مخططات تلو المخططات تخرج من الأدراج لكل حقبة من حقب الزمن نمر بها نجد أن مخططا متقن قد اعد من اجل إبعادنا عن وحدتنا و تقطيع أوصالنا و هدر ثرواتنا وسرقة أموالنا وانتهاك حرماتنا ،كيف يمكن أن تفسر لي أن الولايات المتحدة الأمريكية التي قادت العدوان الثلاثي ضد مصر في عام1956م هي اليوم ذات الامريكا التي تطالب وتضغط من اجل التغيير في مصر تغيير نظام طالما وصف بأنه من أكثر الانظمه العربية انبطاحاَ لها ! اذاّ المخطط هذه المرة يبدو عميقاَ وناعم وقد خطط له بدقة فائقة ليكون متناغم مع رغبات الناس وأهوائهم واحتياجهم بالشكل الذي تم أخراجه فيه وكم هو خبيث الشكل الذي يحدث فيه.
ثورة هنا وثورة هناك وأحيانا معارضة وكما يقال أصدقاء الأمس القريب أعداء اليوم ،ما الذي يحدث ومن الذي يحرك كل هذا ؟ اعتقد أن ما يحدث هذه الأيام غير مسبوق ولم يحدث أن اختل نظام العالم العربي وانفرط بهذا الشكل وتبدل نظام التحالفات في الشرق الأوسط بهذه الطريقة . ما الذي يحدث هل نحن على أعتاب تشكيل جديد للمنطقة ، سايكس –بيكو جديدة برعاية التقنيات الحديثة القناع الجديد للاستعمار القديم الحديث ونلاحظ بالتوازي مع كل هذه الاضطرابات والتغييرات والثورات التي يشهدها وطننا العربي فان اسرائيل ماضية وبقوه لتمرير المزيد من المخططات الاستيطانية ومحاولة التغيير الديموغرافي للقدس من اجل إعلانها عاصمة للدولة العبرية في فلسطين ،لم تتوقف الرحى فهي تدور على قدم وساق لتركيز الدعائم الجديدة للدولة الإسرائيلية والعمل بمثابرة وبشكل ناعم من اجل تجسيد مقولة "اسرائيل من النيل الى الفرات".
لنعود الى بداية حملة الرئيس الأمريكي اوباما الانتخابية حين رفع شعار التغيير ولاندري هل المقصود بالتغيير هو تغيير الأنظمة في الوطن العربي والشرق الأوسط وإعادة تشكيله بما يتلائم والمصالح الأمريكية الجديدة والمتغيرة في الشرق الأوسط
لا تقولوا لي أن الأمر مجرد ثورات شعبية بريئة . بل الأمر أعظم واخطر من ذلك بكثير حسب ما أرى ،هناك جهة ما مستفيدة من كل ما يحدث ،أن الأمور متداخلة بشكل عنيف. والتحالفات والمصالح لم تعد ظاهرة بشكل واضح كالسابق لذلك يستدعي منا البحث بشكل واسع.
لست هنا من اجل رثاء الأنظمة العربية الفاسدة والعميلة بلاشك وان كل مصائب ونكسات الأمة هي بسبب هذه النظم لكن البحث عن الحقيقة هو مايهمني لكي لاتسير علينا قوافل المستعمرين ومخططاتهم بشكل مغاير لما حدث مع أجدادنا وآبائنا .
في خطاب التنصيب بتاريخ 20/1/2005م لولايته الثانية أعلن بوش الابن الحرب على الطغيان في العالم قاطبة ،ورفع لواء "التكليف الإلهي"الى السماء السابعة باسم "الثورة العالمية الديمقراطية"التي ستجرف الطغيان وتستأصله من (45) دولة استبدادية فاشلة ومنها (23) دولة في الوطن العربي والعالم الإسلامي وامتدح بوش بلغة شكسبيرية أمريكية عظمة أمريكا ورسالتها الخالدة لتحرير الشعوب ونشر السلام والازدهار والكرامة والحرية في جميع أصقاع العالم.
وفعلا أطلقت أمريكا سلسلة سياسات لزعزعة الأنظمة وإسقاطها من الداخل تحت عنوان "اللااستقرار البناء Constructive Instability" وليس الفوضى الخلاقة كما ترجمت للعربية .
حين ننظر الى المشهد العربي اليوم نجد ان هناك لغزاَ يحرك الحياة السياسية والحراك في الوطن العربي وبشكل متلاحق وسريع ،لاشك في ان المناداة بالتغيير شيء جميل وفعال لكن الأجمل منه التغيير نفسه حين يكون نحو الأفضل ومن اجل الشعوب العربية وتحقيق مصالحها التي طالما حلمت بتحقيقها دون اي تدخل خارجي فالخارجي هذا له مصالح وأهداف يسعى الى تحقيقها بكل السبل وبمختلف الوسائل .
تغيير أنظمة سياسية هي في حقيقتها أنظمة فاسدة وعميلة حد النخاع وخدمت كل المشاريع الاستعمارية فالثورة عليها وتغييرها أمر مشروع بلاريب ،شباب يتحركون الى الشوارع في حشود ويطيحون بتلك الأنظمة في أيام بالرغم من سعي وحاولة أحزاب وحركات سياسية معارضة ومتمردة لسنوات من تحقيق اي تغيير ا وان تؤثر في تلك الأنظمة وغير خافي على الجميع ان الأنظمة التي انهارت او التي ستنهار هي انظمة فاسدة وعميلة فهي المأتمرة بأمر أمريكا وإسرائيل والدوائر الغربية والمتحالفة معها في السراء والضراء اذاَ كيف يمكن ان يكون المؤيد والذي يحشد ويضغط ويرفع الأغطية عن تلك الأنظمة هي أمريكا وإسرائيل والدوائر الغربية الا يثير هذا التحرك المخاوف والريبة ويستدعي الشك والريبة.
الباحث الأمريكي ستيفن كنزرStephen Kinzer وهو متخصص في دراسة تغيير الأنظمة وتغيير سلوكهاChange and behavior change regime. يقول في كتابه "القرن الأمريكي في تغيير الأنظمة من هاواي الى العراق "Overthrow-America s century of regime change from Hawaii to Iraq,2006"
ان النموذج الأول هو احتلال وإسقاط الملكية في جزر هاواي ( 1893م) وأمركتها تدريجياَ وضمها لاحقاَ الى الولايات المتحدة تحت رقم الولاية الخمسون في عام 1959م مروراَ بالتوسعة الأمريكية الخارقة للعالم في جميع قاراته وصولاَ الى احتلال العراق في عام 2003م وقد استنتجت ناعومي كلاين--Naomi Klein في كتابها "مبدأ الصدمة: صعود رأسمالية الكوارثThe Shock Doctrine The Rise Of Disaster Capitalism"المبدأ الذي مارسه مجمع دولة الشركات Corporate stateالفاشية الطابع وهو مجمع الارتزاق والشهرة وتراكم الثروة والتحكم بالكوارث التي يبتدعونها و الذي تجسم بحكم بينوشة في تشيلي بإسقاط حكومة سلفادور الندي الاشتراكية (11 أيلول 1973م)وبتوجيه من كيسنجر وصحبه الانكلو- سكسون .
لقد أخذت الكاتبة ناعومي كلاينNaomi Klein من اللقطات التاريخية عبراَ لكي تقول ان ماحدث في اسقاط الأنظمة من هاواي الى العراق لاتشكل أكثر من تمرين لإسقاطات جماعية قامت عبرها مجموعة أمريكية نخبوية هزيلة العدد بدمج حاجاتها ورغباتها مع رغبات وحاجات العالم باجمعه والنخبة التي استغلت أمريكا لمصالحها الخاصة واعتمدت سياسة "الجائحات الزلازل Cataclysms" الخاصة كالحروب على أنواعها والاوبئة والكوارث الطبيعية والنقص في الموارد الطبيعية لدمج مالايصح دمجه وقد اتخذت ذلك الدمج مطيه لنيل مآربها في الثروة والسلطة والتسلط والحصول على المكانة الاجتماعية والتحكم بمصير الشعوب باسم الشعب الأمريكي المستغل ودافع الضرائب لتمويل تلك الجائحات الطبيعية والمفتعلة .
قدمت ناعومي كلاين تفسيراَ فريداَ من نوعه الذي وجدته في بحثها عن "مبدأ الصدمة " من تجربة تفكيك وخراب الاتحاد السوفيتي الى انهيار "نمور" شرق أسيا الى البرازيل والأرجنتين وغيرها الى العراق احدث مسرح لتحقيق "مبدأ الصدمة" وبالتالي استكمال إعادة السيطرة التامة على الخليج العربي والمنطقة وتحول أمريكا الى قوة إقليمية ضاربة في قلب الوطن العربي والمحرك الأول في مسيره ومصيره، وتستطرد ناعومي كلاين في متابعة بحثها ان مهندسي الحرب على العراق في اوديستهم النهائية للهيمنة على العالم لم يتوقعوا مضاعفات البرنامج الاقتصادي ،الصدمة بالخصخصةShock Privatization" "بعد الصدمة بالحرب التدميرية وباختصار ان مبدأ الصدمة الذي ابتكره" ايوان كارمون "Ewen Cameron أستاذ الطب النفساني في جامعة ماكيل( (McGillفي الخمسينات في مونتريال بطلب وتمويل من الCIA واستخدامه للاطاحة بحكومة مصدق في ايران وحكومة آرنير في كاوتيمالا تبنته مدرسة ستيغاغو في الاقتصاد بقيادة " ميلتون فريدمان Milton Friedman" لغرض برنامج اقتصاد الخصخصة ونشر الرأسمالية المحتفظة بنقائها الأصلي ،بدءاَ من تشيلي والثورة المضادة التي شنها هنري كيسنجر بواسطة اوغستو بينوشية ضد الثورة الاشتراكية بقيادة سلفادور الندي عام 1973م لقد طور مبدأ الصدمة ونشر كدليل لإجراء التحقيقات مع الشعب العراقي.
لابد من أتطرق في هذا السياق الى ماقالته ابريل غلاسبي"April Glaspie" أخر سفيرة لأمريكا في العراق قبل الحرب (1990-1991م)في بغداد الى المراسلة رندة تقي الدين والذي نشر في جريدة الحياة بتاريخ 15/3/2008 م "الماضي هو الماضي ،فأما ان نتعلم منه واما لا فالبريطانيون كان لديهم سلاح ممتاز مثل Galtin Gun وعلى الرغم من ذلك فأنهم لم يتمكنوا من اخضاع العراق ونحن حاولنا القيام بذلك ،لكن تناقضات العراق ومشكلاته كافه طافت على الواجهة والكل متفق على ذلك ؟؟؟ لقد قلت ان البريطانيين على رغم التكنلوجيا المدهشة التي كانت لديهم في ذلك الوقت ،بذلوا أقصى مابوسعهم وكانوا يتحدثون العربية أكثر من قوات التحالف الحالية ،كما كانت لديهم الخرائط وكانوا يعرفون كل بقعة في العراق من الشمال الى الجنوب ولم يفلحوا اعتقد ان أسباب عدم نجاحهم في متناول اي كان وان المصاعب ذاتها عادت الى البروز الان".
من العراق ابتدأ التغيير والتشكيل الجديد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حين احتل في 9/4/2003م وتم تفكيك دولته ومؤسساته بشكل يعيد تشكيله وما يتوافق مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية والدوائر الغربية تحت مسببات وأعذار واهية خادعه كامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل والتعاون بين النظام العراقي والقاعدة.
