من بابل ... إلى قرطاج
إن الاستبداد واحد متوحد متشابه رغم توزعه ومتصل ,
كما أن الحرية أيضاً واحدة بكلٍ لايمكن تجزئته ولايمكن تأجيله أو تفصيله على متطلبات الوقت .
من بابل إلى قرطاج .....تشابهٌ غريبْ ,
وكأن هذه الوحدة العربية التي بشر بها القوميون العرب وقزمتها و شوهتها الديكتاتوريات التي ركبت موجة التغيير حينها و استحوذت على كلية نتائج النضال , أو الديكتاتوريين العرب الذين ختموا وأنهوا النضال والشعارات والخطابات بمجرد أن جلسوا على كراسي السلطة.
يبدو أن هذه الوحدة أصبحت حاضرة أكثر وجلية أكثر , إن لم يكن سياسياً فديموغرافياً أو أيدولوجياً , في هذا التشابه الغريب والتزامن الفريد.
تجلى أن الاستبداد ومن على رأسه و من دافعوا عنه و من برروا له و من سوقوا له متشابهون متناسخون في السيرة والمسلك والنهاية ,
وأن من أطلق الحرية كمنطلق ومستقر و من دافع عنها وساندها ومن ناضل و تلقى هذا البطش والتنكيل بصدورٍ عارية مكللين بسلمية لاتنازل عنها جميعهم قاب قوسين أوله في بابل وثانيه في قرطاج متشابهون حد الادانة
أعتذر سلفاً على الصفات اللاحقة
حيث لم أجد كلمة في القاموس تفي بالغرض مكان كلمة قطيع بمعناها التصويري ويبدو أن اللغة العربية لم تعنى كثيراً بالتفريق بين الانسان والحيوان والجماد في صيغ الخطاب وصيغ الجمع كاللغة الانكليزية مثلاً , عدا التفريق في جمع المذكر السالم ! .
الحرية والديموقراطية !
أعجب لهذا التصوير على أننا دائماً في متاهة ألفاظ وقيم و سلوك ومبادئ و إبهام وإيهام وبُعد ووقت طويل لسبر كُنه تلك القيم .
وأن هذه القيم هي آخر مايمكنه لانتاج فكري انساني أن يصل إليه ... فيقول فوكوياما أنه سينتهي التأريخ بعد الوصول إلى الديموقراطية الليبرالية في كتابه نهاية التاريخ .
وأعجب أن الجميع تناسوا أن أقدم نظام ديموقراطي برلماني كان في أرض سوريا الكبيرة قبل أربعة آلاف سنة ولحقه بعد ألف عام نظام حمهوري برلماني في أثينا يفاجؤك بتفاصيله المدوخة .
و مايفاجؤك أكثر بأنهم رغم هذه المحاولات الحثيثة للإيهام والإبهام في مجال الحرية والديموقراطية يتناسون هذا الوضوح الصارخ للظلم والاستبداد .
هل يعقل أن تكون الحرية والديموقراطية مطالب نخبوية عائدة لنخبة خرجت عن حيثيات القطيع أو العقل الجمعي ومتطلباته وحاجاته !؟ .
يسألك أحدهم بوجهٍ متجهم دِعةَ عقل بعدَ جدلٍ طويل يكشفُ لكَ خبايا نفسك أكثر مما يكشفه لكَ في نفوس الآخرين ,
يسأل: هل تعتقد بأن هذا الشعب سيعي التغيير ..؟
هل يملك هذا القطيع الذي نجح بكسر باب الزريبة بعدَ ضيق والخروج أن يعي مابعدَ هذا الموقف هل يمكن أن يعي ويستوعب هذا الفضاء ومخاطره ؟.
لايحرجني سؤاله كثيراً وأنا أعي جيداً أيَّ نُخبٍ تملكُ سوريا ,
بين معترضتين : بالأمس قال الرئيس بشار الأسد : إننا على طريق الاصلاح الاقتصادي لكننا نحتاج إلى الوقت فنحن كما تعلمون لا نملكُ الخبراء اللازمين ,
ياترى هل نسي السيد الرئيس أيَّ نُخبٍ تملك سوريا ؟ أم أنه تبرير ... تُرى ألا يعرف أن عارف دليلة هو من أرسى نظريات الاقتصاد الكويتي !؟.
لايحرجني هذا السؤال بقدر مايفتح تساؤلاتي لنفسي ,
الشعب العربي في خضم هذا الربيع أثبت ويثبتُ كل يوم بأنه قادر على التعلم وتجاوز كل مطبات و أفخاخ الديكتاتور وأعوانه من طائفية إلى سلفية إلى سلمية الخ ...وما هَولَ و خَوفَ منه الديكتاتور وأعوانه .
لكن هذا الشعب هو نفسه الذي انطلت عليه لعقود من الزمن حيل هذا الديكتاتور التي أتاه ببزة الثائر المناضل .
أخاف عليه جداً من هذه الحقبة الجديدة والتباساتها
أتمنى أن يتعلم الشعب هذه المرة أنه هو أي الشعب الخيار الأول والأخير وأن فرد أو أفراد قلائل مهما تميزوا أو تنزهوا لا يمكنهم أن يقودوا شعباً إلى الأبد ولايمكنهم أن يعملوا لصالح شعبهم إلى الأبد ,
الأفراد و القادة ضرورات مرحلية فقط , ولايمكن لفرد أياً كان مهما أسبغَ من نعم الوطن على الشعب ودأب على التغيير , لايمكنه أن يعمل لصالح هذا الشعب طويلاً .
البحر وحده مليء بالحياة والبقع الصغيرة آسنة لامحالة مهما عَذُبَ أصلها .
حتى في طفرات التاريخ إن الافراد الذين قادوا حركات التغيير وأسسوا لنظم تخدم الشعب كانوا قد أسسوا هذه النظم على أساس ومنطلق فردي ولم يؤسسوا لحراك جمعي جماهيري مستمر فأتى بعدهم من استولى على المنطلق والمستقر وسخرَّ وسوَّفَ البلاد والعباد لصالحه .
برأيي إحدى مقومات نجاح الثورة المصرية في خطواتها الأولى أنها كانت شعبية بامتياز ولم تمنح من ساوم عليها فرصة الالتفاف على قادتها ... لأنها لم تفرز قادة واضحين حينها .
الحراك الشعبي والشارع في كل هذه الدول التي استقبلت الربيع لابد أنه سيفرز قيادات شبابية لكن برأيي أن هذه القيادات غير قادرة على قيادة الحراك السياسي نظراً لقلة الخبرة , والساحة المعارضة المعروفة رغم ضعفها واعتوار مصداقيتها وتمثيلها خاصة في سوريا ضرورية لقيادة المرحلة الانتقالية الراهنة لكن للتفاوض والتصويب دون قرار الفصل فصك الرفض والقبول عليه أن يكون بيد الشعب الذي يحتاج قياداته المفرزة حديثاً لتحريكه وتوجيهه ومنح القرارات وليس المعارضة وما أفرزته ,الشرعية .
الذي فتحَ ( روزنة ) هذه التساؤلات في رأسي مشهد ذلك الشاب ذو العينين الجاحظتين بهجة ودهشة وهو يقفز على صورة القذافي ويسجل لحظته التاريخية أمام عدسة التصوير و التبس الأمر علي اذ أنني ربما رأيته في احتفالات الساحة الخضراء فلغةُ الوجوه أفضل مايمكن أن تُجيده ذاكرتي ,
وعادت عندها ذاكرتي إلى الوراء إلى الحشود التي كانت تتحملق حول التكريتي إبان الغزو على العراق لتقوم هذه الحشود نفسها بتحطيم أصنامه بعد سقوط بغداد بلحظات .
أتمنى أن يكون هذا الربيع العربي حقيقيَّ البداية والنهاية , و أن ينفض هذا الشعب عنهُ دورَ الكومبارس لأن البطولة لا يمكنها أن تستمر إلا إذا كانت من نصيب الشعب ْ ...
تحيا سوريا حرة أبية
هشام شوكت
22/8/2011
التعليقات (0)