بمرور تاريخ 17\أكتوبر\2015 فإن مفكرة على شكل دفتر حسابات من 360 صفحة قد تكون عرضت في أحد دور المزادات في ولاية فيرجينيا للمرة الثانية حيث لم يتقدم أحد لشرائها عندما عرضت للمرة الأولى سنة 2009 في أحد دور المزادات في مدينة دالاس بعد تصريحات من قبل مسؤولين لأحد أشهر شركات إنتاج المشروبات الغازية (Dr. Pepper) المنتجة بأن تلك المفكرة لا تحتوي على الوصفة الأصلية . يتمتع ذالك المنتج بشهرة واسعة دفعت المغني الأشهر جون لينون(John Lennon) إلى شحن عدد كبير من صناديق ذالك المنتج من نيويورك إلى لندن أثناء أحد جولاته الموسيقية بعد نفاذ الكميات التي بحوزته وعدم توفر المنتج في عاصمة الضباب البريطانية. أشهر الفرق الموسيقية مثل (Beach Boys) و (ZZ Top) كانت صناديق (Dr. Pepper) في حلها وترحالها حتى هيلاري كلينتون عندما كانت سيدة أمريكا الأولى فقد كانت تطلب مقدما مجموعة من صناديق ذالك المنتج بغرفتها في الفندق الذي سوف تحل فيه. إن المذاق الفريد للمنتج والذي يتوسط بين شراب الشعير والكولا أكسبه عددا كبيرا من الزبائن الأوفياء الذين ينتمون لنادي معجبين بالمنتج يدعى(10-2-4) حيث يستمد إسمه من حملة إعلانية سابقة للشركة تحث المستهلكين على شرب ثلاثة علب من المنتج يوميا في الساعة 10صب, 2عص, 4عص. كما أن أعضاء نادي المعجبين يقومون بزيارات دورية لصيدلية صغيرة تقع في مدينة واكو(Waco) التي تقع في ولاية تكساس(Texas) الأمريكية حيث يعمل صيدلي قام بإختراع الوصفة الأصلية سنة 1885. إن ذالك الوفاء لعدد كبير من المستهلكين للمنتج قد منحه المرتبة الثالثة خلف كوكاكولا وبيبسي حتى سنة 2001 عندما حدث تغير مفاجئ في اللعبة الإعلانية للإستحواذ على المساحة المتوفرة على رفوف العرض في المتاجر الكبرى ومحلات البقالة حيث تم طرح عدد من المنتجات الجديدة بألوان ونكهات مختلفة بشكل مفاجئ من قبل شركتي بيبسي وكوكاكولا مما تسبب بأزمة لمنتج (Dr. Pepper). إن تلك الظاهرة تعرف بإسم خط الإمداد أو خطوط إنتاج(Line Extensions) وهي لاتحل مكان المنتج الأصلي ولكنها مصممة بهدف زيادة المبيعات عن طريق منتجات جديدة مرتبطة بالمنتج الأصلي ومتفرعة عنه. في بداية سنة 2002 فإن مكانة Dr.Pepper قد بدأت بالتراجع حيث إنخفضت مبيعات الشركة من 15 مليون كرتونة لتصل إلى 708 مليون مقابل إرتفاع مبيعات شركة الكوكاكولا والبيبسي بفضل خطوط الإنتاج الجديدة. في تلك السنة فقد إزدادت مبيعات الكوكاكولا 93 مليون كرتونة جديدة لتصل إلى 4.5 مليار في الولايات المتحدة فقط بينما إزدادت مبيعات شركة البيبسي لتصل إلى 3.2 مليار كرتونة. المشكلة التي واجهتها الشركة هي أنه منذ تأسيسها قبل 115 عاما لم تواجه موقفا مماثلا ولم تقم بإضافة أي خط إنتاج جديد بإستثناء نسخة من المنتج الأصلي بسعرات حرارية منخفضة. إن فكرة إدخال تعديلات على تركيبة المنتج الأصلي كانت فكرة مستبعدة تماما ولكن كل ذالك تغير مع تراجع نسبة المبيعات بدرجة كبيرة وخسارة الشركة لمساحة على أرفف العرض. كانت سنة 2002 هي التي قررت فيها الشركة تغيير سياستها حيث قامت بتقديم منتج ريد فيوجن(Red Fusion) بنكهة الكرز الأحمر التي تم إختيارها من بين أكثر من 300 نكهة مختلفة. كان من المتوقع أن المنتج الجديد سوف يقوم بإعادة الإعتبار لمبيعات الشركة وإكتساب أسواق جديدة خصوصا بين الأمريكيين من أصول لاتينية والأمريكيين الأفريقيين. المنتج الجديد فشل ليس فقط في إكتساب أسواق جديدة بل خسر بعضا من زبائنه التقليديين رغم الجهود الدعائية الجبارة التي تم بذلها وذالك بسبب طعمه السيئ. الشركة من ناحيتها حاولت تجريب منتجات جديدة لضمها لخطوط إنتاج الشركة ولكن تجاربها فشلت في إجتياز حتى إختبارات التذوق التي تجريها الشركة على عينات مختلفة من المستهلكين ولم يصل أي منها لمرحلة الإنتاج. وفي سنة 2004 قررت الشركة طلب المساعدة من خارج الشركة ووقع إختيارها على هاورد موسكويتز(Howard Moskowitz) والذي كان يدير مكتبا إستشاريا في نيويورك ويعد من أشهر المستشارين في مجال صناعة الأغذية والذين نجحوا في بناء سمعة متميزة بفضل قدرتهم على الإنجاز. قائمة زبائنه تحتوي كبار أسماء شركات الأغذية والمشروبات الغازية مثل بيبسيكو(PipsiCo), حساء كامبيل(Campbell Soup), كرافت(Kraft) وشركة الأغذية العامة(General Foods). إن الدعاية والترويج في مجال صناعة الأغذية يتطلب مهارات خاصة لأن المساحات المتوفرة على أرفف العرض في المتاجر محدودة كما أن الأعباء المالية المترتبة على المتاجر الكبرى تزيد بزيادة الشهرة والمساحة حيث تعد من أكثر الأملاك العقارية تكلفة هي تلك التي تقام عليها كبريات متاجر وأسواق المواد الغذائية والبيع بالتجزئة. إن أكثر مساحات العرض قيمة تلك التي تحتلها الأرفف التي تقع على مستوى النظر وبالتالي تلفت البضاعة التي تعرض فيها نظر الزبون أكثر من غيرها التي تقع في الرفوف السفلية وفي متاجر قد تعرض أكثير من 60 ألف صنف مختلف فإن المنافسة على تلك المساحة تعد على أشدها. شركات تصنيع الإغذية تقوم في حال إحساسها بالمنافسة أو إنخفاض نسبة المبيعات بطرح خطوط إنتاج جديدة أو بتغيير طريقة التعبئة أو التغليف ولكن (Howard Moskowitz) لم يكن من أتباع تلك الطرق التقليدية بل كان يركز على التلاعب بثلاثة أمور أساسية مختلفة تدخل في تركيب المنتجات الغذائية وهي السكر, الملح والدهون مستهدفا الوصول إلى مايعرف بلحظة النشوة. إن العمل الذي كان يقوم به متعلق بالإجابة على نوعية أسئلة من مثل لماذا نشعر بالرغبة في تناول الشوكولاتة؟ وماهي الأسباب التي تدفعنا لذالك؟ الحملة الإعلانية الناجحة التي تم تنفيذها بدأت بتعليق لافتات في محلات ومتاجر الأغذية والإعلان عن الرغبة بإختيار مجموعة من الأشخاص لإجراء إختبارات تذوق حيث تم التركيز على إختيار أشخاص ممن يستهلكون المنتج منذ سنوات وبإنتظام. المحصلة كانت 415 شخصا موزعين على أربعة مدن رئيسية هي لوس أنجيلوس, دالاس, شيكاغو وفيلاديلفيا حيث تم التركيز على ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية, نصفهم من الرجال وأعمارهم تراوحت بين 18-49 عاما. شركة كادبري(Cadbury) والتي كانت تمتلك في ذالك الوقت حقوق إنتاج (Dr. Pepper) كانت ترغب في إضافة نكهة الكرز والفانيلا إلى النكهة الأصلية للمنتج التي أشتهر بها فكان هناك ثلاثة نكهات لابد من التلاعب بها وهي: الكرز, الفانيلا, خلاصة نكهة(Dr. Pepper) والتي من المفترض أن المعادلة الدقيقة لمكوناتها ماتزال مجهولة حتى هذه اللحظة. الإختبارات بدأت في أربعة مدن بالتزامن بتاريخ يوليو 12\2004 بأن يأخذ المتطوعون رشفة من عينة لكل منتج مقترح طرحه في الأسواق وأخذ إستراحة خمسة دقائق بين كل رشفة وأخرى من أجل التحضير لتذوق عينة من منتج أخر. في كل إختبار على عينة لمنتج معين كان على المتطوعين الإجابة على صفحة تتضمن مجموعة من الأسئلة متعلقة بدرجة إعجابهم بالمنتج(0-100), مدى قوة النكهة, جودة المنتج والأهم هو عن مدى رغبتهم في شراء المنتج الذي يتذوقونه. إذا حصلت عينة لمنتج معين على درجة تبلغ 60% أو تزيد فإن هناك فرصة لذالك المنتج لطرحه في الأسواق. إن 14 عينة من مجمل العيناتت التي بلغ عددها 61 حصلت في الإختبارات على 61%, عينتين 67% وعينتين على 70%. قام Moskowitz بجمع نتائج إختباراته في تقرير بلغت عدد صفحاته 135 صفحة شمل كما كبيرا من المعلومات منها بالإضافة إلى ماذكر سابقا من نتائج الإختبارات معلومات متعلقة بتفاعل المتطوعين مع الشكل الخارجي للعلبة التي تحتوي المنتج بل واللون الذي يتخذه نفس المنتج. وبعد أربعة أشهر من الإختبارات والتجارب التي قام بها (Howard Moskowitz) وفريق عمل من العلماء والمختصين على 61 نكهة مختلفة وإجراء 3904 إختبار تذوق من قبل طيف واسع من المستهلكين, فقد تم الإعلان عن منتج (Cherry Vanilla Dr. Pepper) والذي طرح في الأسواق سنة 2004 حيث حقق المنتج نجاحا باهرا وبلغت القيمة السوقية لأسهم الشركة الأم(Dr. Pepper Snapple Group) بحلول سنة 2008 11 مليار دولار. إن التعاون بين شركة Cadbury و Howard Moskowitz يعد أحد أوضح الأمثلة في عالم صناعة الأغذية والمشروبات الغازية على الطريقة العلمية الواجب إتباعها عند محاولة إنتشال منتج معين أو شركة صناعة أغذية معينة من الفشل وربما الإفلاس ولكن ذالك ليس نهاية القصة فكل سنة هناك عدد كبير من المنتجات الجديدة التي يتم طرحها في الأسواق يقابلها بقاء المساحة المتوفرة في أرفف العرض تقريبا بدون زيادة. إن قصة إنقاذ منتج Dr. Pepper ليس نهاية المنافسة بل بدايتها فهناك شركات المشروبات الغازية الأخرى منها بيبسي وكوكاكولا لن تبقى صامتة على خسارتها مساحة في أرفف العرض وسوف ترد بالمثل, حملة إعلانية وخطوط منتجات جديدة. مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على شبكة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2016/01/dr-pepper.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع لتسجيل زيارة للمدونة النهاية
التعليقات (0)