فضاء الكلمة
بقلم : خليل إبراهيم الفزيع
مَنْ المُحِـقّ .. ومن المخطىء ؟
سـؤال ربمــا يطــرأ على البال :
ـ من المُحِقّ ومن المخطئ؟
مما يُحكى عن أحد الظرفاء أن اثنين من المتخاصمين أتيا إليه ليحكم بينهما، فلما استمع للأول قال له: أنت محق في شكواك، ولما استمع للثاني قال له أيضا: أنت محق في دفاعك.. وكانت امرأته تستمع إلى كلام الاثنين فسخرت منه قائلة: يا لك من منافق.. خصمان مختلفان، وتقول لكل منهما انه محق، فعلى من يقع الخطأ؟
فقال لها: ولمَ تغضبين؟ أنت أيضا محقة فيما تقولين: هذه الحكاية مع طرافتها تؤكد أن المُحِق من وجهة نظرنا، ليس هو المحقّ على الدوام.. لأننا لا نرى من الحقيقة إلا جانبها الذي نعرفه.
أما الجوانب الأخرى، فان من ينظر إليها أو إلى بعضها، قد يرى ما لا نراه، وما يسمح لنا بالاطلاع عليه، أو ما تسمح قدراتنا بمعرفته وهو ليس الحقيقة الكاملة، ولكنه جانب منها، وقد يكون هذا الجانب أيضا مُبْهرا، فتختفي وراء إبهاره كثير من حقائق الأمور.
وحكمنا على الأمور لا يتأثر فقط بما نعلمه، ولكنه يتأثر بمواقفنا، وانطباعاتنا تجاه ما نعلمه.. بل قد يكون هذا التأثر ناتجا عما لا نعلمه.
فيأتي الحكم مبتسرا وقسريا، بعد أن أخضعناه لموازين الانطباع الأول والعاطفة الرعناء، والنظرة السطحية الخالية من العمق الراسخ والفهم التام والإحاطة الشاملة.
ومع أننا لا يمكن أن نفلسف الأمور وفق فهمنا القاصر أو وفق أهوائنا المزاجية، لكن ذلك لن يؤثر على حقيقة هذه الأمور خاصة عندما ينظر إليها غيرنا من جوانبها الأخرى، ومن وجهات نظر أخرى، متأثرة بعدة عوامل تقود إلى نتائج لا ندركها منذ الوهلة الأولى، وربما لا ندركها أبدا لأننا لم نخضع لتأثير لتلك العوامل التي أملتها.
واستقرارنا على رأي معين حول بعض الأمور، لا يعني الإصرار على ذلك الرأي، والاستمرار في تبنيه، بل قد يتغير هذا الرأي بتغير الظروف الزمانية والمكانية والملابسات التي أملته، وهذا تغيّر طبيعي ما دامت تلك الظروف والملابسات قد زالت، وما دامت الأمور ذاتها والمطروحة للجدل ليست من المسلمات البدهية التي لا تقبل النقاش أو الجدل.
وإذا استثنينا الثوابت فإن بقية الأمور لها أكثر من وجه، وكل منا ينظر إليها وهو متأثر بموقفه منها.. بفعل ثقافته الخاصة، لذلك تختلف المواقف والآراء حول الحقيقة الواحدة، وهي في النتيجة ليست واحدة، بل تتعدد بتعدد المواقف والآراء حيالها.. لكن هل علينا أن نتبنى مواقف وآراء الآخرين حول بعض حقائق الحياة، لا اعتقد أن الأمر بهذه البساطة، إذ لابد أن تكون لنا مواقفنا وآراؤنا الخاصة، لكن على ألا نلغي مواقف وآراء من نختلف معهم في الرؤية المتوخاة للحقيقة، وكما قيل: كل صواب يحتمل الخطأ وكل خطأ يحتمل الصواب.
التعليقات (0)