لرؤية الموضوع كاملا, إضغط على العنوان أعلاه الموجود في الإطار الأزرق.
أول مرة دخلت فيها الى القسم كان عند معلمة إسمها حفيظة, في مدرسة إبن بطوطة, و بالضبط في مدينة العروي, كنت خائفا في ذلك اليوم, لأنني كنت أسمع بأن المعلمين يضربون التلاميذ, كما أنني كنت أكره المدرسة من تلقاء نفسي, و لأسباب بعضها غير معروفة
المهم هو أن القبول بالذهاب الى المدرسة كان بالضرب و لولا الضرب لما ذهبت للمدرسة, و هكذا مع بداية الدخول المدرسي قام أحد من أفراد العائلة بـجرّي الى المدرسة بتفويض من الأم, ولكن قبل ذلك قامت أمي بغسل وجهي و مشطت شعري الذي لم يمشط منذ سبع سنين, يعني منذ أن وُلدت, و ألبستني لباسا يبدو جديدا و لكن رائحة الجوطية كانت تنبعث منه, كما ألبستني حذاء جديدا إشترته خصيصا لكي أذهب به الى المدرسة حيث لم يلبسه احد من قبل لأنه كان في كيسه الأصلي, و كتب عليه : ماركة مسجلة, و لونه أسود, إذا لبسْتـَه لمدة يومين فقط ستشم منه روائح لمواد كيماوية مختلفة, لم تكن معروفة في ذلك الوقت عند علماء الكيمياء و لم تكن رموزها قد أدرجت في الجدول الدوري لعناصر المادة, و للتوضيح أكثر فإن هذا الحذاء صنع من طرف شركة غايّـو. و شركة غايو لا تصنع إلا أحذية غايـّو, و الأهم شيء هنا هو أن هذا الحذاء كان غااااالي الثمن ,و قد قـدِّر ثمنه في ذلك الوقت بـستة
دراهم,ههههههه
أما العطر فربما قد رشـّت علي أمي قليل منه و لم أنتبه لها, لقد شممت رائحته فـقط, و كما نعلم هو أن العطر عبارة عن مواد كيماوية و قليل من ماء الورد, و لهذا فربما كان عطرا و ربما كان الحذاء الجديد و لباس الجوطية هما من أطلقا تلك الرائحة...هههه
و هكذا جعلوا مظهري يحسد عليه من حيث الأناقة و النظافة, فمباشرة بعد هذا إنقض علي شخص من العائلة لأنه كان يعرف بأنني سأهرب و سأرفض الذهاب الى المدرسة, لأنني هربت لهم في المرة الأولى عندما أرادوا أن يسجلونني, وهكذا ذهب بي الى المدرسة و يده في يدي و ألأخرى فوق عنقي و كأنه ذاهب بي الى المشنقة
لما دخلنا الى المدرسة وجدنا التلاميذ قد دخلوا الى الأقسام و لا أحد منهم يدور في الساحة, يعني التأخر و الكسل بدأ منذ اليوم الأول ههههه, و لكن ذهبنا الى الإدارة, فوجدنا المدير هناك, فذهب بنا الى القسم الذي سُـجِّلت فيه وهو القسم ما قبل الأخير من جهة مدرسة يعقوب المنصور, و رموْني هناك في عُمقِه, حيث كان مملوءً بالأطفال عن آخره و تركوني هناك و فمي مفتوح و أنا أتقـفـقـف من شدة الخوف و كأنني في وسط الصحراء بدون بوصلة, و في نفس الوقت كنت أنظر يمينا و شمالا لعل و عسى أعرف أحدا من حي براقة الذي كنت أسكن فيه, فرأيت هناك حسن أخو لقراع و هو من أولاد الجيران, و لكن كان بعيدا عني حيث كان جالسا بالقرب من مكتب المعلمة و أعتقدت أنه من المجتهدين لأنني كنت أسمع بأن المجتهدين هم فقط من يجلسون بالقرب من المعلمة, و لكن بعد ذلك اتضح لي على أنه هو الكسول الكبير في القسم و ربما في المدرسة بأكملها
قبل أن قاموا بتسجيلي في المدرسة كنت أعتقد بأن المعلمين يتحدثون باللغة الأمازيغية,و سنتعلم كيف نقرأها و نكتب بها و سندرس بها المواد الأخرى كالنشاط العلمي و الرسم و الأعمال اليدوية
