مواضيع اليوم

من أحسن حظا من هؤلاء البعثيين!!

حسن الحارثي

2009-03-20 20:44:35

0

 

كنا صابرين، نمني أنفسنا بالفرج القريب، ونحلم بأناليوم الذي يجد فيه الوطن نفسه قد استراح، آت، عاجلا أم آجلا، وسيصبح في إمكانه أنيبحث عن أبنائه المتناثرين في أرجاء الدنيا الواسعة، فينصفهم ولا يتاجر بعودتهم،إعلاميا وسيا

سيا، ثم يرميهم في سلال النفايات.

 وكما أن العودة حق لجميع العراقيين المُغربين،منذ أيام القائد الضرورة إلى أيام الكلاشنكوف الطائفي والعنصري السوداء التي تسببتفي تهجير مئات الألوف من الرجال والنساء والشيوخ وأصحاب الخبرات العلمية والكفاءات،بحثا عن الأمن ولقمة العيش. فمن حق البعثيين الذين لم يرتكبوا المعاصي والكبائر بحقالوطن والمواطن أن يعودا، وأن يجدوا حضنا دافئا يقيهم ذل الغربة وشقاءها الكبير.

ومبارك من يسعى إلى تحقيق هذه الصفحة المشرقةالجديدة من تاريخ الوطن.  فليس من اللائق أن يحكم الذين عارضوا صدامحسين، بعد أن ورثوا السلطة من بعده، بنفس عقليته المتخلفة التي أوهمته بإمكانيةاحتكار الوطن، وعزل شرائح أخرى هامة وأساسية من أبنائه، فيعمدوا، مثله، إلى اجتثاثهذا وتتويج ذاك.

لكن دعوة السيد رئيس الوزراء للبعثيين إلىعودة أنصار النظام السابق بحاجة إلى توضيح. فلا يكفي أن نحصر المشمولين منهم بتلكالدعوة بمن (لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين). بل ينبغي أن نضيف، (ولم تتلطخضمائرهم وجيوبهم باستغلال النفوذ وانتزاع الامتيازات والمكاسب دون حق ودون مبررقانوني أو أخلاقي، بالسرقة أو الاختلاس أحيانا، ومقابل خدمات غير شريفة قدموهالنظام القهر السابق، أحيانا أخرى، من قبيل التجسس المخابراتي على المواطنين فيالداخل، وفي الخارج على المغتربين الهاربين من الظلم أو من البطالة أوالحصار.

لكن عددهم، بعد هذه الإضافة، سيصبح أقل من أصابعاليدين، ولا أظن السيد رئيس الوزراء يشغل باله بهذ النفر القليل. ولا أظنه، أيضا، يعني العقائديين الشرفاء، منبعثيي الرعيل الأول الذين انخرطوا في صفوف الحزب إيمانا بمباديء قومية عربية سامية،عاقلة وعادلة. فهؤلاء خرجوا من حزب البعث مبكرا، مع أولى موجات الطوفان القبليالطائفي المتخلف الذي احتل الحزب، قبل احتلال الدولة، وجعله جهازا مخابراتيا ملحقابقصر النهاية، وبمخابرات سعدون شاكر وبرزان. وهذا الصنف النادر من البعثيين هاجرمعنا أو قبلنا، وضاع في أصقاع الدنيا الواسعة، متحملا مرارة الغربة وعذابها، أولحقه ما لحق آلاف أشقائهم الذين لم يجدوا الفرصة للرحيل عن الوطن من تقتيل وتعذيبوانتقام. وقد تبين أن السيد رئيس الوزراء لم يفكر بضم هذا النوع من البعثيين إلىقائمة المشمولين بالعودة والرعاية.

والذين يعنيهم السيد المالكي هم أؤلئك الذينانخرطوا في صفوف القاعدة أو غيرها من جيوش المفخخات، وأمدوها بخبراتهم التآمريةالتخريبية الخبيثة، أو بأموالهم الحرام المسروقة من خزانة الدولة، أو الوافدة منوراء الحدود. وهؤلاء لا يحتاجون إلى دعوة ليعودوا، لأنهم عادوا، بل لم يغادروا. وبعضهم موجود حاليا في مواقع قيادية، متسترا بأحزاب أو تجمعات جديدة لها نصيبها منكعكعة المحاصصة.

ومع كل ذلك، لا أحد من العراقيين يعترض على فكرةالعفو والمغفرة، ولا على عودة هذا النفر الضال إلى جادة الصواب، ونبذ أساليب الفتنةوالتدمير والتخريب، ومنح الوطن فرصة لازمة لإعادة ترميم الذات، وتعويض ما فات. لكنلابد من وقفة صغيرة عند هذا المنعطف.

إن هؤلاء، إن عادوا، فلن يعودوا كما أراد لهمالسيد المالكي، مسالمين، يرتضون العيش على هامش الكعكة السياسية التي اقتسمتهاأحزاب السلطة المتحاصصة الستة، ويكتفون بتأسيس حزب سياسي على أساس الحوار واحترامالرأي الآخر، ومحاولة تعويض أقطابه عن أمجاد الأمس بالتبشير السياسي والعقائدي فقط،وبأن يوضع حزبهم العائد على قائمة المتسولين الواقفين على أبواب السيد رئيس الوزراءانتظارا  لمعونة الشتاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فهم قد ولدوا وعاشوا علىالسلطة المطلقة، وعلى عنجهية الحزب القائد التي يحاول اليوم حزب الدعوة، حزب السيدرئيس الوزراء، تقليده فيها، والسير على خطاه في بنائها وترسيخها. وهؤلاء، لو قبلوابالعودة على طريقة السيد المالكي، وغيروا جلودهم للضرورة، فلن يستطيعوا تغييردمائهم. فهم تربوا على سياسة الدس والتآمر، وعلى أسلحة الإشاعات المغرضة المخيفة،وعلى اختلاق الكوارث وابتكار المصائب لترويع الناس وإرهابهم وإشغالهم بأبو طبروالحنطة المسمومة وعدنان القيسي، وغير ذلك من مبتكرات أروقة قصر النهاية وعباقرةالرعب المبرزين، أمثال محمد فاضل وناظم كزار وسعدون شاكر وبرزانالتكريتي.

وحتى لو قبلوا بالعودة فعلا، وهو حلم صعب المنال،وقد عبر رفاق عزت الدوري عن ذلك مؤخرا بوضوح، فلن يعترض أحد منا عليها ، وستكون بدايةعظيمة لزمن السلام المدني المنتظر.

ولكن، لكي تصبح مقبولة من جميع العراقيين دعوةالمالكي إلى العفو عن هذا النفر الضال، فعليه وعلى شركائه في السلطة أولا وقبل كلشيء آخر أن ينزعوا من قلوبهم ومن عقولهم غرور السلطة الأعمى فهو الذي أورد صدامحسين المهالك.

وليس ممكنا في العراق، بعد كل الذي جرى، عودة إلىحكم الحزب القائد، أو القبول بوحدانية الزعيم، ليصبح كل شيء  ملكا لقائد الحزبوأهله وعشيرته ومدينته ومرافقيه، ثم نعود إلى أساليب الهيمنة والتسلط والاستهتاربرغبة الجماهير، مهما كانت الذرائع والمبررات.

وقد حدث في كربلاء ما كان يحدث أيام القائدالضرورة. فقد أسقطوا المستقل الفائز بأغلب الأصوات، وعينوا مكانه تابعا لحزبالرئيس، هذا مع التسليم بأن المعيّن من قبل حزب الدعوة أكثر كفاءة ونزاهة من السيدالحبوبي. وها هم ضحايا الحرب العراقية - الايرانية وحرب الخليج الثانية والسجناءالسياسيون مصنفون إلى درجة أولى ودرجة ثانية... وثالثة ورابعة..) وأن الانتماءالحزبي هو المعيار الاول في اعتبار السجين سياسياً أو لا ( وأن من انتمى بعد عام 2003 الى حزب مشارك في السلطة يعتبر سجيناً سياسياً، حتى لو كان محكوماً بجنايةمخلة بالشرف؛) وأن معظم السجناء السياسيين السابقين لم يحصلوا على الامتيازاتوالرواتب التي تمنح لأعضاء أحزاب السلطة.؟(

وقبل عودة البعثيين المشمولين بعطف السيد المالكيورعايته عليه وعلى رفاقه في السلطة أن يثبتوا لنا جميعا أنهم عادلون، وأنهم مصممونعلى عدم السماح بالمساس بعدالتهم. ثم بعد ذلك يصبح لازما أن يمدوا يد الحق والإنصافللألوف بل الملايين من الذين يتجرعون مرارة الغربة، فهم الأحق بالدعوة إلى العودة،وهم، وليس البعثيون، الأكثر صدقا وإخلاصا ووطنية، وهم القاعدة الأكثر صلابة وقوةلحماية الوطن وصيانته وضمان أمنه وازدهاره، دون ريب.

والبعثيون الذين يدعو السيد المالكي إلى تكريمهمبالأحضان الدافئة هم الذين طردونا من الوطن ثلاثين عاما، فعشنا في بلاد الآخرينمحرومين من نعمة المشي بقامة ممدودة، وقلوب قوية، كما نفعل لو كنا بين أهلناوذوينا. وحين يظلمنا أحد من أبناء الوطن البديل نسكت على ظلمه، وقد نشكره عليه،خوفا من تسفير، أو حذرا من إهانة. نجامل من يستحق ومن لا يستحق، ليجدد لنا رخصةإقامة، أو إذن خروج وعودة. وطيلة ثلاثين سنة خارج الوطن لم يدخل أحدنا أو يخرج منمطار أو نقطة حدود إلا ويده على قلبه، خوفا من قلة أدب شرطي جوازات، أو موظف جمارك،أو ضابط مخابرات، رغم أن أوراقه الثبوتية سليمة خالصة. وفي الغربة، أية غربة، حتىلو حصلت على جنسية البلد الذي يؤويك، تبقى مواطنا من درجة ثانية، وربما ثالثة،مشكوكا في ولائك، ومحروما من شعورك بطمأنينة المواطن الأصيل.

والبعثيون الذين يدعو السيد المالكي إلى تكريمهمبالأحضان الدافئة ظلوا مرفهين ثلاثين عاما، يرفلون بمكارم القائد الضرورة، وعطاياه. لهم وحدهم إلايفادات والبعثات والسفارات والمناصب المهمة والسيارات الفارهة التيتأتيهم هدية من القائد كل عام، والمنازل والأراضي التي أقاموا عليها القصوروالمزارع، وغيرها من امتيازات عديدة أخرى تمنحها لهم عضوية الحزب ومؤسساته العديدة.

وحين اندثر نظام قائدهم الشرير حملوا السلاح بوجهالوطن وأهله، وقتلوا وأحرقوا ويتموا وشردوا. حتى حين كان يضطر أحدهم للهرب إلى إحدىدول الجوار، كان ما إن يضع قدميه خارج حدود الوطن حتى يجد في انتظاره حكوماتتحتضنه، لأغراضها الخاصة اللئيمة، فترعاه وتمنحه، دون معاناة ولا انتظار، إقاماتمجانية دائمة، ورواتب مجزية، ومنازل مريحة، وتعليما مجانيا لأبنائه، وتأمينا صحياله ولأسره كلها، وربما صفقات مجزية لتهريب السلاح والمجندين؟

وحين من الله على وطننا بالخلاص، وحلمت جموعناالمهجرة والمهاجرة بأن تعود وتذوق طعم الوطن وهوائه ومائه، طردنا من الوطن، مرةثانية، بعد أن نسي عذابنا وعذاب أبنائنا رفاقنا المعارضون السابقون، حكامناالحاليون الرؤساء ونواب الرؤساء والوزراء والسفراء والمدراء العامون المتفرغون فقطلكسب المزيد من الرواتب والمخصصات والتعويضات والصفقات والعمولات ورعاية شركاتالأقارب والمحاسيب، والبحث عن مبتكرات جديدة من سيارت الحماية المصفحة، ومن وسائلاللهو والتسلية، ورحلات الراحة والاستجمام الرسمية مدفوعة الأجر من المال العام. ( وحرمت أولادنا من العودة ) بالأمس وهم معرضون، وعدونا بالمدينة الفاضلة،وأقسموا على تعويضنا عن ظلم حاكم طائفي كان مهووسا بتقديم الولاء على الكفاءةوالنزاهة والمساواة، فإذا بهم، وهم حكام،  أكثر منه طائفية، وأشد هوسا بتقديمالولاء على الكفاءة والنزاهة والمساواة.

فمن أحسن حظا من هؤلاء البعثيين!! مكرمون في أيامبطل المقابر الجماعية، ومكرمون في حكم أبناء ضحاياها. أما نحن فتعساء. مطرودون منالوطن، ثلاثين عاما في عهد الراحل الديكتاتور، وخمس سنوات، وقد تزيد وتصبح ثلاثينأخرى، في عهد ورثته من الديمقراطيين الجدد. فلمن نشكو ومتى وأين؟؟؟

إبراهيم الزبيدي

18 آذار 2009

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !