إن الخبرة الحقيقية لمستشار شركات صناعة الأغذية والمشروبات الغازية هاورد موسكويتز(Howard Moskowitz) فيما يتعلق بلحظة النشوة عند تناول الطعام بدأت من خلال عمله في الجيش الأمريكي سنة 1969 بعد تخرجه من جامعة هارفارد حيث كانت مهمته إجراء أبحاث متعلقة بتحفيز الجنود على تناول المزيد من الطعام حيث تركزت أبحاثه حول مايعرف بالوجبات الجاهزة للأكل(MRI). إن مايعرف بإسم (MRI) تعاني من مشكلة تاريخ إنتهاء الصلاحية الذي من المفترض أن يمتد لفترة ثلاثة سنين في ظروف جوية متنوعة أهمها الجو الشديد الحرارة مقارنة بصلاحية المواد الغذائية التقليدية الذي يقتصر بعض أصنافها على ثلاثة(3) أشهر. كما أن هناك مشكلة أخرى متعلقة بزيادة رغبة الجنود لتناول الطعام خصوصا في ظروف المعركة وعلاقة ذالك بالمنافسة مع الوجبات التقليدية التي يتناولونها في المنزل وفي أثناء فترة الإجازات. في كل سنة كان هناك ثمانية أصناف تقريبا ترسل للتجارب العملية ويكون الحرص على أن تكون تلك الوجبات الجاهزة مشابهة لما يقدم في المطاعم المختلفة. إن الإبحاث التي كان (Howard Moskowitz) يقوم بها كانت تعتمد على مايسمى محدد الشبع الحسي (sensory specific satiety) حيث إكتشف بعد الحديث مع عدد كبير من الجنود أنهم كانوا يرغبون في تناول وجبات طعام معينة ولكن لفترة قصيرة ثم لا يتقبلونها بعد ذالك ويصابون بالملل من النكهة والطعم فكان الحل في تنويع النكهات حيث تحتوي كل وجبة على عدد من النكهات بنسبة معينة حتى لاتتسبب في إغراق الدماغ بنكهة واحدة وبالتالي إرسال رسائل عصبية بالشبع والإمتلاء. إن ذالك المفهوم الذي قام Howard بتطبيقه عمليا أثناء فترة عمله في الجيش الأمريكي قد أصبح سائدا فيما يتعلق بإنتاج الوجبات الجاهزة للأكل(MRI) وقد إستمر Howard في أبحاثه بعد أن ترك عمله كباحث في الجيش الأمريكي وقام بوضع نتائج أبحاثه في خدمة شركات إنتاج الأغذية والمشروبات الغازية خصوصا كوكاكولا وكرافت حيث تركزت أبحاثه على السكر وكيفية إستخدامه في زيادة رغبة المستهلكين لتناول منتوجات معينة(Sugar Craving). المشكلة المتعلقة بدراسة تأثير السكر على جسم الإنسان وكيف ينتقل داخل الجسم منذ لحظة ملامسته براعم التذوق في اللسان حتى الدماغ أنها تتطلب معدات في غاية التطور مثل مايعرف بالتصوير بالرنين المغناطيسي(MRI) وهو مالم يخرج إلى حيز الوجود إلا سنة 1977 ولكن ذالك لم يمنع Moskowitz من إجراء إختبارات تذوق متعلقة بالكيفية التي يعمل بها السكر على جعل المستهلك يرغب في تناول أطعمة معينة. إن الإختبارات التي اجراها Moskowitz أثبتت له بما لايدع مجالا للشك أن زيادة الرغبة في تناول أطعمة معينة تعتمد على نسبة السكر التي تدخل في صناعتها وتزيد تلك الرغبة بزيادة نسبة السكر ولكن عند وصولها لنقطة معينة والتي تدعى لحظة النشوة (Bliss Point) فيصبح إضافة أي كميات من السكر لن يكون مجرد هدر بل سوف يتسبب بإفساد الطعم. لم يكن Moskowitz أول شخص يكتشف تلك النظرية بل هو أول من حولها لقيمة إقتصادية وجعلها في خدمة شركات صناعة الأغذية والمشروبات الغازية. وإذا قمنا بمحاولة تبسيط النظرية فيمكن تصويرها برسم بياني على شكل حرف(U) حيث تشكل النقطة التي تقع في منتصف المنحنى لحظة النشوة. إن نقطة التحول في حياة Moskowitz كانت سنة 1985 حين قامت شركة فيليب موريس المنتج الأشهر للسجائر في العالم بشراء شركة الأغذية العامة(General Foods) في صفقة بلغت قيمتها 5.75 مليار دولار حيث كانت شركة الأغذية العامة تعاني من البيروقراطية والتمسك بكل ماهو قديم كما أن أرباحها كانت في تراجع. شركة فيليب موريس لم تكن لتنتظر المزيد من الخسائر بينما تقف موقف المتفرج حيث كانت بحاجة لتعويض إستثماراتها في الشركة الجديدة, حيث قامت بالضغط على مدراء شركة الأغذية العامة لعلاج المشكلة الناتجة عن إنخفاض مستوى المبيعات. Moskowitz كان يعمل على عدد من المشروعات لصالح شركة الأغذية العامة وأحدها متعلق بقهوة منزل ماكسويل(Maxwell House) والتي كانت تعد 2.5 مليار بما يعادل 