مواضيع اليوم

من التدريب الجامعي إلى الكلية الجوية

يوسف رشيد

2011-11-25 13:06:26

0

  نحن في صيف 1974 .. 

 

 وفي نهاية السنة الأولى من الجامعة ، التحقنا بمعسكر التدريب العسكري الجامعي الصيفي الأول ، الذي تمت ترتيباته على عجل ، واختير مكانه في " مدرسة المشاة " بالقرب من حلب ، ضمن ظروف جوية قاسية ، وحالة نفسية صعبة ، كونها التجربة الأولى لنا وللمسؤولين عنا ، كأول دفعة تنفذ المرسوم الذي أحدَثَ التدريب العسكري الجامعي ، بعد حرب تشرين الأول 1973 .. 

 

1 ـ البداية : 

 

وهناك ، قسّمونا إلى مجموعات ، وسلموا أفراد كل مجموعة خيمة ومستلزماتها وأسرّة وقصعا للطعام ..... 

واستلم كل منا بعض المهمات الفردية الخاصة به ، كاللباس والحذاء العسكري والمَطرة ، وكمية من القطن المضغوط ، وحرامات وغلاف فراش وغلاف وسادة ..

وقيل لنا : روحوا " دبروا راسكم " ..

كيف سننصب الخيمة ؟ وكيف ستتسع لثمانية أسِرّة ؟ وكيف سنندف القطن وهو مضغوط كالرصاص ؟ وكيف سنحشوه في غلافي الفراش والوسادة ؟ وكيف سنخيط فوهتهما ؟! ألله تعالى أعلم ..

وَوُزعت علينا المهمات الفردية ( البدلة والبوط ) عشوائيا ، لا على التعيين ، وقيل لنا : تبادلوها فيما بينكم حسب مقاساتكم ..

وهكذا فعلنا ، لكن ، ظل هندامنا كاريكاتيريا رغم كل عمليات التبادل والتجميل الآني ، ولم يتحسن الهندام إلا بعد أول مغادرة للمعسكر ..

أما الأرض التي سننصب خيامنا فيها ، فكانت حجرية حصباء ، وغير مستوية ، لأنها مفلوحة ومزروعة بشعير ، رَعَت الماشية في الربيع كلَّ ما ظهر منه فوق الأرض ، وبقيت جذوره والأشواك وروث الحيوانات ..

مياه الشرب تُملأ في مقطورات تحت أشعة الشمس ، تنفد خلال سويعات .. ويبقى الأمل بما تحتويه مطرة كل منا ..

الحمّامات " كفاكَ لا رواك " ..

السهرة " رومانسية " جدا على ضوء القمر والفوانيس ..

باختصار : كانت الظروف غير مألوفة ولا متوقعة ، ولا تطاق ..

 

2 ـ خذلتني عيناي فأنقذني قلبي : 

 

 جاءتني فرصة ثمينة ، أضرب فيها عصفورين بحجر .. 

فقد وصلني إشعار بتارخ 17/07/1974 بوجوب الحضور إلى دمشق لإجراء الفحوص الطبية اللازمة ، لقبولي طالبا ضابطا طيارا في المعهد الجوي من الكلية الجوية ..

وكان هذا بعد طول ترقب وانتظار ، ارتكبت من أجله مخالفات وتجاوزات ..

في صباح اليوم الثاني ، أخذت الإشعار إلى قائد المعسكر العقيد حمادة كوسا ، فأمر " رقيب " القلم ليعدَّ لي " أمر مهمة " إلى دمشق ، للمثول أمام اللجان الطبية ..

وهناك ، اجتزت كل اختبارات اللياقة والصحة ، ورسبت في فحص العينين الشديد الدقة والحساسية ، فقد أخفقت عيناي ـ عبر جهاز يعرض الصور من الفضاء ـ في اختبار " تمييز أجسام صغيرة فوق الأرض " ، وهي المرحلة الأخيرة من اختبار العينين ..

وهذا كافٍ بحد ذاته لإنهاء " الحلم " ، والخروج نهائيا من المسابقة ..

لا أعرف كيف فاجأتني ـ فورا ـ دموعٌ مدرارة من عينيّ ، وأنا ما زلت على الكرسي أمام الجهاز " اللعين " ، حين قال لي العميد الطبيب : إن عينيك لا تساعدانك على أن تكون طيارا حربيا ، هل تريد أن أحوِّلكَ إلى الكلية الحربية ؟ ستكون هناك ضابطا نموذجيا ..

كانت المرة الأولى والأخيرة في حياتي ، تنهمر فيها دموعي بدون إجهاش ولا بكاء ، كأن عيني أدركتا عمق خيبتي ومأساتي بهما ، وأنهما السبب المباشر في تحطيم ما كنت طامحا له ، فأرادتا أن تكفرا عن ذنبهما بذرف الدموع ..

انشدَهَ العميد الطبيب وهو يراقب انهمار دموعي ، واختناق صوتي ..

لا أعرف ما الذي انتابه ، لكنه لم يكتب النتيجة النهائية على بطاقة فحصي ، بانتظار جوابي ..

نظر فيها ، وإلي .. همّ بالكلام ، ثم ، لم يقل شيئا ..

الثواني تمر مؤلمة بطيئة لزجة ..

قال كأنه يعتذر لي : يا بني إن عينيك لم تجتازا الفحص على الجهاز .. وهذا ليس لي فيه حيلة ..

