من اسفار المكتبة:السفر الاول
الكثير من الكتب المؤلفة والمصنفة في التاريخ الاسلامي هي غير نقدية او هي تنقل الوقائع والاحداث بصورة غير صحيحة وتخالف العقل والمنطق بل وتخالف حتى اوراق كتاب المؤلف نفسه! بالاضافة الى سهولة تأليفها او تجميعها،ولذلك يكون نادرا الوصول الى تأليف كتب نقدية وتحليلية للتاريخ كونها بالاضافة الى الجهد الاضافي العقلي والنقلي المبذول فيها،فأن مجاهدة النفس للخروج من مستنقع التقليد الوراثي الى تقليد العقل والمنطق والسير خلفهما اينما ذهبا هو خروج في بعض الاحيان على المحيط الديني والاجتماعي وبالتالي سوف ينشأ منها مخالفة عنيدة تسبب مصاعب جمة لكل من يحمل افكار وآراء تخالف ما هو موجود من سيرة تاريخية ثابتة يرفض المتزمتون الخوض فيها وكأنها نصوص مقدسة!...
ومن الكتب الاخيرة التي اطلعت عليها والتي يخالف المؤلف فيها المدرسة الفكرية التي تخرج منها او التي ينتمي اليها،هو كتاب: الا..أمير المؤمنين علي بن ابي طالب تأليف،خليل عبد الكريم(1930-2002) وهو شيخ ازهري سابق،انتمى لجماعة الاخوان المسلمين وتعرض للسجن والتعذيب،ثم تحول الى الفكر اليساري وانضم الى احد الاحزاب اليسارية الصغيرة في مصر...بدأت شهرة الشيخ خليل وهو محامي ايضا،بعد عام 1990 واصدر حوالي 13 كتاب اثارت ضجة قوية في المجتمع العلمي نظرا لما تحتويه على جرأة قوية في عرض الاراء التاريخية التي تخالف المجتمع المعرفي في الوسط الديني في مصر والعالم العربي ولذلك اتهم من قبل مخالفيه بمختلف التهم التحريضية...
الكتاب يتألف من 174 صفحة من القطع المتوسط وطبعة 2006 في بيروت ونوعية الورق خشن اقرب لورق الجرائد...
هو كتاب تحليلي ونقدي للكثير من النصوص التاريخية التي تتناول حياة وسيرة بعض الصحابة وموقفهم من الامام علي (ع) وخاصة في بيعته وحروبه المتتالية ضد المارقين والناكثين...
الكتاب يعرض لسيرة بعض الصحابة والمارقين من الطلقاء في طريقة نقدية وتحليلية لاتخلو من اثارة وتمتاز بالدقة العلمية والعرض الشيق الموازي له،وفي نهاية كل فصل او مقطع يكتب نتيجة يتوصل الكاتب،يعرضها وبمنتهى الصراحة الشديدة التي تكسر حاجر الكثير من المقدسات التاريخية والتي تمتاز بالسخرية احيانا من هؤلاء الذين يتم تقديسهم دون ادنى اعتبار لاعمالهم التي تخالف الدين والعقل او حتى الذين يتبعونهم بدون ادنى حرية في الاختيار...
يبدأ كتابه بنقد لاذع لمحقق كتابي سيرة ابن هشام وابن اسحاق،حيث عارض محقق الكتابين ان يكون ابو طالب هو حامي الرسول الاعظم(ص)،وجاء بعد ذلك رده المنطقي المستند على اساس عقلية ومنطقية تدل على ان للكاتب باع طويل في مجال الدراسات التاريخية...
ثم بعد ذلك يحلل سيرة الثلاث المناوئ للامام علي(ع) في حرب الجمل والتي يصدر فيهم احكاما قاسية في الادانة على ما اقترفوه سواء في تلك الفتنة او قبلها...
من بين البحوث القيمة التي تناولها الكاتب هي حول ايهما اصح تسمية المصحف الامام ام مصحف عثمان،ومن خلال تحليله يتوصل الى نتيجة هي مصحف الامام اصح من التسمية السائدة حاليا لابل يسخر وبشدة من قبل الباحثين المخضرمين الذين يتمسكون بتلك التسمية التي اطلقها خلفاء بني امية انفسهم...
ينهي الكتاب ببعض الملاحق التاريخية حول النص المؤسس وتاريخيته في آراء و مواقف حول المجتمع القبلي المحيط وخاصة مجتمع المدينة...
قد يخالف البعض المؤلف فيما توصل اليه من افكار وآراء جاهر بها كثيرا،الا ان كتابه هو جدير بالقراءة والاقتناء ...بل قد يعجب كل باحث عن الحقيقة خاصة في معارضته للكثير من المسلمات التي اثبت التاريخ والعقل خرافتها وعدم صحتها.
احتج المؤلف على الكثير من القضايا والتي يعيب بعضنا على اليهود فيها من خلال
اقامة الحد على الفقير والمسكين وترك الشريف القوي اذا عمل نفس الخطأ لابل يكرم في كثير من الاحيان!ومن ابرز ما ذكره هو حادثة زنا المغيرة بن شعبة والتي رأه فيها اربعة شهود،ثلاثة منهم اصر على شهادته والرابع تمت رشوته او اخافته وهو زياد بن ابيه!فتراجع عن شهادته وكرم بعد ذلك مثل الزاني اما الشهود الثلاثة فتمت معاقبتهم بشدة ومن قبل الخليفة الثاني!..كذلك يطرح قضايا هامة ولكن بصورة مختصرة من قبيل التفاسير الحديثة التي ألفها الكثير من المفسرون والتي هي توضيحات وشروحات على القديمة والتي يخضع مؤلفوها للبيئة والزمن المكتوب والتي من خلالها نرى آثارها عليه...وكذلك يطرح لفته لطيفة حول مدونة المذهب المالكي التي املاها احد طلابه على فقيه آخر ثم نقلها الى افريقيا ومن بعدها جاءت كل الشروحات والتفسيرات والتعليقات،واصبحت مثل المرجعية التي لاتقبل النقاش والجدل،بحيث وصفها انها محتمل ان تكون مالكية مبتدعة لان البعدين الزماني والمكاني عن صاحب المذهب المقيم في الحجاز لهما اثر كبير في البناء الفكري والعقائدي للمذهب.
ينصح المؤلف المفسرون الاخرون وهي يمكن تعميمها الى بقية المؤلفين الاخرين،في ضرورة ان لايجهل احد ان المفسرون السابقون هم عاشوا في بيئة تختلف عن بيئتنا وفي زمن يختلف عن زماننا،وتسلح بثقافة تختلف عن ثقافتنا،وتزود بمعارف غير معارفنا،بل لا وجه للمقارنة بيننا وبين السلف الصالح،وكما قيل ان الانسان هو ابن عصره....
والتحذير هنا من تصديق الخرافات وخاصة الاسرائيليات التي دخلت التفاسير المختلفة،وهي الطبع بالعشرات ولكن المؤلف ذكر مثالا عليها،ولكنه يشدد على ضرورة الا يكون المحقق وخاصة حملة الشهادات العلمية العليا ان يكون متفرجين في نقلهم دون ان يحققوا ما ينقلونه وهو ذكر عدة امثلة في الكتاب.
يخلص الكاتب الى ان:الكسل العقلي والاسترخاء الفكري والبلادة الذهنية هي متوافقة تماما مع حالة التردي الراهنة التي تضرب الشعوب الاسلامية،فباستقراء تاريخ الفكر الاسلامي نتوصل الى حقيقة ان في عصور الانحطاط يختفي او يكاد الابداع والاختراع والابتكار ويشيع فيه التكرار والاجترار والاتباع.
ينهي الؤلف كتابه بعد ذكره نموذج من المرويات في التفاسير،ويعلق بسخرية لماذا ايها المسلم تشغل فكرك وعقلك وكله مذكور في القرآن من علوم واختراعات وهو يقصد بذلك الكثير من الباحثين الذين ينسبون للقرآن الكريم كل الاختراعات والعلوم ونسوا انه كتاب هداية ومواعظ واخلاق بالاضافة الى ذكره الكثير من المعجزات العلمية وغير العلمية...ويقرر في النهاية ان الانظمة الحاكمة الفاقدة للشرعية هي تتنافس للمراهنة على الدين لغرض الحصول على الشرعية المفقودة،بينما يستغل الوعاظ المهيجون ذلك لغرض الوثوب على السلطة....
كتاب فيه الكثير من الفوائد المعرفية وبصورة مختصرة تصلح قرائته بعقل منفتح لايخضع بسهولة للخزعبلات ومتحرر من المحيط الذي يفرض عليه قيما تخالف العقل والمنطق وتدعوه الى الاتباع والانقياد مثل ملايين العامة من البشر.
التعليقات (0)