مواضيع اليوم

من أين نبدأ أيها المصلحون ؟

Fatma alzahra

2010-08-04 14:59:00

0

 

كم من بدايات جيدة في شتى الأصعدة أثمرت النتائج المرجوة وكم من بدايات فاشلة جرت وراءها الويلات بسبب سوء اختيار أسلوب البداية و سوء انتقاء النطقة التي لابد أن يُنطلق منها منذ البدء .. و حقيقة فإن الكثير من الأمور - إن لم يكن كلها - تعتمد في هذه الحياة على البدايات و تعول عليها كثيرا في تحديد نجاح أو فشل أي مشروع أو أي إرادة إنسانية تتطلع للأفضل سواء كان هذا التطلع في المجال سياسي أو ديني أو اقتصادي أو حتى اجتماعي ..

و ما يهمني شخصيا و يلفت انتباهي كثيرا هو سوء الاختيار للبدايات التي يقع فيها أصحاب الرأي و أرباب العقل في هذا الزمان .. ففي مجال الدعوة و الإصلاح المجتمعي مثلا نرى علماء ذوي رأي راجع و علم شرعي لا يستهان به و لكنهم للأسف الشديد يسيرون في دعوتهم بإسلوب مقلوب رأس على عقب .. فترى الواعظ منهم دائما يخاطب محاضريه على أنهم ( ملائكة ) لا يخطئون !! وبعد أن يضمن هذا يبدأ بالاسترخاء ومن ثم الحديث و الوعظ و الحض على الطاعات و النوافل و على المقربة منه عدد لا يستهان به من الشباب الغارقين بالمعاصي ومن المحبطين و اليائسين من مستقبل بلادهم و بالتالي من مستقبلهم .. و لو استمعنا جيدا لمضمون هذا الوعظ لرأيناه يدور حول فلك الطاعات من من بداية الخطبة أو المحاضرة حتى نهايتها !! مما يثير الملل والسأم و الضجر من المستمعين .. وحتى و لو أعقب وعظه هذا ما من الممكن أن يفيد بعض المستمعين له فلن ينتبهوا له لسوء اختيار نقطة البدء الصحيحة المناسبة للموقف و للمستمعين ..

هذا على مستوى الفرد الناصح مثلا ولنأتي على مستوى الأمة لنجد أن أغلب دعاتنا وعلماءنا هذه الأيام لا يدركون جيدا من أين يبدؤون لإصلاح هذا المجتمع أو حتى لإلقاء درس ديني على أقل تقدير .. أيبدؤون بشرح العقيدة و ما في القلوب من أدران و أمراض ! أم بالحديث عن الفرائض و الواجبات والمستحبات ! أم ينكرون المنكر ! أم يسيرون في دروب الأمر بالمعروف كما هو ديدن الكثيرين منهم ! و الكل يعلم أن الوعاظ و العلماء ومن يهمهم أمر شباب هذه الأمة غالبا ما يمزجون بين ما ذكرته .. لكن تظل هناك نبرة واحدة تطغى على الجميع .. فما هي الصيغة الأكثر انتشارا والأكثر شيوعا و استخداما من قبل هؤلاء المجددين غير الوعظ و التركيز على الطاعات و تجنب واقع شباب هذه الأمة ما أمكن وكأن الحديث عن تردي أحوال شبابنا هذه الأيام بات من العورات التي لابد أن لا تكشف من باب إذا بليتم فاستتروا !!

و إليكم رؤيتي الخاصة حول هذا الموضوع .. فعلى سبيل المثال في المجتمعات الغربية التي تكثر فيها السرقات و القتل و ينتشر السلاح بين الناس و تهيمن المافيات الكبيرة على أكبر إقطاعات الدولة المهمة نرى أن الخطاب الديني هنالك يحاول أن يتجنب الخوض فيما يحدث على الساحة العامة و يحاول أن يجمع المسلمين في زاوية واحدة و التقوقع و الغلو في هذا التقوقع مما يثير حفيظة التيارات الأخرى المتشددة مما سيولد معارك باردة و ربما ساخنة لا حصر لها .. فبالتالي فإن عمل المؤسسات الدينية هنالك سواء كانت إسلامية أو مسيحية لابد أن يركز على ( تنظيف ) المجتمع من ثقافة الغاب والتي يسهل جدا فيها على القوي أن يأكل الفقير .. والتركيز أيضا على ضرورة العودة للفطرة السوية والجبلة النقية التي خلقت مع الإنسان و تعزيز المشاعر الإنسانية لدى الفرد تجاه أخيه الإنسان وتجاه نفسه وتجاه بارئه سبحانه .. بدلا من التركيز على مسألة الحجاب والنقاب والبنوك الإسلامية و المساجد و ال و ال و ال .. فمن المضحك جدا أن تأتي لشخص اعتاد شرب الخمر ومخالطة النساء و اعتاد على أمور أكثر تحريما من هذا و تقول له لابد أن تغض البصر و تطلق لحيتك و تذهب خمس مرات إلى المسجد و تصوم رمضان وتذهب للحج و تدفع من أموالك صدقة وزكاة .. هذا الشخص حتما سينفر من الإسلام وقد يشن حربا عليه و ينظم حملات للنيل منه .. و لن يحدث هذا أبدا لو كانت بداية دعوة هذا الشخص صحيحة ترتكز على تعزيز الإيمان و توثيق الصلة بالله سبحانه و إفهام هذا الشخص لماذا خُلق و إلى أين المآل .. فلو اهتم المصلحون هنالك في أهمية من أين نبدأ دعوتنا و على أي النقاط نركز أكثر لما وجدنا حال مسلمي أوروبا على ما هم عليه اليوم من اضطهاد و اقصاء و تنحية واضحة ..

كذا في عالمنا العربي المليء بالمتناقضات .. نجد عدد لا بأس به من الوعاظ ينحرفون في اختيار البداية الصحيحة للدعوة إلى الله .. فعلى سبيل المثال نأتي لما يسمى " بالهيئة " في المملكة العربية السعودية .. ومع احترامي الشديد لهذه الهيئة إلا أننا نلاحظ أن أعمال هذه الجهة بدأت تنحصر و تتقلص في أيامنا هذه !! فلمَ حصل هذا ! برأيي هو بسبب سوء النهج الذي تبناه البعض ممن ينتسبون لهذه الجهة منذ البداية .. و عدم تبني منهج النبي في إنكار المنكر مثلا و تبني نهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( فقط ) في الدعوة .. بينما نرى أن الإسلام في مهده الأول ارتكز على نهج أبي بكر وعمر ولم يُستغنى عن أحدهما .. فلمَ استغنت الهيئة عن نهج أبي بكر و انحسرت في دعوتها على منهج عمر رضي الله عليه !! ألا تروا معي أنها الطبيعة القاسية الأعرابية هي التي جعلتنا نتبنى أي منهج أو أسلوب تغلفه الشدة و تحيط به هالة القوة و الحزم أكثر من تبنينا لأي أمر آخر !!

هنا أقول أن كل أمر يبدأ بطريقة خاطئة ينتهي و ينطفيء بريقه .. خصوصا في ما يخص الدعوة و الدين و كذا السياسة والتي يدورالعالم برمته في فلكها .. لنبدأ الأمور بطريقة منطقية صحيحة حكيمة بصيرة حتى نوفق بها وتجني جهودنا سواء الدعوية - أو حتى الأمور الحياتية الأخرى - ثمارها المرجوة .. وهنالك حقيقة معايير ثابتة لابد من تبنيها منذ البداية تختص بكل جانب من جوانب هذه الحياة وتحدد مدى نجاح أي مشروع أو فشله .. و المعايير هذه لا تؤخذ إلا من العلم الصحيح و القواعد والنظريات الغير قابلة للدحض أو الرفض .. و أخير أقول إن لكل مجال دعوي أو مشروع نهضوي أسلوبه الخاص و بدايته الخاصة ولابد لنا كمهتمين بقضية الإصلاح أن نبحث دائما عن أفضل البدايات و أنسب الأساليب لتحقيق الهدف الذي من أجله وجدنا على سطح هذا الكوكب ..

و دمتم بأمان الله وحفظه ..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات