تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة يقف امامها الأنسان حائرا وهل ما أذا كان الرئيس الأمريكي يعبر عن رأيه الحقيقي أو أنه يحاول الدفاع عن سياسات يعرف أنها خاطئة. وهل يعتقد أن العرب مثلهم مثل شعوب أوربا الشرقية سيرحبون بأمريكا بالأحضان بمجرد دعوته للديمقراطية أذا استمرت أمريكا في تأييد الأحتلال الأسرائيلي للأراضي الفلسطنية وأستمرار وجود جيوشها وأساطيلها في العراق والبلاد والبحار العربية؟
وهل سينسى العرب كل ما قاسوه من السياسات الأمريكية المعادية للعرب بمجرد تصريحات غير ملزمة عن سراب أطلق عليه الأصلاح في الشرق الأوسط. إن إشادة الإعلام الغربي بالتحرك الديمقراطي في الشرق الأوسط وبأنه كان نتيجة مباشرة لدعوة الرئيس الأمريكي للديمقراطية وسياسته في الشرق الأوسط وإشارته إلى ما يحدث في العراق وفلسطين ومصر والسعودية ولبنان تدل إما على افتقار لمعلومات وثيقة عما يجري في العالم العربي أو عن مغالطة لتطمين الشعب الأمريكي عن الخسائر المادية والمعنوية التي تتكبدها أمريكا في العراق.
فالكل يعرف أن الإنتخابات العراقية كانت نتيجة إصرار الشعب العراقي عليها بعد زوال صدام. كما أن الإنتخابات الفلسطنية ليست الأولى من نوعها وأن المظاهرات في بيروت إنما هي نتيجة لاغتيال الزعيم اللبناني الكبير رفيق الحريري، لأن لبنان لا يفتقر الى الحرية والديمقراطية، وأن الأصوات ضد سوريا لا تمثل أغلبية الشعب اللبناني كما شاهد العالم على شاشات التلفزيون، وأن مطالبة الرئيس المصري بتعديل الدستور بحيث يسمح بتعدد المرشحين للرئاسة ليس جديدا في تلاعب الأنظمة العربية بالتصريحات المخدرة لكسب الوقت في الإستمرار في الحكم.
فقد حدث هذا في تونس وسمح بتعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية وكانت النتيحة زيادة نسبة المصوتين للرئيس التونسي الى 99%. وكذلك الحال في ما يجري في الجزائر والسعودية وغيرها من البلاد العربية هو مجرد دعاية لكسب الوقت، ولن تكون هناك إنتخابات عادلة في الدول العربية الا إذا توفرت مقوماتها الديمقراطية من توفر الحريات الأساسية واحترام حقوق الأنسان والإعلام الحر والأحزاب السياسية التي تمثل رأي كل فئات الشعب. وأن إجراء أية إنتخابات في فراغ هو تمثيلية مسرحية لا معنى لها سوى استمرار السلطة الحاكمة في الحكم.
هذه حقائق السياسة في عالمنا العربي يعرفها أي مبتدئ في السياسة. ومن غير شك فإن كل مستشاري الرئيس الأمريكي يعرفون هذا، ويعرفون جيدا أن فشل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يرجع الى السياسة الأمريكية المدعمة لأسرائيل ضد الشعب العربي في فلسطين، وما يحدث في العراق وضد العرب والمسلمين في داخل وخارج أمريكا بدعوى محاربة الأرهاب الظاهرة العالمية التي لا تقتصر على العرب والمسلمين فقط بل أن العرب والمسلمين هم أكثر عرضة من غيرهم للأرهاب بسبب عدم الأستقرار السياسي.
إن الطريق الى كسب صداقة العرب والتعاون الوثيق معهم في المجالات الإقتصادية والسياسة والأمنية هو تغيير السياسة الأمريكية وتأييد الفلسطنيين لإقامة دولتهم على الجزء الصغير الذي ارتضوه من بلادهم فلسطين بعد حرب 1967. وهذا لن يتحقق إلا بعد الضغط على إسرائيل للتخلي عن أحلامها التوسعية، والجلاء عن الاراضي الفلسطنية دون خلق عراقيل التسويف والشروط المستحيلة كما نراها اليوم لكسب الوقت حتى يتم تهويد كل فلسطين.
وكذلك يجب جلاء القوات الأجنبية عن العراق ومن جميع البلدان والبحار العربية وعدم التدخل في العلاقات بين الدول العربية أو السعي لمعارضة وحدتها السياسية والإقتصادية، والتعاون مع الدول العربية في مكافحة الإرهاب بشتى أنواعه في جميع أنحاء العالم.
أما الدعوة الى الديمقراطية فيجب ألا تقتصر على التصريحات من الجانب الأمريكي التي تتحايل عليها الأنظمة الحاكمة كما يجري الآن، وإنما في استطاعة أمريكا أن تعلن صراحة بأنها لن تتعاون مع المسئولين على هذه الأنظمة الا إذا كانوا منتخبين ديمقراطيا من طرف شعوبهم بعد أطلاق جميع الحريات واحترام حقوق الإنسان وإنشاء المؤسسات الكفيلة بتوفيرها. وهذا يجب ألا يحدث بالقوة كما حدث في العراق على حساب أرواح أفراد الشعب الأبرياء، أو بالمقاطعة الإقتصادية التي لا يتضرر منها سوى أفراد الشعب، وإنما بمتابعة المسئولين عن الأنظمة الدكتاتورية وتقديمهم للمحكمة الدولية الجديدة لحقوق الإنسان ووضع القيود على سفرهم ومعاملاتهم المالية مع الخارج بالتعاون مع بقية دول العالم الحر كما يعامل اليوم من يتهم بالأرهاب.
وهذا ليس تدخلا في الشئون الداخلية للدول العربية بل ضرورة تفرضها المواثيق الدولية وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأمريكا في استطاعتها عمل كل هذا وفرضه بمفردها أو عن طريق مجلس الأمن إذا أرادت.
بهذا فقط يمكن ضمان تحول ديمقراطي صحيح وسريع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، وأرساء علاقات صداقة وتعاون حقيقين بين الشعبين الأمريكي والعربي على أساس الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة مما يوفر الأمن والسلام في العالم أجمع. أما التبجح بالتصريحات والإنتصارات للديمراطية وفي نفس الوقت التعامل مع الأنظمة الدكتاتورية وتبادل العلاقات والمصالح معها فسياسة لا يرجى منها أمل، بل إن السياسة التي اتبعتها أمريكا والدول الغربية منذ الحرب العالمية الثانية في تأييد وحماية هذه الأنظمة والتعامل معها هي التي كانت السبب المباشر في أرساء دعائم هذه الأنظمة الدكتاتورية، وانتشارها في الشرق الأوسط واستمرارها في السلطة دون رقيب أو حسيب.
التعليقات (0)