من الذي يكتب التاريخ ؟

من الذي يكتب التاريخ ؟ وكيف نقرأه ؟ وفي أي الكتب نقرأه ؟ وما هي مصادره الموثوقة ؟ وإذا كنا نختلف في حاضرنا وفي نظرتنا إليه حتي لو كنا نعايشه في موقع الأحداث ؟ فمثلا أنا حضرت وشاركت في حرب 73 ومثلي كثيرون فهل أستطيع كتابة تاريخ هذه الحرب ؟ هل أستطيع تحليلها كما يحللها المسؤولون في وقتها بل وقادتها أنفسهم ؟ وهل أقبل رواية هؤلاء المسؤولين دون شك في روايتهم ؟ هل هم صادقون في بطولاتهم أو قرارتهم وما هي الحقيقة في كل ذلك ؟. ثم أي الروايتين أصدق ؟ روايتنا أم رواية العدو ؟ أم يستخلص كل من يقرأ التاريخ الحقيقة من بين السطور ؟ وهل رؤيتي جامعة لكل التفاصيل التي جرت في الحرب وهل أكتب بصراحة وبأمانة ما جري فعلا أمامي وفي موقعي المحدد ؟ إن أصحاب القرار وقادة الحرب يعلمون ما انتهت إليه من نتائج عامة وتضيع في كل الروايات بطولات وإخفاقات ونصر وهزيمة في كل موقع صغير ولكن عموما نستطيع تلخيص الحرب في نتيجة عامة هي مجموع ما حدث من تفاصيل وإن كانت التفاصيل ليست بذات الأهمية فإنها تحجب كثيرا جدا من البطولات العظيمة كما تندثر وتخفى إخفاقات بل وخيانات كثيرة أيضا. وإذا فإن كتابة التاريخ هي رؤوس موضوعات كأن تقول احتل الصهاينة فلسطين أو أن أمريكا غزت دولة العراق وفككتها أو تقول إن مصر بنت حاجزا فولاذيا لتحكم الحصار علي غزة ولكن في كل الأحوال لا تستطيع أن تكتب أسباب غزو العراق ولا لماذا تحاصر مصر غزة مثلا لأن ما تكتبه سوف يكون تحليلا للحدث وليس معرفة أكيدة بأسباب الغزو ولا أسباب الحصار كما كنا نكتب مثلا فنقول أسباب الحملة الفرنسية كذا وكذا ...نستطيع أيضا أن نقول إن الغرب يحاصر إيران وقد بدأ الحصار في سنة كذا واستمر إلي سنة كذا ونجحت إيران في تحدي الحصار ونجحت في كذا وكذا ولكن لا نستطيع في نفس الوقت أن نحدد أهداف الحصار بدقة فكل ما نقول فسوف يكون تكهنات وتحليلات .......وسؤال آخر نحب أن نطرحه علي القارئ : هل كتابة التاريخ هي جهد فردي أي أن أحدا من الكتاب يسجل الأحداث بتجرد وهو شخص متجرد موظف لهذا وليس له عمل آخر ؟ ولماذا يختلف كل باحث أو مؤرخ مع الآخرين ؟ أليس التاريخ واحد ؟ أم أن النظر إلي التاريخ يختلف حسب زاوية الرؤية ؟ أم هم مجموعة من العلماء يجتمعون ويلخصون الوثائق والأخبار المتناثرة ويخرجون بصيغة موحدة يقرأها الجميع ؟ بالطبع لا يحدث هذا !!! وإذا فممن نأخذ وقائع التاريخ المفصلة ؟ ومن أي طرف من أطراف الصراع نستقي الحقيقة ؟ وإذا كنا نختلف في الرؤية بين مؤيد ومعارض لحدث يجري في حاضرنا يراه كل منا بصورة مخالفة ؟ وهناك أيضا قضايا لا تجد الإجماع الذي يبرهن علي صدقها ولا حقيقتها مثل قضية اغتيال الحريري مثلا فمن الواضح أنه حتي أهل الشهيد يضللون العدالة لكي لا يظهر ما أدخلوه علي القضية من تشوهات يستفيدون منها في واقع جديد يفيدهم بمعني أن (الحي أبقي من الميت ) كما يقول المصريون فما دام هو قد مات فلنبحث في خزانته كم ترك وكيف نستفيد من موته ؟ ولذلك نقول أن التاريخ معروف بنهايات الأحداث الكبيرة التي يراها كل الناس..... أما بعض تفاصيل الحقيقة فتكشفها الأيام عبر ويكيليكس وما شابه ويكيليكس والخارجون من السلطة وبعض الذين كانوا في بؤرة الأحداث والنتيجة هي أن ما خفي من التاريخ أعظم بآلاف المرات مما قرأنا وشاهدنا ...نحن نشاهد واجهة المسرح ولا نري شيئا أبدا وراء الكواليس......... وإن كان الذي وراء الكواليس هو الحق الذي لا يعلمه إلا الله