بفضل الثورة السورية أصبح المرء يجد صعوبة في الإجابة عن السؤال عن أسماء رؤساء الوزراء في سوريا أو على الأقل تذكر ترتيبهم الزمني، فقد تغير ثلاثة منهم منذ بدء الثورة و إستقر الرابع على كف عفريت، كما أصبح من المستحيل تذكر أسماء جميع الوزراء خلال فترة السبعة عشرة شهراً الماضية بعد أن كنا نحفظ أسماءهم و أسماء وكلاءهم و نوابهم و حجابهم و كلابهم مثل حفظنا لدرس: (بابا ماما باسم رباب)، فقد كانوا يرافقوننا منذ الصف الأول حتى يغادر أحدنا ـ نحن أو هم ـ هذه الدنيا الفانية.
سيأتي يومٌ على سوريا بعد أن تنتصر ثورتها، سيعجز الناس فيه عن تذكر أسماء الرؤساء أو ترتيب وصولهم إلى سدة الحكم بسبب تغيرهم كل بضعة أعوام، و لن يعرف الناس يومها أخوة الرئيس و أخواته، أخواله و أعمامه، خالاته و عماته، أبنائهم و أبنائه و كل من له صلة ما بهم أو به، لأن كلٍ منهم سيكون مشغولاً كغيره من المواطنين بلقمة عيشه، أو (منضباً) في بيته.
و قد بدأت خطوة الألف ميل هذه بحرق صور (المعلم) و عائلته، و تحطيم تماثيلهم، و إزالة أسمائهم عن المنشآت العامة و الخاصة، و الشطب على أقوالهم (المأثورة) التي يعرف حتى الطفل الصغير أن عقولهم الصغيرة لا يمكن أن يصدر عنها جملة مفيدة، و أن هناك من كتبها لهم.
الغريب هنا أن الثورة السورية لم يكن لها تأثيراً مماثلاً على قيادة الحركة الكُردية في سوريا، فهي لم تغير شيئاً في تلك القيادات المزمنة، و بالتالي لم تغيّب أياً من وجوهها المعروفة، على العكس من ذلك، فقد فتحت الثورة آفاقاً جديدة أمام تلك الشخصيات القيادية لدعم (منصبها) المهلهل بمهمات جديدة، و لتعزيز مكانتها التي كانت في مهب الريح بدعائم وظيفية قوية، بحيث بات صعباً علينا، و نحن إذ نذكر أسم المسؤول الكُردي الذي هو أصلاً أشهر من نار على علم، أن نتذكر بالسهولة ذاتها المهام التاريخية الكثيرة المُلقاة على عاتقه، أو نستطيع إحصاء المناصب الحساسة التي يتسنمها حضرته خدمةً للقضية و الشعب.
و هنا لا ينبغي لنا أن ننكر العدد الهائل من المنضمين إلى ركب القيادة بسبب ضرورات المرحلة، التي تطلبت إختراع تشكيلات جديدة من أحزاب و هيئات و مجالس و تحالفات و جمعيات و نوادي لبت على غناها و ثراها و تنوعها طموح كل من كان يجد في نفسه مؤهلات قيادية لم يكن قد إكتشفها من قبل، و لم يعرها الشعب إنتباهاً، بحيث أصبحت مقولة (الشعب القائد) واقعاً، و أصبح (الشعب يحكم نفسه بنفسه) فعلاً.
و هكذا يتبين لنا أن الشعب السوري بدأ يجني نتائج ثورته، في حين أن القيادات الكُردية هي من تستمع الآن بـ (خيرات) تلك الثورة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ألم تصل الثورة بشكلها السوري إلى المناطق الكُردية في سوريا، أم إنها وصلت و لكن بطريقة مقلوبة، بحيث أن من أهم نتائجها ليس تغيير القيادات، بل تعزيزها، و تغيير الشعب، و ذلك بإنتقاله كله إلى ضفة القيادة؟
التعليقات (0)