لم يکن هناك طرف او جهة إقليمية او دولية، تمکنت من إستغلال و توظيف الاوضاع المتداعية و المستجدة عن حرب تحرير الکويت، کما هو الحال مع النظام الايراني، والحق أن الاستفادة القصوى لهذا النظام من سياق الاوضاع في العراق، قد کانت بصورة يمکن أن نعتبرها في أغلب الاحيان ليست متساوية وانما حتى تتجاوز على ماحصل عليه الامريکان من جراء ذلك، وهذه نقطة مهمة جدا يجب أن تأخذ دوما بنظر الاعتبار، وقد کان للنجاح الکبير الذي حققه النظام الايراني فيما يتعلق بترسيخ دعائم و رکائز نفوذ(سياسي ـ أمني ـ فکري)، له داخل العراق، أسباب و عوامل عديدة أهمها:
ـ تمکن النظام الايراني و بعد ان قدم خدمات(أمنية ـ لوجستية)، متعددة الجوانب للأمريکان في أفغانستان، أن يعيد نفس الدور في العراق عام 2003، ولکن بصورة تمکن من خلالها من الاستفادة من أخطائه السابقة بحيث إحتفظ لنفسه بدور و موقع محوري و حيوي بالغ الاهمية تمکنه من فرض آرائه و وجهات نظره و مواقفه فيما يتعلق بالاوضاع في العراق.
ـ کان للنظام الايراني شبکة علاقات واسعة جدا مع مختلف أطراف المعارضة العراقية، وخصوصا مع الشيعة و الکورد، وفي الوقت الذي کان قد تمکن من صنع نموذج "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق"، والذي کان في بداية أمره برئاسة(محمود هاشمي شهروردي) الايراني، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للسلطة القضائية في إيران، فإنه تمکن أيضا من النفوذ و التغلغل داخل مختلف الاحزاب الشيعية و نصب فيها عناصر تابعة له و تقتدي بأوامر(جهات سياسية ـ أمنية)، ونجح أيضا في زرع عناصر له في داخل الاحزاب الکوردية بشکل او بآخر تکفل له الإطلاع على مجريات الامور و إستباق القرارات.
ـ في لعبة الموازنات و التناحرات السياسية و العسکرية التي کانت تجري بين مختلف الأطراف السياسية العراقية، کان النظام الايراني يلعب دورا بالغ الخبث خلال ذلك و يوسع من رقعة و مساحة تواجده و نفوذه داخل تلك الاطراف و کل بحسب طريقة و اسلوب خاص محدد به، بل وان الدور الخبيث و المشبوه الذي لعبه رجال الدين الحاکمين في إيران بين الطرفين الکورديين الرئيسيين في إقليم کوردستان العراق أثناء فترة الصراع المرير بينهما في اواسط التسعينيات من الالفية المنصرمة، قد أتت ثمارها بعد ذلك و خصوصا من حيث التأثير الکبير على حزب کوردي و إجباره حتى على تقديم تنازلات(مبدأية) وصلت الى حد سماحه لقوات من الحرس الثورية کي تجتاز الحدود و تذهب الى منطقة(کويسنجق)، لتضرب مقرات الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني، وهو أمر شاع بين الشارع الکوردي حينها و إستهجنته مختلف الشرائح الکوردية.
ـ إستغل النظام الايراني بقوة تغلغله و نفوذه الامني داخل العراق خصوصا بعد أن أقيمت منطقة(حظر الطيران)، في الاقليم الکوردي، وقام ومن خلال قواعد متقدمة له داخل المدن الکوردية تحت مسميات و يافطات وهمية او مستعارة و کاذبة، من تشکيل مئات شبکات الارهاب و التجسس، والتي برزت أهميتها و دورها الکبير في التأثير على مسار و سياق الاحداث بعد 9 آذار 2003، حيث صارت مقرات تلك القواعد المتقدمة في قلب بغداد نفسها و تمکنت من خلال ذلك من ممارسة أکبر عملية تمويه و خداع ضد القوات الامريکية، ولم تتمکن القوات الامريکية من السيطرة على الاوضاع الامنية في العراق، إلا بعد ان سمح النظام الايراني بذلك من خلال حکومة عراقية تابعة له، کما کان الحال مع حکومة نوري المالکي.
ـ تمکن النظام الايراني و بنجاح کبير و فائق من إستغلال عامل"الاضطهاد الطائفي"الذي تعرضت لها الطائفة الشيعية العراقية خلال فترات من التأريخ العراقي المعاصر و وظفته بإتجاه يخدم مصالحها و نفوذها في العراق، ولاريب من أنه قد نجح الى حد کبير بادئ الامر"لأسباب عديدة" في إقناع شرائح کبيرة من الشيعة العراقيين بقيادته و زعامته"المشبوهة"للشيعة، وقد تمکن من خلال ذلك من إيهام و تخويف العالم بقوة نفوذه و دوره داخل اوساط الشيعة العراقيين.
هذا النجاح الکبير الذي حالف ملالي طهران فيما يتعلق بترسيخ نفوذ قوي و استثنائي لهم في العراق، قد قابله فشل ذريع فيما يتعلق بمساعيهم و جهودهم المتباينة من أجل القضاء على معسکر أشرف و تصفيته بالکامل، رغم ان الملالي وعند تدخلهم الواسع النطاق في العراق أثناء و بعد حرب تحرير الکويت، منحوا الاولوية القصوى للقضاء على المقاومة الايرانية التي کانت تتمثل في معسکر أشرف، وکما مر بنا، فإن ملالي طهران قد تصوروا بأن مسألة القضاء على منظمة مجاهدي خلق بعد سقوط النظام العراقي السابق، سهلة و ممکنة خصوصا بعد الاکاذيب و الإشاعات المختلفة التي بثوها هنا و هناك ضدها و التي يبدو أنهم في نهاية الامر و لکثرة ترديدها و التأکيد عليها، قد إلتبس الامر عليهم فصدقوها و بنوا عليها، لکنهم و بعد ان تواجهت قواتهم المتسللة کاللصوص و المجرمين الى داخل الاراضي العراقية، مع جيش التحرير الوطني الايراني و تکبدت خسائر فادحة في الارواح و المعدات، بل ولم يقف الامر عند ذلك الحد وانما تجاوزه الى فضح عملية تدخلهم الکبيرة جدا في العراق من جانب المقاومة الايرانية و التي استندت على الارقام و الادلة الدامغة، وأمام ذلك، لم يجد الملالي مناصا من الاقرار بفشلهم الذريع فيما يتعلق بمسعاهم المباشر من أجل القضاء على المقاومة الايرانية و السيطرة على معسکر أشرف، و وجدوا من الافضل لهم أن يستمروا على الملف الآخر أي"ترسيخ نفوذهم داخل العراق"، ومن خلال ذلك يعملوا فيما بعد من أجل إنجاز الملف الاول(أي ملف القضاء على المقاومة الايرانية و إغلاق معسکر أشرف) بطريقة غير مباشرة أي بواسطة غيرهم، وهو أمر جعله الملالي من ضمن الاهداف الاستراتيجية المؤجلة الى حين، لکن الذي دفع النظام الايراني الى الترکيز غير المحدود على قضية إغلاق معسکر أشرف و ممارسته مختلف الضغوط على حکومة نوري المالکي"الهزيلة أساسا أمامه"، لم يکن من أجل الاهداف السابقة لهذا النظام بخصوص معسکر أشرف فقط، وانما بدأ يلوح ثمة أمر آخر في الآفاق، أمر أقلق نظام ولاية الفقيه و أقض من مضجع رجال الدين أنفسهم، وهو بدأ نسائم الربيع العربي التي بدا واضحا ومنذ اللحظات الاولى لهبوبها في تونس و من بعدها مصر، عدم تأثرها بالافکار و المنطلقات"الانعزالية الغوغائية"لنظام ولاية الفقيه، ومن هنا، فقد أدرکوا بأن احتمالات الخطر القادم عبر الربيع العربي ضدهم أکبر من کبيرة، ومن هنا عادت أشرف الى الواجهة مرة أخرى و للحديث صلة.
التعليقات (0)