تمالكت نفسي ، حتى تغلبت على حشرجة صوتي ، ثم رجوته أن ينجّحني " لأمنيتي أن أكون طيارا ، ولأنتقم من الصهاينة الذين احتلوا أرضنا وقتلوا شقيقي " ..

وأكملت بتماسك وحسم : إما أن أكون طيارا وإما فلا ..

كان واقفا بجانب الجهاز الذي سبَّبَ رسوبي ..

مشى إلى الطاولة ، جلس ، وسألني عن مزيد من التفاصيل عن أخي ، ثم قال وهو يكتب ويوقع على البطاقة : إنك ـ يا بني ـ سترى عدوك بقلبك أكثر من عينيك .. تكرم عيونك .. تفضل خذ بطاقتك وأكمل فحوصك .. لكن ، اغسل وجهك قبل أن تخرج من هنا ..

أكملت الفحوص بنجاح وأنهيت مهمتي ، لألتحق  بالمعسكر في اليوم التالي ، فصودف أنه اليوم الأخير منه ..

وهكذا ، ضربت " العصفورين " بحجر واحد ..

لكنها رمية من غير رام ، تزامنت وتمت بالصدفة ، وليست بالحذق ولا بالمهارة ولا بالفهلوية ولا بالحيلة ..

 وعندما وصلت ، كان الطلاب يسلمون الأدوات والمهمات التي سبق أن استلموها ، بينما قائد المعسكر شخصيا ، ينقد كل طالب مئة ليرة سورية " صحيحة " ..

 

3 ـ المعارضة : 

 

 في أواخر شهر تشرين الثاني 1974 ، وصلتني دعوة للالتحاق بالكلية الجوية ـ المعهد الجوي ..

واجهتُ المعارضة الكبرى من والدتي ـ رحمها الله ـ بإصرار وحزم ، وهي المفجوعة بأخي الأكبر ، ابنها البكر ، فهددتني بإفشاء السر فورا إن التحقت بالكلية الجوية ، وأضافت : " ولو سجنوك فهو أرحم لي " ..

وكانت زوجتي هي التي أفشت بذلك لأمي ، وهي تعارض ما أقدمت عليه ، لكنها لا تستطيع الضغط علي ..

وهي التي تعرف سبب عدم تسجيل زواجنا ، وترى أنه من غير الممكن أن أتركها للمجهول مع ثلاثة أطفال ..

فاتفقتا علي ..

ولأنه ليس في يدي حيلة أخرى بشأن " العزوبية " كشرط لازم لقبول طلب تطوعي ، أخذت احتياطياتي بشكل جيد ..

فلم أسجل زواجي في المحكمة الشرعية ، ولا في الأحوال المدنية ـ عمدا ، وعن سابق إصرار وتصميم ـ رغم مرور خمس سنوات عليه ، لأحافظ على لقب " عازب " في السجل المدني ، انتظارا لهذا اليوم ..

ولكي لا يبقى ابني البكر " مكتوما " ، أي : بدون قيد مدني يسمح بتسجيله في الروضة مثلا ، فقد سجلته أخا لي في دفتر عائلتنا ، وتركت أخاه الأصغر وأختهما مكتوميْن لوقت لاحق ( يخلق الله فيه ما لا تعلمون ) ..

ولم يعترض أبي عندما استشرته في تقديم طلب التطوع ، ولم يمنعني ، بل قال : توكل على الله ..

(( وأظن أن موافقته كانت لثقته باستحالة تطوعي بعد أن صرنا عائلة من خمسة أفراد ، مفترضا أنهم لن يوافقوا على ذلك )) ..

لكن ضغطا ونواحا متواصليْن من أمي وزوجتي ، أجبراه ـ أمام إصراري ـ أن يبلغني ممانعته النهائية في الالتحاق طيارا في الكلية الجوية ..

وحين انتقدت موافقته المبدئية على التطوع ، عزّاني قائلا :

" لو كنتَ تطوعتَ في الكلية الحربية لكان أهون شوي " ..

قلت له : لكن أخي استشهد وهو خريج الكلية الحربية !! ..

قال حاسما : لن تذهب ، وكفى ..

واكتفيتُ ، وما ذهبت ...

 

الجمعة ـ 25/11/2011

 

 

دعوة الكلية الجويـــة لإجراء الفحص الطبي ـ 07 ـ 1974

 

 

 

الدعوة للالتحاق بالكلية الجويــة ـ 11 ـ 1974

 

د. جيداء الغادري، والعميد إبراهيم يوسف قاورما ، كلمة الطلبة في حفل تخريج ـ كلية الآداب ـ 05 ـ 02 ـ 1976 .

 

 

كلمة في حفل تخرجنا من المعسكر الاستثنائي في كلية الآداب ـ 25 -01 - 1976

 

 

بهاء الدين الأميري ـ عبد المنعم رجب ويوسف رشيد وآخرون ـ في المعسكر ـ صيف 1975

 

 

الملازم أول إبراهيم هلال ( مدرب ) ـ فخر الدين قرنفل ـ يوسف رشيد وآخرون خلف كلية الآداب 07 ـ 07 ـ 1974

 

 

 

الملازم فاروق كيالي ( مدرب ) ـ فخر الدين قرنفل ـ محمد بيطار ـ في ساحة كلية الآداب بعد درس الرياضة الصباحي -07-07-1974

 

 

 

زهير يازجي ـ محمد ملندي ـ مأمون عتر ـ محمد ديب رواس ـ ( حول أدوات الطعام الجماعية أمام خيمة الطعام ) صيف - 1975

 

 

 

 

 

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !