من ارشيف الشباب المؤمن
ل/أحمد أحمد الرازحي
جمعهم الهدف...وفرقتهم الحرب
صورة من ذكريات الماضي يحلمون بتكرارها ويندبون فراقها
سيرة ابرز مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن ورحلتهم مع الزمن وتجسيد خياراتهم،وكيف تعاطوا مع قضية الحرب ،لماذا صمت الرازحي،وتكلم عزان،وتعاطف جدبان؟من الخاسر ومن الرابح؟هل أوصلتهم خياراتهم إلى سعادة هربوا إليها؟كل هذا تستشفونه داخل الموضوع
تحليل الصورة يحتاج إلى الغوص في أعماق الصورة لإدراك رسالتها وفهم معانيها فهماً واعياً داخل إطارها وفي بيئتها وفي حدود المجتمع الذي خرجت منه أوعبرت عنه ،معرفة سر اختيار المكان والزمان، الإمعان في الخلفية ،وقراءة الأوجه وأمكنة الأيدي ،من يتمسك برفيقه ويلوذ إليه، ولماذا جلسوا أمام عدسة الكاميرا بهذا الشكل ،من رتبهم ووضع كلاً منهم في مكانه الخاص الذي يظهر عليه في الصورة حتى يومنا هذا؟من جعل أوسطهم أوسطهم، ومن صوَرهُم ؟
يعتمد فهم معاني الصورة على فهم العلاقة بين العناصر الثلاثة (الناس، الموضوعات، الأحداث) وعلى نظام السميوطيقا(علم الإشارات)فلا عجب إذن أن تحل الصورة محل الأصل كما يحل النسيان محل الذاكرة،ذلك النسيان الذي يرسخ حضوره بتشويه الذاكرة.
فتلك الصورة التي تجمع الرازحي علي ،وجدبان،وعزان،وأثنين من طلابهم تحمل مفارقات وتناقضات وصعوبات وغرائب رافقه رحلتهم في ظل تنظيم الشباب المؤمن وما انتهت إليه من نتائج .
فمكان الصورة مسور حجة ،والزمان بداية التسعينات،وتلك النظرات التي يرمونها في الأفق من خلف نظارات بيضاء شفافة تحمل هماً ورسالة تُحمل فوق أكتافهم لإيصالها إلى أقصى جغرافيتهم الفكرية ،حفاظاً على حدودهم الفكرية التي تكاد تُُحتل و تندثر أمام الغزو السلفي .
كتابة تاريخ تلك الفترة يحتاج إلى إعادة النظر فيها وقراءتها قراءة نقدية لاستخلاص الدروس والعبر لمساعدة الذين وضعتهم الحياة في مواجهة أحداث الحاضر, والمستقبل القريب وتبين الطريق وتجنب مزالق السير.
لابد من كتابة تاريخ تلك الفترة المزدحمة بفائض من الأحلام ،والأشواق والنوايا الحسنة،والصبوات النبيلة والاستعداد للتضحية في سبيل مايعتقدوه،فترة مضرجة بالتضحيات والعذاب والصبر الذي يفوق أحياناً ما يحتمله البشر،ليعيد المرء قراءة تلك الفترة على طريقته ،فالطريق ممهداً اليوم لأجرى دراسات نقدية لتلك المسيرة،بما يسمح باستخلاص الدروس والعبر وصياغة حُلم جديد يكون خطوة نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأقل سذاجة.
فإنه لايزال من العسير ،إن لم يكن من المستحيل صياغة تاريخ موضوعي لتلك الفترة ،ببساطة لأن أغلب شهودها لايزالون يرزحون تحت وطأتها ،يكتوون بلظاها ،ويضمدون جراحها،ويتأوهوا حسرة عليها،وتلفهم الحيرة والارتباك أمام علامات الاستفهام ،جاثمة فوق صدورهم كقدر يرفض أن يتزحزح من مكانه ويترك الساحة لمشهد جديد وممثلين جدد وحكايات أخرى فرضها واقع ،ورياح تحمل وعود لها تجربه ،وتبدد أخطاء كانت بحسن نية يتهربون منها اليوم خوفاً من تحمل التبعة
بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف مع هؤلاء ،حكاية جيل خاض غمار رحلة قاسية من المعاناة والبشارات ،والشوق العارم للعثور على طريق التحرر من الاستبداد والتبعية والتخلف.