أذن لنبدأ في الحديث عن المخطط الذي يستهدف وطننا العربي فقد استكمل هذا المخطط باستخدام قوتين قوة بدأت في العراق وهي" القوة الصلبة "Hard Power ومن ثم استخدمت "القوة الناعمة او اللينة " Soft Powerبعد ان تم استخدام تقنيات حديثة يمكنها ان تكون وسيلة من وسائل القوة الناعمة وبعد ان وجدوا ان القوة الصلبة (وهي القوة العسكرية والاقتصادية)قد كلفتهم دماء وأموالا باهظة وسمعة يتحاشوها لذلك عمدوا الى استخدام الصفحة الثانية في هذا المخطط وهي القوة الناعمة "الذي هو اصطلاح حديث طرحه "جوزيف س.ناي"Joseph S.Nye وهو عميد كلية كندي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد و رئيس مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي ومساعد وزير الدفاع في عهد أدارة بيل كلينتون ومؤلف كتاب" القوه الناعمة :سبل النجاح في عالم السياسة الدولية"حيث وجد ان القوة العسكرية والاقتصادية اي القوة القاسية لم تعد كافية في الهيمنة او السيطرة لذا فهو يدعوا الولايات المتحدة الى عدم استخدام القوة الصلبة والتوجه لاستخدام قوة غير عسكرية في الترويج والترغيب لأفكارها وسياستها ويعتقد جوزيف ناي ان استعمال القوة من قبل القوى الكبرى قد يشكل خطر على أهدافها وتطلعاتها السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية ،من هنا فان الولايات المتحدة كما يقول جوزيف ناي ان ارادت ان تبقى قوية فعليها ان تنتبه الى قوتها الناعمة "اللينة"فبإمكان دولة مثل الولايات المتحدة ان تحصل على النتائج التي تريدها في السياسة الدولية لان الدول الأخرى تريد اللحاق بها وإتباعها أعجابا بقيمها او تقليداَ لنموذجها او تطلعا للوصول الى مستوى ازدهارها ورفاهها وانفتاحها و ان من الأهمية بمكان ان تضع برنامجاَ في السياسة الدولية يجذب الاخرين أليك وان لاتجبرهم على التغيير من خلال التهديد او استعمال القوة العسكرية او الاقتصادية هذا المظهر من القوة جعل الاخرين يريدون ماتريده انت وهو ما اسميه بالقوة الناعمة بهذه الطريقة تكسب الناس بدلاَ من إجبارهم وتحقق أهدافك بابخس الإثمان ويشير الى ان القوة القاسية والقوة الناعمة ترتبطان ببعضهما البعض وتدعمان بعضهما فكلاهما مظهر من مظاهر القدرة على انجاز أهدافنا عبر التأثير في طريقة تصرف الاخرين "غير مكلفة لامادياَ ولادماء ويمكنها ان تحدث ذات التأثير بل ربما أكثر لان الصورة والاحداث ستبقى متشابكة لايمكن النظر اليها بمنظار واحد وسنعود للحديث عن الصفحة الثانية من هذا المخطط بعد ان نستكمل البحث في الصفحة الأولى وهي استخدام القوة الصلدة والمباشرة بفرض حصار اقتصادي وغزو واحتلال العراق.
ان الحقيقة الموضوعية للاحتلال الأمريكي للعراق كما يقر القادة الأمريكيين كان " العطش الأمريكي للنفط U.S.Thirst for Oil " ويؤكد الكاتب ايان ترتيلدج أن الحرب على العراق لم تكن حربا لأجل الحرية أو الديمقراطية أو مؤامرة لسرقة النفط العراقي فحسب، بل كانت محاولة لإنشاء محمية نفطية موثوقة ومتفهمة في الشرق الأوسط تتعهد تأمين طلب الأمريكيين المتصاعد للنفط " واستكمال الطوق الاستراتيجي على اوراسيا وشرق أسيا بزعامة الصين لإخراج العراق من موقفه التاريخي المعادي لإسرائيل وضمان أمنها والبداية برسم خارطة جديدة للشرق الأوسط وشمال افريقيا وبما يخدم المصالح الامريكية والإسرائيلية.
هنا لابد من أن نشير الى اضطراب العلاقات بين أمريكا والشرق الأوسط، خصوصا في أعوام 1973 و1978 ، حيث انخفضت إمدادات نفط الشرق الأوسط بمقدار 3.3 مليون برميل و 3.5 مليون برميل على التوالي. وقد خفضت السعودية إنتاجها عام 1985 ليصبح 3.6 مليون برميل، بعد أن كان 6.7 مليون برميل/يوميا عام 1982. ولكن في عام 1988 في يناير/ كانون الثاني رفعت كل من السعودية والكويت إنتاجهما لتهبط أسعار النفط الى أقل من 50% (12.97 دولار/برميل)، مما جعل العراق يفسر هذا السلوك بأنه مخصص لإيذاء العراق، الذي تزايدت ديونه لتصبح 70 مليار دولار نتيجة للحرب العراقية الإيرانية، وقد صعد العراق من طرق انتقاده للدولتين، فاتهم الكويت بالتعدي على حقل نفط الرميلة ومن ثم اعتبر الكويت جزءا من العراق، فغزاها. لم تكن أصابع أمريكا بعيدة عن هذا السيناريو، واعتبرت غزو الكويت أفضل هدية لها لتحقيق أحلامها السابقة في إحكام السيطرة على منطقة الخليج والعراق معا.
لقد انهارت البنية التحتية للعراق بفعل ضربات القوة المحتلة وباحلال الفوضى والسلب والنهب الذي دخل متوازياَ مع الاحتلال وهنا نشير الى ان أمريكا لم تكن تحمل اي مشاريع لما بعد الاحتلال على عكس الوعود البراقة التي وعدت بها العراقيين ، ان أول سفيره أمريكية دخلت العراق بعد الاحتلال هي "باربره بودي " وقد كتبت في حزيران 2003م اي بعد مضي شهر على الاحتلال وبعدما كلفت وزارة الدفاع بالإشراف على العراق عوضاَ عن الخارجية اي استبدال "كولن باولColin Powell" ب"دونالد رامسفيلدDonald Rumsfeld " وبعدما كان الحاكم العسكري للعراق" بول برايمر"Paul Bremer والذي خلف الجنرال" جي.غارنر"Jay Garner في 6 آيار 2003 كتبت تقول "لم تكن هناك اي خطة للفترة التي تلت حرب العراق ،فقط اقتراحات ساذجة وربما متغطرسة انه كان هناك قناعة في واشنطن عندما يصل الأمريكيون الى بغداد تكون هناك بيروقراطية عراقية جاهزة ،وان عملية أعادة البناء سوف تكون من اموال عراقية وان العراق سيصبح نموذجا لدول المنطقة ولم يتوقع المسؤولون بقاء القوات الامريكية في العراق لأشهر ، لأنهم كانوا يعتزمون بدء الانسحاب في نيسان او ايار 2003 وابقاء عدد محدود من القوات .انه كان خطأ كبير توكيل وزارة الدفاع بإدارة الوضع في العراق بعد الحرب ،ان هناك ضرورة لتدويل الوضع في العراق وان هناك بالفعل هوية عراقية كذلك لااتوقع انقسام البلاد".
ان أمريكا قد اعتمدت عملية "المطرقة الحديديةOperation Iron Hammer "في تعاطيها مع العراق لفرض الديمقراطية والمصالحة مع الشعب وتهدئته [Pacification] .يقول مسؤول القوات الخاصة "لقد استخدمنا تكتيكات وحشية ،لقد جرفنا البساتين بالتراكتورات الثقيلة واستخدامنا مقاتلات [F-16] لتدميراي منزل يشتبه بأن متمرداَ يختبأ به " ويضيف بسبب هذه القوه لم يكن جنودنا هناك لكسب قلوب وعقول العراقيين انما للأختباء وحماية انفسهم ،ان قائد القوات الامريكية "ديفيدهاول بترايوس " David Howell Petraeus بعد كل حملة يقول :"لقموا سلاحكم بعشرة ملايين دولار من الذخيرة" ساخراَ من موقف " بول وولفوتيزPaul Wolfowitz " الذي كان يقدر الكلفة الشهرية ب 7.4 مليار دولار للحرب على العراق ان أمريكا قد احتلت العراق دون اي مسوغ شرعي او قانوني فلم تحصل على تأييد المجتمع الدولي لشن هذه الحرب التي أدت الى تدمير العراق واحتلاله ،ونلاحظ بعد ثلاثة أيام من سقوط بغداد عقدت قمة بطرسبورغ في 12/4/2003 التي حضرتها روسيا والمانيا وفرنسا وادانت "السعي الأمريكي الى فرض سيطرة الدولة الواحدة على العالم بأسره "وانطلاقاَ من ذلك دعا الرئيس الفرنسي الى " اخضاع القوة للقانون " وشجب الرئيس الروسي" فلاديمير بوتين Vladimir Putin " الاستعمار الجديد الذي يهدد "بأثارة حروب لانهاية لها".
ان ما مخطط له ان تستمر أمريكا بالتوسع والإطاحة بالأنظمة في الشرق الأوسط من خلال القوة العسكرية والاحتلال وهو ماصنف بالقوة الصلبة لكن الشعب العراقي قد عاق هذه المخطط بشكل كبير من خلال رفضه الاحتلال والعمل على اسقاط المخططات الامريكية التي ارادت إذلاله ."أمريكا لم تعرف ان العربي العراقي مزيج يختلط فيه الحضري والقبلي والسني والشيعي والمتسامح والعنيف والقومي والقطري والديني ،كله في انسان واحد لايمكن ان يتعايش طويلاَ مع محتل ،فما بالك والمحتل متغطرس وعلى قدر متواضع من الخبرة في المنطقة وفي الوقت نفسه مغرر به" فكثيرون قد احتلوا بغداد ورحلو مهزومين وبقيت بغداد ،ان لورنس العرب قد كتب في صحيفة الصنداي تايمز بتاريخ 27 آب 1920 يقول :" لقد اقتيد شعب انكلترا في بلاد الرافدين الى فخ يبدو من الصعب الهروب منه على الاحتفاظ بالكبرياء والشرف لقد خدعنا بالمعلومات الكاذبة والفيض الجاري من الأضاليل ،بغداد منهكة ومقطعة الأوصال وكل شيء فيها غير حقيقي وغير منجز والإدارة لدينا اكثر وحشية واقل كفاءه مما يعرف الرأي العام انه عار في سجلنا الإمبراطوري وربما عاجلاَ سيزداد الالتهاب الى درجة لايمكن علاجه ،نحن اليوم لسنا بعيدين عن الكارثة ".
من النتائج الغير متوقعه للحرب العالمية الثانية ظهور المنظومة الاشتراكية وكذلك حركات التحرر العالمية والقنبلة النووية وتبعاتها وأبعادها السياسية والاقتصادية وغيرها وصولاَ الى الثورة التكنولوجية والعولمة والثورة الرقمية .
تشكلت المنظومة الاشتراكية من البلدان التي حررها الجيش الأحمر والتي احتلها وتوقفت حدودها حيث وطأت أقدام القوات الزاحفة من الشرق الأوربي.
أما جيوش الحلفاء بقيادة الشراكة الانكلو-أمريكية فانها كذلك بقيت ولتاريخه في البلدان التي حررتها من النازية والفاشية او استطاعت انتزاعها هنا وهناك في محاربة حركات التحرر التي نهضت على أنقاض الاستعمار التقليدي.ومع تبلور الاحتلال في القطاعين الشرقي والغربي والأوربي واستقراره انشئت انظمة موالية لكل من الفريقيين وكل على مثاله وبالتالي برزت بوضوح القطبية الثنائية واستقطابات الحرب الباردة التي شنتها أمريكا بموجب وثيقة إستراتيجية الأمن القومي وقد واكب ذلك الاستقطاب ظاهرة اجتثاث النازية والفاشية واستيعاب مجموعاتها غرباَ وشرقاَ كما تمظهرت ابان تلك المرحلة ظاهرة حركات التحرر العالمية والتي كان من أبرزها الحركات الصينية والفيتنامية والاندونسية –الحركة التي حررت جزر اندونيسيا من الهولنديين –أما الحركات الصينية التي كانت بقيادة " ماوتسي تونغ Mao Tse Tung " فقد حاربت على نحو ربع قرن على جبهتين جبهة الاحتلال الياباني لمنشوريا Manchuria وغيرها من سنة 1932م ومابعد الى جبهة الاحتلال الوطني التي مثلها شنغاي شك بدعم أمريكي منذ اواسط العشرينات والتي انتزعتها حركة التحرر الصينية بالكفاح الشعبي المسلح واعلنت انتصارها نهائياَ بإعلان الصين الشعبية في 1/10/1949 لكن الحركة الوطنية الفيتنامية فانها استمرت بمحاربة عودة الاستعمار الفرنسي حتى دحرته في معركة "ديان بيان فو Dien Bien Phu " التي بدأت في 7 آذار 1954 وانتهت في 7 أيار بعد حصار دام شهرين وافضى الى تقسيم فيتنام الى شمال وجنوب حيث استولى "هوتشي منهHo Chi Minh " على الشمال ولاحقاَ تدخل الأمريكيون في الجنوب لمكافحة الشيوعية الأمر الذي أدى الى حرب طاحنة أمريكية فيتنامية انتصر فيها الفيت كونغ Viet Cong على الأمريكان بعد عقدين من القتال في 1/ايار/1975 وهرب الأمريكيون من على سطح سفارتهم في "سايغونSaigon " حاملين معهم "عقدة فيتنام" وثاني هزيمة في تاريخ أمريكا بعد هزيمتهم الأولى على ايدي الكنديين عام 1812.
