لايمکن فهم الحاضر و أدراك مختلف الامور المتعلقة من دون العودة و الاطلاع على الماضي و الدراية بجزئياته و تفاصيله، واننا عندما نتناول قضية الصراع الدائر بين المقاومة الايرانية و طليعتها منظمة مجاهدي خلق من جانب، و بين نظام ولاية الفقيه من جانب آخر، فإن فهم و إدراك عرى العلاقة الوثيقة بين مجريات الحاضر و شؤونه و إرتباطها و علاقتها الجدلية القوية بالماضي، مسألة أساسية لتفسير و إستيعاب جوهر الصراع بين الطرفين النقيضين، وان قضية أشرف و ماتتداعى عنها من مشاکل بالنسبة للنظام الايراني، هو جزء أساسي من هذه الحقيقة و فيها الکثير من الامور و الحقائق المهمة جدا و التي سنذکرها بالتفصيل لأهميتها و خطورتها ولأنها قد تکون غير معروفة عند القارئ الکريم.
ان العودة الى التأريخ، مسألة ملحة و تطرح نفسها بقوة کلما تم طرح قضية مجاهدي خلق او معسکر أشرف على بساط البحث، إذ أن جذور القضية کلها تبدأ و تنطلق من هناك، وان تيار سياسي ـ فکري جماهيري معروف کمنظمة مجاهدي خلق و التي أثبتت فعالية دورها و حضورها القوي و المؤثر في مرحلتي الشاه و النظام الديني المتطرف، قد أکدت للشعب الايراني بصورة خاصة و للعالم أجمع بصورة عامة، انهم جزء أساسي و حيوي من القضية الايرانية و من دون منحهم المکانة و الاهمية الخاصة التي يتميزون بها، فإن الکلام عن حل أمثل و واقعي للقضية الايرانية مجرد هواء في شبك.
اننا عندما نتناول اليوم قضية الصراع بين النظام الايراني و منظمة مجاهدي خلق، فإننا نجد و من أجل فهم دقيق و کامل من مختلف الجوانب لتلك القضية، لابد من العودة الى الامس القريب و التوغل في التأريخ حتى نکون على بينة کاملة من القضية و لانطلق الرصاص في الظلام الدامس.
مع دخول القوات الامريکية الى العراق و بداية مرحلة جديدة من التأريخ العراقي المعاصر، وبعد التحولات المختلفة التي طرأت على مجريات السياسة الدولية و التغييرات التي شملت الکثير من المجالات، لم يکن قيادة منظمة مجاهدي خلق سوى دراسة تلك الاوضاع و استشراف نظرة مستقبلية للأحداث و السعي لإتخاذ موقف منطقي يتناغم مع المجريات و الاحداث الدائرة في العالم و يضمن مصالح المنظمة و يحافظ على أهدافها، ولأجل ذلك، ومن أجل قطع الطريق قبل کل ذلك على النظام الايراني المتطرف لکي لايتصيد في المياه العکرة و ينتهز الظروف من أجل مآربه الخاصة و المتقاطعة مع أهداف و مبادئ المنظمة، فقد بادرت المنظمة الى تسليم کافة الاسلحة المتواجدة لديها الى القوات الامريکية في العراق و صارت طبقا لذلك مشمولة بالحماية الدولية، هذه الخطوة، وان تم تفسيرها من قبل قصيري النظر على انها بمثابة تخلي او تراجع فاحش للمنظمة عن أهدافها و مبادئها التي قامت اساسا عليها، تناسوا هؤلاء أن المنظمة عندما بادرت الى الکفاح المسلح بوجه نظام الشاه و من بعده نظام الخميني، لم تسلك ذلك السبيل حبا و ولعا به بقد ماکان إضطرارا منها لذلك لأنه اسقط في يدها ولم يبق من أي خيار آخر أمامها سوى هذا الخيار الصعب، لکن، وفي نفس الوقت، لم يکن التمسك بالکفاح المسلح خيار مصيري او بمعنى آخر قدر غير قابل للتغيير، فهو قد کان تکتيکا سياسيا أملته ظروف و اوضاع معينة، وطالما أن تلك الظروف إنتفت او تغيرت او إتخذت شکلا و مضمونا مختلفا، فإنه من الضروري ومن حق المنظمة أن تراجع موقفها تبعا لذلك، إذ أن مجئ القوات الامريکية للعراق و مارافقه من تغيير سياسي في العراق و تأثير الحضور الامريکي على عموم المنطقة و تنامي الدور الايراني بشکل استثنائي في العراق، دعا کل ذلك بالمنظمة ان تغير من نمط نضالها و تتخذ صيغة او شکلا آخرا هي في الحقيقة امتداد واقعي و منطقي لنضالها الاستراتيجي من أجل إسقاط النظام الايراني و احلال البديل الديمقراطي في إيران.
التغيير الجديد الذي حدث بالنسبة لمنظمة مجاهدي خلق و بعد أن صاروا يتمتعون بالحماية الدولية، کان بمثابة عهد جديد أعدت له زعامة المنظمة إعدادا دقيقا و استعدت لکل الاحتمالات و التوقعات خصوصا وان العهد الجديد في العراق قد تميز بنفوذ طاغ و استثنائي لنظام ولاية الفقيه في العراق، وکان من المتوقع أن يبادر النظام الديني في طهران الى العمل الجدي من أجل إغلاق معسکر أشرف و ملاحقة سکانه بمختلف الطرق، ولاسيما وانهم(أي النظام الايراني)، قد صاروا قاب قوسين أو أدنى(بحسب تصورهم)، من تحقيقهم لهدفهم الاکبر و هو القضاء المبرم على منظمة مجاهدي خلق من خلال إغلاق معسکر أشرف.
السيناريو الذي قام النظام الايراني و أزلامه المنخرطين في الجماعات الشيعية العراقية المختلفة بشکل عام و في التيارات الرئيسية بشکل خاص، کان مبنيا على الادعاء بأن أعضاء المنظمة قد قاموا بالتدخل في الانتفاضة العراقيـة بوجه النظام السابق وانهم شارکوا قواته بقمع المتظاهرين في المناطق الکوردية و في جنوب العراق، وهو زعم مشبوه يراد به أکثر من باطل، إذ أن النظام الايراني المعروف جيدا بولعه في إنتهاز الفرص و غرس جذور نفوذه الکريهة في أي مکان کان، وبديهي أن مختلف الاوساط السياسية و على مختلف الاصعدة أدرکت بوضوح ضخامة الدور الايراني في العراق بعد الاحتلال الامريکي، وقد أثبتت الاحداث و الوقائع أن رجال الدين الحاکمين في إيران کانوا يترقبون مجريات الاحداث بعد حرب تحرير الکويت بلهفة عارمة، وکانوا يعدون العدة لذلك، ويکفي أن نشير الى أن(رفسنجاني أعطى أمرا بأن يرسل لمقر عمليات رمضان"المتاخمة للحدود العراقية" الحصة الغذائية لخمسة و عشرين ألف فردا و يتم تأمين ذلك لمدة شهرين. ارسال 700 الف من المواد الغذائية المعلبة و 25 ألف بطانية من طهران الى داخل أراضي العراق، کان جانب آخر من المشروع الضخم الذي کان يعد له الملالي الحاکمون) ، وکان هذا الامر يعني فيما يعني قرارا استراتيجيا له عدة أهداف تتجه کلها لترسيخ نفوذ الطغمة الدينية الحاکمة في العراق، لکن الهدف الاهم الذي کان يتقدم کل تلك الاهداف کان تصفية منظمة مجاهدي خلق و القضاء عليها، ويبدو أن رجال الدين کانوا في عجلة تامة من أمرهم و إعتقدوا بأنه و بعد إنهيار النظام العراقي السابق فإن منظمة مجاهدي خلق کذلك إنهارت ولم تعد ذات أهمية و تأثير و من أجل ذلك فإن(الملالي وفي بداية هجمتهم الواسعة، جلبوا معهم الى داخل العراق قافلة کبيرة من الحافلات الخالية من الرکاب لکي و بإعتقادهم يرکب المجاهدون و مقاتلي جيش الحرية فيها و يأخذونهم مقيدين الى سجن إيفين في طهران.) ، هکذا صورت لهم مخيلتهم و أفکارهم أعضاء منظمة مجاهدي خلق، وهم أشاعوا و يشيعوا على مختلف الاصعدة بتبعية منظمة مجاهدي خلق الايرانية للنظام العراقي السابق وللأسف البالغ هنالك لحد اليوم من يؤمن بهذه الفرية و الکذبة الشنيعة للملالي، غير ان القوات الايرانية عند دخولها للأراضي العراقية بمعية أعداد کبيرة من أعضاء فيلق بدر بوجه خاص، سعوا لإحکام الطوق على معسکر أشرف على أمل السيطرة عليه، وهي خطة مهمة سعى النظام من أجل تطبيقها الى الاتباع الحيطة و الحذر و السرية التامة لأنه کان يتخوف من إفتضاح أمره ولاسيما وانه قد قدم"خدمات"سخية للأمريکان من أجل تحقيق أهدافهم في المنطقة بشکل عام و العراق بشکل خاص لکن و يريد الاستفادة القصوى من الظروف و الاوضاع الجديدة و إنتهاز و إستغلال ثغراتها وقبل ذلك استغلال جهل و سذاجة الامريکيين و عدم معرفتم و إلمامهم التام بشؤون العراق و المنطقة، وقد کان القضاء على معسکر أشرف واحدة من الاهداف الاستراتيجية المهمة التي لن تتحقق بدونها تنفيذ خطته الخبيثة في العراق والتي سنأتي على ذکر جوانب منها لاحقا .
التعليقات (0)