رحلة ألقت ببعضهم في غياهب السجون، وكبلته بسلاسل مرئية وغير مرئية، مادية ومعنوية ،ورمته في السراب،وبعثرته في تيه المنافي الداخلية والخارجية،ومنحته القليل من لحظات سعادة الإنجاز المقصود،وجرعته مرارة الخيبات ،وقادته من السراب إلى الخراب , خراب النفوس ودمار العقول،خراب انهيار البناء ألقيمي ،وسقوط الأحلام الجميلة الكبيرة التي تتجسد في الأرشيف،وخراب الحصار بين هاوية الإخفاق المدوي وأشداق الاستبداد، يبدو الآن غريباً مشرداً في داخل ذاته،مشتتاً على كل الخيارات المتساوية لتفضي إلى طريق واضح في نظره الحالي ،عارياً حتى من الأحلام الآسرة،تلف خطواته الحيرة ،ولا تترك له سنوات العمر الهاربة سوى لحظات تذكره بعمر جميل التهمته أوهام الحاضر ،ولا تزينه اليوم سوى الذكريات التي تكمن في هذه الصورة التي يتوق إليها شوقا لإعادة ماضي دفنه بكلتا يديه،ورغبة في التحرر من واقع يكاد يخنق ذاته الحائرة المحاصرة ،وبقايا مكابرة للأنداد ترفض الانكسار تتسامى فوق الآلام والجراحات .
وأخر نجا من السجن بفضل حصانة حصان وإن كان السجن أحب مما يدعوه إليه حسب ماتمليه عواطفه ،فهو أسير عواطفه،تحكمه العاطفة وتسيره ولأته المذهبية لأنه يحس أنه مظلوم وأنه ضحية ،،حيث أنه لا يستفيد من تجاربه ويقع في الأخطاء نفسها،ويرغب في اتخاذ المواقف ذاتها في كل تجربة، أخلص من رفيقه وأكثرهم شجاعةً وجراءه ،يستند إلى شعبية تفوق أقرانه ،لايخاف لومة لائم،ولا يقبل نصيحة ناصح ،يرى ما لديه الصواب المطلق لصلابته الداخلية التي لاتلين ولا تعرف المهادنة ،فهو سهل الاستخدام والانتخابات المحلية اقوي دليل في سهولة استخدامه للوقوف أمام أرادة تياره المستقل.
أما أوسطهم فهو في منتهى الصفاء الروحي والتواضع والمودة للآخرين، فهو مستغل ،يصعد الرفقاء من فوق كتفه، وهناك مايشبه التجاهل المتعمد له،يتمسك بجمرة القيم والمبادئ ،وطلق المغريات والمكاسب والمغانم،ورفض الرضوخ للتهديدات والمساومات على الحقيقة ،ولن نتطرق له أكثر احتراما لاختياره قاعدة الصمت العميق،فهو الأعزل المعتزل إلا من يرى أنهم حملته.
كل هذا ليس سماً في عسل،ولا زيتاً على نار،وإنما بحثاً عن إجابة فقد أصابتنا سهام أخطائكم،وتجرعنا الآم تجاربكم ،واكتوينا بناركم ،وتهنا في تأويل شطحاتكم فأعذرونا إن بحنا بقطرة من أوجاعنا.
تأسيساً على ما سبق، ومادمنا في حقل وأحد نجد أنفسنا مدفوعين للسؤال حول خاتمة المقال، كيف نقرأ دلالة الصورة ؟وهل هناك حنين لتلك الذكريات؟
التعليقات (0)