اما اختراع أمريكا للقنبلة النووية واستخدامها في هيروشيما-Hiroshima- (6 آب1945)ونكازاكي -Nagasaki -في (9 آب 1945)فقد أدخلت العالم في مرحلة جديدة مرحلة الرعب وإمكانية الدمار الشامل المتبادل بعدما كسر الاتحاد السوفيتي الاحتكار الأمريكي للقنبلة النووية في آب 1949 أدخلنا في مرحلة الردع المتبادل الذي حافظ على الأمن والسلام الدوليين بين الجبارين وتفاقم الصراع بين الفريقيين لكنه استبدل المواجهة بالحروب بالنيابة وتصارعت الاكتشافات والاختبارات النووية وانتقل العالم الى صنع القنابل الهيدروجينية والنتروجينية وغيرها من الصواريخ عابره القارات والقذائف البالستية الانجازات العسكرية الى حقائق مدنية في مجالات الاتصالات والمواصلات وكذلك تحولت الرأسمالية من رأسمالية وطنية الى قارية وصولاَ الى ظاهرة معولمة كونياَ، الظاهرة التي دعيت في مطلع تسعينات القرن العشرين العولمة الكونية على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي في 25 كانون الأول عام 1991 وبالتالي تفردت أمريكا بالأحادية القطبية التي استمرت على رأس هرمها نحو (15) عاماَ اذ بدأت الإقليميات تأخذ دورها في الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وعادت موسكو الى الصراع على القمة وأعادت تشكيل الاعتبار الى التعددية القطبية بعدما اتجه الاتحاد الأوربي الى الانضواء ثانية تحت المظلة الامريكية بينما بقيت اليابان كقطب اقتصادي ومحمية أمريكية.
اقليمياَ اغتصبت فلسطين وشرد شعبها في عام 1948 فتزلزلت الأنظمة العربية حديثة الاستقلال الصوري فزحف العسكر الى سدة الحكم وأصبحت العسكرتاريا ظاهرة عربية شاملة نسبياَ بين 1948 و1969 لكن ظاهرة الضباط الأحرار في مصر بقيادة جمال عبدالناصر كانت من طينة شعبية مختلفة كانت وطنية الالتزام وقومية التوجه فاستأنفت التحرير من براثن الاحتلال البريطاني وأدواته وبناء حكم وطني ،لذلك حاول الغرب الطامح للاستيلاء مجدداَ على المنطقة عبر امدادات عسكرية من مشروع الشرق الأوسط الأطلسي المنشأ الى قيام "حلف بغداد" عام 1955 وابتداع غيرها من احاييل لاحتواء او اسقاط المشاريع التنموية الوطنية لكن الغرب لم يكن موحداَ في تطلعاته للمنطقة فالولايات المتحدة مثلاَ استهدفت استبدال الاحتلاليين البريطاني والفرنسي باحتلالها هي وفي ذات الوقت تعاونت مع فرنسا وبريطانيا وضمنت امن اسرائيل وسيادتها في فلسطين كما جاء في البيان الثلاثي في 25 ايار 1950 وعليه حولت أمريكا اسرائيل الى حاملة طائرات عسكرية ولبنان الى حاملة طائرات اقتصادية بغية التوغل في المنطقة من المشرق الى الخليج العربي الى ايران حيث أسقطت حكومة الدكتور مصدق لأنه قام بتأميم النفط وأعادت الشاهنشاه الى السلطة في 19 آب 1953 والذي دام ظله الاستبدادي حتى استولت الثورة الإسلامية في ايران على مقاليد الحكم في 11 شباط 1979 ، وبالعودة الى السياق الإقليمي التاريخي لابد من الإشارة الى انطلاق الثورة الجزائرية ضد الاستيطان الفرنسي في الجزائر في 4 تشرين الثاني عام 1954 وذلك على وهج وخطى الثورة الفيتنامية واتساع مدى المد القومي العربي عندما تدهورت الأمور بين مصر الناصرية والغرب في اعقاب تامييم قناة السويس في 23 تموز1956 ومنح جبهة التحرير الوطني الجزائرية قاعدة ارتكاز خلفية في القاهرة والاعتراف بالصين الشعبية وكسر احتكار السلاح بشراء سلاح سوفيتي عبر تشيكوسلوفاكيا في أيلول عام 1955 ،ان تراكم التحديات والنهوض الوطني العالمي احدث مناخاَ مؤاتياَ للتحرر والتوحد ،الأمر الذي حاول الغرب إجهاضه في "حرب السويس" في خريف عام 1956 وفشل سياسياَ اذ انتهت المعركة ليس بإسقاط النظام الناصري انما بنشوء الجمهورية العربية المتحدة (22 شباط 1958 – 28 أيلول 1961 ) وتوسع دائرة النضال القومي والاممي في العالم الثالث من أسيا الى افريقيا الى أمريكا اللاتينية حيث كانت جزيرة كوبا أولى الدول المتحررة من النير الاستعماري الأمريكي في أول كانون الثاني عام 1959 .
ان أمريكا كقوة اقليمية اعتبرت ان مهمتها هي التصدي لمن يسيء الى مصالحها بالتحالف مع الأنظمة العميلة وإسرائيل وطبعاَ هنا نقصد مصالحها النفطية وتمسكاَ بأهمية المنطقة كدائرة إستراتيجية وبالتالي تآمرت تلك القوى على الجمهورية العربية المتحدة وتمكنت من تفكيكها وازالتها كظاهرة تاريخية في 28 أيلول 1961 ولم تمضي سوى أشهر حتى تحررت الجزائر ونالت استقلالها في 5 تموز 1962 وتلت تلك الثورة التحررية ثورة السلال في اليمن (26 أيلول 1962) وبتوجيه وتآمر أمريكي مع الأنظمة العميلة في الوطن العربي فقد كان القضاء على حركة الثورة العالمية بإسقاط نظام بن بللا الوطني في الجزائر في 19 حزيران 1965 وبالتالي الغاء المؤتمر الدولي المزمع انعقاده لحركات التحرر في الجزائر في نهاية حزيران واستيلاء بومدين على السلطة وجاءت حرب حزيران على مصر التي اعتبرت نكسه كبيرة لمصر بخسارة الحرب ووفاة عبدالناصر في 28 أيلول 1970 وخلفه أنور السادات ودخل "حرب التحريك"في 6 أكتوبر 1973 لإخراج مصر من المنظومة العربية وانضمامها الى الحلف الأمريكي وإبرام "اتفاقية سلام " مع اسرائيل في 26 آذار 1979 .
ان الظاهرة الامريكية في فرض الهيمنة على العالم من العديد من الجوانب ،الجانب الاقتصادي بفرض اقتصاد السوق مباشرة اما بالواسطة عبر الثلاثي اللاقدوس البنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية وصندوق النقد الدولي ومن الجانب السياسي عبر فرض النيوليبرالية((Neoliberalism والخصخصة(Privatization ) وإلغاء القيود القانونية باسم التعددية والشفافية ومن الجانب الثقافي عبر الإعلام والدعاية والاحتلال وفرض منظومة قيم وأخلاقيات لاتنسجم مع قيم وأخلاقيات الشعوب غير الانكلو-أمريكية او الغربية بغية محو هويات الشعوب على أنواعها وأمركتها وإغراقها بآفة الاستهلاك وبالاستهلاكية الاجتماعية كقيمة مادية مطلقة لاتستجيب لمتطلبات الشعوب الروحية ،ومن الجانب العسكري الانتقال بالشعوب والدول من مرحلة الى أخرى بالاحتلال العسكري والمصادرة والتدمير وقيام انظمة عميلة ومأجورة للاحتلال باسم الديمقراطية واحداثة والتحديث ، وهنا نذكر قول الجنرال شارل ديغول"ان الدول تنتحل احياناَ ثوباَ ايديولوجياَ لصراعاتها،لكن الصراع يظل في جوهره دائماَ صراعاَ بين مصالح وموارد واستراتيجيات لهيمنة والسيطرة ونهب موارد الضعفاء...لمجرد انهم ضعفاء".
التعليقات (0)