في الآونة الأخيرة ، كثر الحديث عن الفساد وبرزت العديد من حالات الفساد الكبرى التي قابلتها العديد من المقاربات التي تم تبنيها وطرحها من قبل أولئك الذين يطالبون بمكافحة ومحاربة الفساد، ويمكن تقسيم تلك المقاربات إلى نوعين : أحدهما موجه إلى أسباب الفساد ، بينما النوع الآخر موجه نحو نتائج الفساد ومخرجاته . إحدى المقاربات التي تنتمي إلى النوع الثاني تتمثل بالتعامل مع إحدى نتائج الفساد وهي ظاهرة بروز حيتان الفساد الذين قاموا باستغلال مناصبهم ومواقعهم ضمن منظومة العمل الرسمي وصنع القرار لجمع أرصدة مالية ضخمة بطرق غير مشروعة ،وفي هذا الإطار يمكن وضع المطالبة بإقرار قانون "من أين لك هذا؟".
المطالبون بإقرار قانون من أين لك هذا لا يريدون طبعا أن يقتصر تطبيق ذلك القانون في حال إقراره على حالات الفساد الصغرى والميكروسكوبية فقط وهو الحال الذي قد يكون مقبولا لدى صناع القرار ويتفق مع التقاليد السائدة في البلاد ، وطبقا إلى رؤية هؤلاء فإن من الأحرى تسمية ذلك القانون باسم آخر وهو " من أين لك كل هذا ؟".
لكن لا نرغب طبعا بإغضاب إخواننا الفاسدين الذين أسهموا إلى حد كبير في تشكيل صورة الأردن الحالية وأزماته الكبرى ، مما قد يدفعهم إلى نقل وتهريب أموالهم وأرصدتهم (أو بالأحرى أموال الوطن المنهوبة) إلى خارج البلاد ،وقد يكون من الأفضل تشجيعهم على استثمار تلك الأموال في البلاد حتى لا نطالب في وقت ما بإقرار قانون "من أين له ذلك؟ " حين يصبح هؤلاء اللصوص غائبين خارج البلاد وكذلك الحال بالنسبة إلى الأموال المنهوبة . يجب أن نحافظ على بقاء هؤلاء الفاسدين واللصوص بيننا حتى لا نواجه في المستقبل ظاهرة جديدة تتمثل بهروب المسئولين إلى خارج البلاد بعد مغادرة الموقع الرسمي مما سيخلق أيضا مشكلة أخرى تتمثل بكسر التقليد السائد والقائم على احتكار المناصب الرسمية ومواقع صنع القرار ضمن مجموعة صغيرة من الأشخاص يشكل هؤلاء اللصوص والفاسدين جزءا أساسيا منها مما قد يؤدي بالتالي إلى الاستجابة لأصحاب الأجندات المشبوهة الذين يطالبون بأن يتولى مواقع صنع القرار أشخاص يتصفون بالنزاهة ونظافة اليد دون احترام للتقاليد والأعراف السائدة في البلاد!!!
kalidhameed@hotmail.com
التعليقات (0)