الحد الأدني للمشاركة في العمل العام غير ميسر في بلادنا لأسباب عدة منها ما يتصل بالدولة ومنها ما يتصل بالفرد فأما ما يتصل بالدولة فهو الحاجز الذي تصنعه الدولة لتحول به بين الفرد وبين العمل العام إلا في حدود ما ترسمه الدولة من خط سياسي لا تسمح بتعديه ولا اتباع ما يخالفه. وأما ما يتصل بالفرد فهو في أغلب الأحوال الفقر الذي يحول بين الفرد وبين مشاركته في العمل العام الذي يتطلب القليل من المال فمثلا لا يستطيع أحد أن يشارك في بناء أو فتح طريق أو حتى اقتراح قد يفيد إلا إذا توفرت له قدرة مالية تجعل صوته مسموعا ومثال ذلك المشاركات السياسية والاجتماعية كما أن الحصول علي الحق يحتاج لوساطة لها تكلفة مادية يعجز عن دفعها أصحاب الحقوق فتضيع ليتولد العنف ضد المجتمع وتلك دائرة مقفلة ليس من السهل تحديد من بدأها أهو المجتمع أم الفرد أم غير ذلك؟ وهنا يثور السؤال هل الفرد ضحية المجتمع أم المجتمع ضحية أفراده؟ إن التفاعل بين الفرد والمجتمع يكون إيجابيا حين يسود العدل و يكون سلبيا حين تضيع الحقوق, وكما أن العدل أساس الملك فهو أيضا أساس الأمن, إن التفاوت في الدخول بشكل يجعل الغني مالكا لكل شيء والفقير معدما فاقدا لكل شيء هو بيئة العنف والانتقام والحقد والصراع الطبقي خاصة إذا ارتبط الدخل بالاحتكار وسطوة المال علي السياسة واستخدام السياسة في الكسب غير المشروع وقصر التوظف والعمل الحكومي علي أصحاب الانتماء وليس علي أصحاب الكفاءة. إن المزاج العام للشعب يعتمد علي العلاقة بين الحكام والمحكومين هل هي علاقة سلطة بالرعايا أم علاقة مسؤولين بالمواطنين؟ وقد يعتقد البعض أن الشعب غير قادر علي التفريق بين المفهومين وهذا خطأ يقع فيه من يسيء التقدير لقدرة الناس علي وزن الأمور فالناس أذكي مما يتصور الحكام والذكاء الجمعي للمجتمع يشبه تماما ذكاء الفرد غير أنه يشكل التصرف الجماعي ويحصره في قنوات الطاعة أو العصيان والانخراط في المشروع القومي أو فقدان الانتماء والانفصال عن المجتمع إلي المكاسب الشخصية ولو كانت غير مشروعة وتلك عي مصيبة الحكومات المتسلطة.
التعليقات (0)