إلى مأمون فندي حين يوالي إسرائيل على إيران
تقديم لابد منه:
في عدد يوم الاثنيـن 16 أكتوبر 2006 من جريدة الشرق الأوسط، صادفت مقالا لكاتبه مأمون فندي تحت عنوان "من الأخطر: إيران أم إسرائيل؟"، يبدو العنوان غريبا منذ أول مطالعة له، و يتلمس مطالعه أنه سؤال ذا علاقة مباشرة بالعرب دون غيرهم، حيث أن الكاتب أراد من خلف سؤاله هذا تحديد درجة الخطر المهدد للعرب، و يشتم قارئه رائحة الطائفية العقائدية التي ينبني عليها وعي الكاتب و يتغدى منها قدر معتقده الطائفي و قدر حساسيته المفرطة من الفرس.
لقد أسقط السؤال من حساباته طرفا ثالثا أكثر فاعلية في السياسة العالمية، و لاعبا أساسيا و محوريا في إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط المعني بالصراع قبل غيره بما يتناسب و مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث كان من الأجدر طرح السؤال وفق الآتي على الأقل: من الأخطر: إيران أم الولايات المتحدة الأمريكية أم إسرائيل؟، و السؤال أيضا يحاول ترتيب درجات الخطر الداهم للأمة العربية/السنية عبر تحديد الخطير والأخطرعلى هذه الأمة، و السؤال محاولة لإعادة توصيف الصراع و تحديده و تفكيك عناصره في المنطقة، حيث ينتقل الصراع من صراع عربي – إسرائيلي إلى صراع عربي – إسرائيلي/إيراني مع تفاوت طفيف في درجات الصراع حسب خطورة كل طرف مناوئ للعرب وفق رؤية الكاتب.
"إيران وإسرائيل كلتاهما تبحثان عن نفوذ وسيطرة على العالم العربي"؟؟؟:
هكذا يشرع الكاتب في الإحاطة بالسؤال و الإجابة عنه، و كأن إسرائيل لا زالت تبحث لها عن نفوذ و سيطرة حتى الآن بعدما وضعت يدها على مقدرات الشرق الأوسط و أراضيه، و كأن إسرائيل مثل إيران لا تزال تسعى لامتلاك الطاقة النووية و حيازة القنبلة الذرية و أسلحة الدمار الشامل، و كأن إيران لا تزال تحتل الأراضي العربية منذ عام 1948، و كأن إيران هي من تقود الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة و الضفة الغربية. و كأن ما يحصل في المنطقة في نظر الكاتب في المرحلة الراهنة على الأقل هو نتيجة للصراع الدائر بين إيران وإسرائيل حول السيطرة على مفاتيح التحكم في المنطقة.
و حتى يصل الكاتب وحده دون غيره لرؤية واضحة، حاول منذ البدء إقامة مقارنة بين الأدوات التي تستعملها كل من إيران إسرائيل لتحقيق مصالحهما على حساب الجسد السياسي العربي، فيساوي بينهما في خاصية الاحتلال للأراضي العربية حيث يرى الكاتب أن إيران تحتل ثلاث جزر عربية هي الطنب الكبرى، والطنب الصغرى، وأبو موسى، وكلها جزر إماراتية بينما تحتل إسرائيل أراض فلسطينية ولبنانية وسورية، إلا أنه يعترف في المقابل بأن درجة الخطر الإسرائيلي من زاوية احتلال الأراضي أكبر، و كأن الكاتب لا يقدر عمق الصراع و جوهره بين إسرائيل و العرب من جهة و بين إيران/الشيعة و العرب/السنة من جهة ثانية، فالأول صراع وجود و الثاني صراع حدود، و أن الاستدلال على نوايا الطرفين من طرق الاحتلال يؤدي إلى منزلقات و استنتاجات خاطئة، فربما لم يطلع الكاتب على بروتوكولات بني صهيون ليكتشف التطلعات و الطموحات الصهيونية في المنطقة، و ربما لم يطالع النظريات الصهيونية المؤسسة لقيام دولة إسرائيل و سبل بقاء وجودها على خارطة الشرق الأوسط، و كلها نظريات و معتقدات تجد لها تفسيرا واضحا على أرض الواقع، أما حديثه عن إيران الطامحة لتحقيق حلم الخليج الفارسي، فبعيد عن جدا عن الصواب، ذلك أن ما يقع من تجاذبات إقليمية بين إيران و بعض الدول العربية هو تجلي واضح لصراع من نوع خاص، صراع طائفي بين الشيعة و السنة في إطار ما يسمى بالأمة الإسلامية التي تنضوي تحت لوائها و على مضض جميع أطياف الإسلام.