25% من مبيعات الشركة سنويا. Moskowitz لم يقم بتضييع الوقت بإجراء إختبارات تذوق جديدة بل قام بمعالجة البيانات من الإختبارات السابقة وتحليلها وإكتشف أن تصنيف المستهلكين للقهوة ينقسم إلى ثلاثة أصناف من ناحية درجة تحميص البن: قليل, متوسط, وقوي أو بعبارة أخرى إذا أردنا تصنيفها من ناحية الألوان: فاتح, أشقر, غامق وهناك كلمة عامية تصف درجة التحميص الأخيرة (محروق) كدلالة على شدة درجة التحميص وتمتاز بطعمها القوي. إن العمل الذي قام به Moskowitz والمتعلق بقهوة (Maxwell House) أحدث تحولا كبيرا في طريقة عمل شركات صناعة الأغذية والمشروبات الغازية والتي كانت تنظر للمستهلك بشكل عام على أنه مصنف كفئة واحدة حيث كانت تحاول التوصل لتلك المعادلة الوحيدة لأحد المنتجات والتي من الممكن مثلا الترويج لها بين جميع فئات المستهلكين. شركات مثل فلاسيك(Vlasic) والتي تقوم بتصنيع المخللات وشركة كامبيل(Campbell) والتي تقوم بتصنيع أنواع مختلفة من الحساء كلها قد إستعانت بخدمات Moskowitz وإستفادت من نظريته المتعلقة بتقسيم المستهلكين إلى فئات مختلفة بإختلاف أذواقها. شركة بريجو(Prego) والتي تقوم بتصنيع أنواع مختلفة من الصلصة التي تستخدم مع المعكرونة كانت أحد زبائن Moskowitz الذي ساهم ببراعة بتقسيم نوعية المستهلكين لمنتجات الشركة إلى ثلاثة أقسام: الأول يحب الصلصة عادية بدون أي إضافات, الثاني يحب الصلصة متبلة والنوع الثالث يحبها مكتنزة(Chunky Sauce) والتي كان للشركة السبق على كافة الشركات بطرح ذالك النوع من الصلصة في الأسواق حيث أن الإستطلاعات وإستبيانات الرأي التي كان يجريها Moskowitz مباشرة مع المستهلكين بشكل غاية في الدقة والإحترافية كشفت له أكثر 33% من عينة الأراء تتسائل عن عدم إنتاج أي شركة لتلك النوعية من الصلصة. في فترة عشرة سنوات على بدء إنتاج ذالك النوع من الصلصة فقد حققت شركة بريجو(Prego) مبيعات بلغت 600 مليون دولار من خط إنتاج الصلثة المكتنزة(Chunky Sauce) بدون حساب المبيعات عن منتجات الشركة الأخرى. شركة (Ragu) والتي تعد أيضا من شركات إنتاج الصلصة المشهورة في الولايات المتحدة قد قامت بالإستعانة بخبرات Moskowitz الذي أثمرت جهوده عن 36 منتجا مقسمة على 6 أصناف تدخل الجبنة كمكون رئيسي لأحدها. شركات صناعة الأغذية تعرف كيف تخلق حالة من الإدمان للمستهلكين على منتجاتها. إن ثاني أعلى نسبة مكونات في منتجات الصلصة من شركة بريجو(Prego) بعد الطماطم هي السكر وذالك في أي نوع من أنواع الصلصة التي تنتجها الشركة حيث يحتوي نصف كأس(118 ملم) على ملعقتين من السكر أي 1\3 كمية الإستهلاك اليومية التي يوصى بها للأشخاص البالغين. كما أن بعض أنواع صلصة اللحم التي تنتجها الشركة تحتوي على نسبة 50% من كمية الملح والسكر في نصف كأس(118 ملم) والتي يوصى بإستهلاكها يوميا للأشخاص البالغين. إن سوق الوجبات الخفيفة والذي يبلغ حاليا أكثر من 90 مليار دولار داخل الولايات المتحدة أثبت أنه العمل فيه هو أكثر صعوبة. منذ بداية سنة 2001 وبتمويل من شركة McCormick فقد قام Howard Moskowitz بالإشتراك مع خبير في تطوير المنتجات الغذائية من مدينة نيوجيرسي يدعى Jacquelyn Beckley بإجراء أبحاث متعلقة بالألية التي تجعل المستهلكين يميليون لأنواع معينة من الأغذية حيث قاموا بجمع أراء المستهلكين المتعلقة بثلاثين منتجا منها المثلجات(Ice Cream) والهمبرجر. إن نتائج تلك الأبحاث قد أصبحت مرجعية للعديد من شركات صناعة الأغذية التي تتعامل مع Moskowitz حيث أثمرت أبحاثة عن نتائج متعلقة بأن الجوع هو عامل ثانوي يدفع رغبة المستهلكين الشديدة في تناول أنواع معينة من الطعام بينما هناك مجموعة عوامل أخرى بعضها عاطفي والبعض الأخر متعلق بالنكهة, اللون, الرائحة أو مظهر المنتج ولكن يبقى السكر هو سيد الموقف والذي يمكن بواسطته تحقيق كل ماسبق ذكره. مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2016/02/blog-post.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة النهاية
التعليقات (0)