و لكن إعتقادي لم يكن صحيحا بل قالوا لي بعض التلاميذ من حي براقة الذين كانوا يدرسون في الثاني و الثالث بأن في المدرسة يتحدثون باللغة العربية فـقط
ولم يخيفني هذا لأنني كنت أعتقد بأن اللغة العربية هي التي يتحدثون بها جيراننا بني وكيل,و كنت أفهم ما يقولون و لكن لم أكن استطيع الرد إلا بالأمازيغية
و لكن في القسم و في اليوم الأول كانت المعلمة حفيظة تقرأ علينا بعض الكلمات التي كانت مكتوبة على الصبورة و تقول:
قلم أزرق, قلم الرصاص, قلم أحمر, غلاف, ممحاة, منجرة, مقلمة, منقلة, أقراص, خشيبات, بركار, مقص, ورق مقوى, معجونة"الأسنان", لخميرة, أنتون, هههههه
كل هذا لم أفهم منه أي شيء, و لكن وزعت علينا بعد ذلك بعض ألأوراق و قد كـُتِب فيها ما كان مكتوبا على الصبورة, و لم{ أقشع } ماذا كتبت في تلك الاوراق حتى عدت للمنزل و شرح لي جاري نجيم الذي كان يدرس في قسم الخامسة
و هكذا مرّ اليوم الأول و الثاني و الثالث حتى أحسست بأنني لست في مدينة العروي بل في مكة بين أشراف قريش و طغاتهم, لا أسمع في القسم إلا اللغة العربية تنفجر و كريم يلعب مع مريم و مريم تلعب مع كريم و هكذا طِوال العام الدراسي و كأن نار الحب و الهيام قد إشتعلت بينهما... هههه
و مرّ الأسبوع الأول و كأنه ألف سنة, و جاء الأسبوع الثاني و في يوم من أيامه دخلت شاحنة الى المدرسة في وقت الإستراحة مشحونة بصناديق كرتونية, حيث تم إيداع هذه الصناديق في الإدارة عند المدير, و فجأة بدأت أسمع عند بعض تلاميذ القسم الثاني و الثالث ... بأن الشاحنة فيها مواد غذائية للمطعم, مملوءة بالتمر و السمك المعلب الدانماركي, و الحليب و العدس , و الشوربة
بعض التلاميذ كانوا فرحين لدرجة لا تـُصور لأن الشاحنة كانت إشارة لهم على اقتراب موعد فتح المطعم, و في الأسبوع الثالث فــُتِح, و قبل فتحه بأيام كنت أسأل هل حتى أنا سيسمح لي بالدخول الى المطعم أم لا, حيث كنت أسمع بأن الدخول إليه يجوز فـقط لمن توفي أبوه أو كان جنديا أو لمن يسكن بعيدا عن المدرسة
إذن, لكي أبقى أتمتع بالبوقاذيو اللذيذ كل يوم الأربعاء و بالعدس الحديدي المقوي للعضلات و الحليب الغني بالكالسيوم المقوي للعظام و لذة التوابل و العطرية مع الشوربة التي كان شكلها عبارة عن قادوس واد الحار..., ما علي إلا أن أقول لهم بأن أبي قد توفي, رغم أنه لم يتوفى بعد,...ههههه
و لكن دخولي للمطعم كان بسبب بعدي عن المدرسة
و هكذا مرت الأيام و أصبح حتى المدير رحمه الله يأتي الى المطعم, في البداية كان يأتي ليراقب سلوك و نظام التلاميذ في الصف ,و بعدها بدأ يدخل للمطعم و يأكل ملعقة واحدة من العدس, و يقوم بإصدار بعض الأوامر كإضافة القليل من الملح و التوابل او الماء الى العدس او الشربة..., و بعدها تغيرت مهمة المدير من مراقب لسلوك التلاميذ و جودة الطبخ الى طاحن { مستهلك } لصحنين من العدس في كل يوم الخميس.ههههههه
و الله غالب
IBRAHIM.B
أهـم شيء في ذلك الزمان الحلو اللذيذ الذي ليته يعود يوما ... هو أن زوجـتي أكلوح سهيلة كانت تتواجد معي في القسم و نحن لم نكن نعلم أننا سنكون أحباء لبعضنا... 1991
التعليقات (0)