- من يفوز بصفقة الوكيل الوحيد لأمريكا في المنطقة؟
و يذهب الكاتب إلى القول بأن الصراع الدائر بين إسرائيل و إيران منذ عهد الشاه بالمنطقة هو صراع حول الفوز بصفقة الوكيل الوحيد لأميركا في منطقة الخليج والشرق الاوسط، مما يعني من وجهة نظر الكاتب أن أحمدي نجاد و معه تيار المحافظين في إيران يسعون الآن إلى كسب رضى أمريكا في المنطقة من خلال الصراع المحتدم بين الجانبين على صعيد الملفين العراقي و النووي و اللبناني في بعض الأحيان، هذا الطرح الذي يبدو غريبا و ساذجا فعلا كما تنبأ له الكاتب نفسه في مقاله، ليس لأن خطب أحمدي نجاد الملتهبة عداء للشيطان الأكبر لا تدغدغ مشاعرنا، بل تدلل على عمق الصراع بين أمريكا و إيران في المنطقة، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحجيم الخطرالفارسي/الشيعي المتصاعد على مصالحها، كما أقبرت الخطر العراقي إبان حكم صدام حسين الذي لم يكن فارسيا و لا شيعيا و لكن كان رجلا مزعجا لأمريكا ومهددا لمصالحها بالمنطقة.
و في معرض حديثه عن الكواليس و الدوائر المغلقة و المفتوحة، يخرج مأمون فندي من منطقة الظل ليكشف عن الوازع الطائفي المحفز على الاعتقاد بمثل هذا الطرح فيتحدث عن وجود مخطط أمريكي-إيراني لمواجهة خطر التطرف السني الوهابي، و يورد فقرة من كتاب "الصحوة الشيعية" لفالي نصر الباحث بمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، يقول فيها: «إن الصحوة الشيعية هي السد المنيع في مواجهة التطرف السني في المنطقة، فهي صحوة مضادة لها وللتطرف بشكل عام، تهدف إلى تغيير المنطقة بشكل ديمقراطي» (ص 251)، إلا أن السيد مأمون فندي نسي أن إيران نفسها هي من تتحالف مع سورية ضدا على أمريكا و إسرائيل، و تجاهل تماما الصراع الدائر في دواليب مجلس الأمن و كواليس الأمم المتحدة حول الملف الإيراني النووي، و أن الوضع ينبئ بمزيد من التصعيد بين الطرفين، و أن الأيام القليلة القادمة توحي بفرض عقوبات على إيران، و أن المستقبل يخبئ حربا خليجية جديدة تكون ضحيتها إيران، ليس لأنها ذات تطلعات توسعية بالمنطقة و إنما لكونها تطمح و بعزم و تصميم منقطع النظير لامتلاك الطاقة النووية و لو لأغراض سلمية، و عليه فإن الحليف المحتمل للغرب الأمريكي لن يكون بالتأكيد هو إيران كما تنبأ الكاتب، لأن إيران بالنظر لخلاصات القمة المصغرة التي جمعت أمريكا و دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن تعتبر دولة متطرفة، وبالتالي ينبغي على حلف الدول المعتدلة مواجهة الحلف المتطرف بدعم أمريكي مائة بالمائة.
- الأدوات المتاحة لإيران و إسرائيل بالمنطقة:
و في سياق تعرضه للأدوات المتاحة لكل من إيران و إسرائيل، يعترف مأمون فندي بالتفوق الإسرائيلي على إيران بالنظر للترسانة النووية التي تمتلكها إسرائيل و قدراتها العسكرية، لكنه يخلص بعد ذلك إلى أن هناك ثلاث نقاط أساسية تتفوق بواسطتها إيران على إسرائيل:
1) الأذرع الشيعية المنتشرة في كل الدول العربية تقريبا
2) الغطاء الإيديولوجي المقبول لدى العرب المستهدفين و المتماهي مع خطاب "الصحوة الإسلامية"
3) الآلة الإعلامية الإيرانية في العالم العربي، و يصنف الكاتب قناة الجزيرة القطرية ضمن القنوات الحليفة.
- خلاصة:
و لعل القارئ لهذا المقال قد يصاب بالدوار نتيجة التخبط الذي وقع فيه الكاتب جراء عدم تحكمه في ماهية و حقيقة أطراف الصراع في المنطقة، فإيران بالنظر إلى ما جاء به هذا الكاتب تتحول بين الفينة و الأخرى من موقع العدو اللذوذ المنافس إلى دائرة الحليف الستراتيجي المناهض للتطرف السني الوهابي، و كأن المقال يتحدث عن إيرانين اثنتين الأولى إيران الفارسية و الثانية إيران الشيعية، فيقع الصدام بين إيران الفارسية و الغرب الأمريكي تارة و يقوم التحالف بين إيران الشيعية و نفس الغرب تارة أخرى.
و في نهاية المقال ينتهي مأمون فندي إلى الخلاصة المنتظرة التي ينبئ بها العنوان منذ أول قراءة له و هي: "إذا كان الأمر كذلك.. فبكل تأكيد: إيران هي الأخطر"، بينما أنتهي أنا إلى خلاصة واضحة هي: أن صوت مأمون فندي يندرج ضمن الأصوات الممهدة لتقليم أظافر الخطر الفارسي على الغرب الأمريكي و معه الوجود الإسرائيلي المرتكز على تنظيف المنطقة من كل الأنظمة المناوئة للمشروع الصهيوني الأمريكي و المهدد لأمن إسرائيل و سلامها.
التعليقات (0)