "الصورة الساطعة لأمة جديدة اختارها الله لغاية وحيدة هي تزويد كل الشعوب بالرسالة الوحيدة ذات المستقبل المصوغ بصورة زاهية. ثم في المقام الثاني بوضع الآخر جبراً في منطقة القبول بالقدر الأميركي. فثمة يقين لدى "فقهاء الأمركة" بأن إذعان الآخرين عنوة- كائناً ما كان شكل الإكراه- أمر محتوم في مواجهة هذه الممانعة أو تلك. فأميركا تعتقد نفسها وتريدها كلية لا تُضاهى. وبهذه الصفة، لا تتصور ذاتها إلا متفوقة على مجمل المناطق التي يتحرك في داخلها أفراد وأمم، وترى أن من واجبها احتواءها. إنها- على ما يزعم فقهاؤها- هي العالم، ما دامت العناية الإلهية أمرت بذلك، وما دامت تجسد نصاب العالم المقبل وفقاً للخطط الإلهية. ومن المقدر- تبعاً لهذا الزعم- أن تقع على كاهلها مسؤولية إملاء قانونها، القانون الذي شرعته السماء، وفرضته على الأمم والشعوب.
ويذكر الأستاذ محمد حسنيين هيكل في مقاله "الإمبراطورية على الطريقة الأمريكية " والمنشور في جريدة السفير اللبنانية بتاريخ 1 آذار 2003 انه في عام 1890 م وتحت ضغوط المُنادين بالتوسع والانتشار، أقر الكونغرس اعتمادات لبناء خمس عشرة مدمرة حديثة، وست بوارج “ذات قوة نيران غير مسبوقة”، لكي يكون من ذلك أسطول بحري يوازي الأسطول الألماني ! وأطلق ضباط البحرية يتزعمهم الأميرال “ستيفن لوس” دعوة تنادي بضرورة أن تتحول الولايات المتحدة إلى دولة حرب، “لأن الحرب تجربة ليس لها نظير في تمتين وحدة الشعوب، وكشف صلابة معدنها، وتنشيط هممها، وتفتيح عقولها، وداعيها إلى حُسن استغلال مواردها المادية والمعنوية”.
وبلغ من قوة النداء المطالب بالانتشار والتوسع أن بعض الداعين إليه أخذوا زمام الأمور في أيديهم وتصرفوا على مسؤوليتهم وباختلاق الفرص وتلفيقها، وكان من هؤلاء قنصل أميركا في جزر هاواي “جون ستيفنس” الذي حَرَّضَ مجموعة من زُراع القصب الكِبار وعددا من أصحاب الأموال وطائفة من قساوسة الكنيسة لكي يقوموا بانقلاب على ملكة الجزر الأسطورية “ليلي أوكولاني”، وبالفعل جرى ترتيب الانقلاب على الملكة أثناء وجود السفينة الحربية الأميركية الزائرة “بوسطن”، وكان بحارتها الذين نزلوا إلى الشاطئ لتعزيز حركة الانقلاب، هم الذين أخذوا العلم الأميركي من دار القنصلية الأميركية ورفعوه على القصر الملكي في “هونولولو”، ثم كتب القنصل تلغرافا إلى واشنطن يقول بالنص :
“لقد استوت ثمرة الكمثري في هاواي، وهذه ساعة قطفها”.
ثم عاد القنصل يعزز تلغرافه الأدبي بتقدير عملي للموقف يقول فيه:
“إن “واجبات الشرف” تحتم علينا أن نحتل هذه الجُزُر ملكا خالصا للولايات المتحدة، وإذا لم نفعل ذلك فإن الحكومة البريطانية سوف تفعله، خصوصا وهي تدعي بحق قانوني عليها، باعتبار أن الكابتن الإنكليزي “كوك” هو أول من وصل إلى هذه الجُزُر واكتشفها”.
ويورد “ستانلي كارنوف” بعد هذه الواقعة تعليقا كتبه المفكر والمؤرخ “جورج كينان” بعد ستين سنة قال فيه: “إنه منذ ذلك اليوم أصبحت تعبيرات مثل “واجب شرف”، و”مهمة مقدسة”، و”حتمية ضرورية” تعبيرات شائعة تفصل وتطرز كساءً لمطالب القوة الأميركية!
وبحكم “واجبات الشرف” و”المهام المقدسة” و”الحتميات الضرورية” انطلق الزحف الأميركي في المحيط الهادئ نحو الشواطئ البعيدة يتقدم وينتشر.
يوم الثلاثاء من شهر يناير 1897 دخلت مجموعة بحرية من الأسطول الأميركي إلى ميناء “هونولولو” (كان الكومودور ستيفنس هو قائد مجموعة الاحتلال).
ويوم الخميس 30 أبريل 1898 جاء الدور على الفلبين فتقدمت قطع من الأسطول الأميركي إلى خليج “كوريجيدور”، ثم نزل بحارة الكومودور “جورج ديوي” إلى خليج العاصمة مانيلا (بداعي إنقاذها من أزمة داخلية).
وبعد أسابيع تذكر ضباط الأسطول الأميركي أنهم في لهفتهم على عملية غزو الفلبين، نسوا محطة مهمة وسط المحيط هي جزيرة “غوام”، وكذلك قصدت إليها مدمرة أميركية اسمها “شارلستون” يقودها الكابتن “هنري غلاس”، الذي تلقى تعليماته في ظرف مقفول يفتحه عندما يرى الجزيرة أمامه من بعيد، وحين فعل، قرأ أمرا من قيادته يقول له:
“نحن لا نعرف شيئا عن مساحة “غوام” ولذلك عليك قبل مهاجمتها أن تدور حول الجزيرة لتقيس اتساعها، وتستنتج حجم القوات التي يمكن أن يكون الأسبان تركوها هناك لحمايتها بعد أن تسلموها من الكابتن “ماجلان” الذي اكتشفها”.
لكن الكابتن “غلاس” قرر اختصار الإجراءات واقتحام ميناء جزيرة “غوام” الرئيسي “سان لويس دابرا”، واقترب فعلا من الميناء ثم راح يطلق أكبر مدافعه دون رد عليه، وواصل تقدمه على مهل حتى لمح بحارته قاربا يتوجه نحوهم قادما من الميناء يرفرف عليه علم أسباني، وبعد نصف ساعة كان القارب وضابطه بحذاء “المدمرة شارلستون”، يطلب إذنا بالصعود إلى ظهرها لمقابلة قائدها، ومَثل الضابط الأسباني أمام الكابتن “غلاس” يقول: “إنه يجىء إليه معتذرا لأن الميناء لم يستطع أن يرد تحية مدمرته لعدم وجود ذخيرة لمدافعها” وسأله الكابتن “غلاس” مندهشا: “أية تحية؟”، وأجاب الأسباني: “تلك الطلقات التي أعلنتم بها وصولكم عندنا”! ورد الكابتن الأميركي بِحِدَّة: “لم تكن طلقاتنا تحية ودية، وإنما إجراءً هجوميا، فنحن في حالة حرب معكم!”، ثم استطرد “لكننا الآن نعرف أنكم بلا ذخيرة، وعليه فليس أمامكم غير تسليم الميناء”، ثم أضاف موجها كلامه للضابط الأسباني الذي انعقد لسانه من الدهشة “عليك الآن أن تذهب وأن تعود بالحاكم العام للجزيرة لكى يوقع معنا عقد تسليم وتَسَلُّم!”.
وهنا لابد ان نتطرق الى الاسس والثوابت التي بنيت عليها الاستراتيجية الامريكية ونوجرها: أولاَ- المحورية الامريكية American Centrism وهو مايعني ان امريكا فوق كل شيء وهي الاول والاخر بغض النظر عن مصالح الاخرين وثانياَ -الهيمنة المطلقة Absolute Hegemony وهو مايعني فرض السيطرة الامريكية على كل نقطة استراتيجية في العالم في اي وقت تريدة وتحت اي بقعة من بقاع العالم ونلاحظ ذلك من خلال القواعد الامريكية الثابتة والمتنقلة وحاملات الطائرات التي تجوب المحيطات والبحار المهمة من اجل التدخل السريع متى سنحت لذلك الظروف والذرائع ،وثالثاَ- ضمان استمرارية الهيمنة Ensure The Continuity Of Hegemony وذلك باستخدام كلّ الوسائل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية والأمنية والمخابراتية حتى الابتزاز السّياسي، خصوصا أن كلّ الظروف الموضوعيّة باتت متوفّرة في ظل سياسة القطب الواحد . ورابعا – القوة هي الحق "Might Is Right" وهو ما نراه في امريكا ان الهاجس المستمرّ بأنّ هناك عـــدوّ مّا وخطر محدّق يستهدف ويتربّص بهذه الأمّة المثال أو المتميّزة. وإذا لم يتوفّر هذا العدوّ وجب اختلاقه كما ذكرنا في استراتيجية الراية الخداعة و يقول الباحث والكاتب الفرنسي جون كريستوف ريفان Jean Christophe Rufin في كتابه " الإمبراطورية والبرابرة الجددL Empire et les nouveaux barbares" إن الخطر أصبح متعددا وغير متوقع ومتغير ، فقط وجهته تسمح لنا بتحديده " فكان التّركيز على الخطر الأحمر الشّيوعي فالخطر الأخضر الإسلامي إلى ما يصطلح عليه اليوم بمكامن التوتّر متمثّلة في دول تعتبرها الولايات المتحدة دولا مارقة - Rogue States - أو في تعبيرة أقلّ حدّة: دول تعيش توتّرا - States of concern - إلى الإرهاب هذا المصطلح الذي يصر منظّروا الإمبراطورية على أن يظلّ هلاميا ضبابيا وبمعايير تتغيّر بتغيّر المصالح الأمريكية وفي أحيان كثيرة بمعيار الكيل بمكيالين كما هو الحال مع الكيان الصّهيوني.
التعليقات (0)