عرفت قضيتنا الوطنية في الأيام الأخيرة مستجدا استفزازيا لا يمكننا المرور عليه أو السكوت عنه، خصوصا من طرف الطبقة السياسية الملتزمة بقضايا وطنها، والتي تعرف اليوم انتعاشا ملحوظا في تحركاتها، وإقبالا جماهيريا على خطاباتها الحماسية، بعد أن حركت الجهات المعادية لنا بعض الملفات الحساسة التي ناضل الشعب المغربي من أجلها لعقود طويلة،
ولامست بذلك المحظور، تلك هي قضية صحراءنا المحررة منذ 1975 م باعتراف العالم، والتي لم يأت تحريرها بسهولة كما يعتقد البعض، خصوصا من طرف الشباب الذي لم يعايش مرحلة التحرير، ذلك أن الشعب المغربي برمته قد دفع الثمن غاليا من مستقبله من أجل استعادة صحراءه المغتصبة.
فحسنا ما قامت به السيدة أميناتو حيدر بفعلتها هذه بعد أن كشفت للجميع سوء نواياها، وأظهرت حقيقة ما كانت تضمره للوطن من حقد دفين سرعان ما انكشف أمره بعد تنكرها لوطنها الذي منحها كل شيء، فآثرت بذلك التواطأ مع الحاقدين والخارجين عن الإجماع من الشيوخ المغرر بهم، وضد البلد الذي جاع شعبه من أجل إطعامها، وتعرى من أجل إكساءها، ويعلم الله كم من أمثال أميناتو لازل وطننا يحتضنهم، ويقدم لهم المال والزاد، ودفأ الحياة، وكل ما حرموا منه من نعيم بجانب محرضيهم ومشجعيهم ، بل أن هذه السيدة وضعت الجميع أمام حقيقة لا مفر منها ، وفتحت داخل مجتمعنا المغربي نقاشا موسعا عن مفهوم المواطنة الحقيقية وقيمها، وعن المتلاعبين بها والمتاجرين بقدسيتها.
وهل من المعقول أن يستأجر المغربي الحر كرامته ومبادئه بالمال والمصالح من أجل أن يحضا بترخيص مؤقت يتمتع من خلاله بالمواطنة والوطنية ؟ لقد كان المغرب وإلى اليوم متسامحا مع جميع أبناءه الذين ولدوا تحت سماءه وشربوا من ماءه واستنشقوا من هواءه وفي لحظة طيش تنكروا لجميله، واعتقدوا بغرورهم أنهم قادرون على تحدي إرادة الوطن القوية، ووحدة أبناءه البسطاء الذين ينتفضون كلما شعروا بأي خطر يتربص بوطنهم وأرضهم.
إن المواطنة الحقيقية لا تحتاج منا إلى اعتراف أو إعلان أو تقرب من أحد، وهي بالمناسبة إحساس فطري يدفعنا دون شعور إلى التشبث بالتراب وصونه، والإيمان بأن الأرض التي ولدنا فوقها هي أقدس أرض في هذا الكون لا يمكننا التنازل عنها أو التفريط فيها للغرباء ، لذلك فالصحراء المغربية هي جزء من أرضنا التي ضحى الآباء والأجداد بأرواحهم وأموالهم من أجلها، وهى أمانة في عنق كل المغاربة حتى يوم القيامة بأغنيائه وفقرائه، بمحروميه والمنتفعين من خيراته.
إننا اليوم مطالبون بالوقوف بقوة أمام هذه الهجمة الدولية المنظمة التي حركتها بعض الجهات اليائسة من كل الحلول والافتراضات التي ظلت تبني آمالها عليها، فالمغاربة الأحرار موحدون دوما وقت الشدة، فعندما ينادي الوطن، تذوب الأيديولوجية، والمواقف الفردية، ويتوحد الجميع أمام كل الأخطار المحدقة ببلدهم.
وبهذه المناسبة وفي غمرة انشغالنا بما قامت به السيدة أميناتو حيدر،وإضرابها عن الطعام، ومواقف الدول الداعمة لأطروحة الانفصاليين، ماذا عسانا نحن فاعلون، بعد أن قدمنا أفضل الحلول وأنجعها من أجل استثباب الأمن والاستقرار في مناطقنا الجنوبية، والتي لازال الانفصاليون ومن معهم يرفضونها، فلابد للمسؤولين اليوم أن يتوقفوا قليلا عند هذا الحدث العارض والذي سوف لن يكون الأخير، ويتفرغوا لمشاكل الوطن الداخلية، وكفهم عن التفكير في مستقبلهم السياسي، ويفكروا بجد في مستقبل هذا الشعب وكرامته أولا، فالخطابات الحماسية التي تحضر في مثل هذه المناسبات،
والزيارات الموسمية لأقاليمنا الصحراوية لا تعبر عن شيء في نظر المواطن، والاجتماعات الأمنية مع المسؤولين هناك لن تعطي حلولا حقيقية لقضيتنا، ذلك أن حلها الحقيقي يكمن في قوة جبهتنا الداخلية، والاهتمام الحقيقي بمعيشة هذا الشعب، ومحاربة مجموعة من الممارسات التي لازالت تحرجنا أمام دول العالم ، وتقدمنا للرأي العام الدولي والعربي كأننا دولة نأكل بعضنا البعض، فماذا أعددنا بالله عليكم لمحاربة الرشوة والمحسوبية؟ وهي سبب كل المصائب التي تنزل على رأس الشعب المغربي وتؤرق راحته، وما هو المجهود الذي بذلناه على أرض الواقع لإصلاح منظومة القضاء ؟ وهل ديمقراطيتنا المغربية بخير، فلا تزوير في الانتخابات، ولا تجارة في أصوات الناخبين، ولا سمسرة في انتخاب المستشارين.
وماذا نقول عن حقوق الإنسان، وعن حرية التعبير، وعن حرية الصحافة، قد يكون بمقدورنا أن نغض الطرف نحن كمواطنين عاديين عن كل هذه الأشياء، إما بسبب الخوف أو اللامبالاة، لكن هناك عيون غريبة تراقبنا، وتسجل تهورنا واستخفافنا بوطنيتنا، وتفضح واقعنا كلما سمحت لها الظروف بذلك، علما أن الذين وظفوا أميناتو حيدر لتنفيذ المؤامرة، لم يوظفوها لوحدها بل هناك الآلاف من أمثالها والذين لازالوا يجوبون المغرب بطوله وعرضه في السر والعلن، و المتسترين تحت عباءة الوطنية المدفوعة الثمن، والمرددين لشعارات لا يؤمنون بها، وهم الذين يستفيدون من خيرات وتسامح هذا الوطن.
فأمام الشعب المغربي اليوم فرصة التعبير عن رفضه الصريح لمخططات التآمر على وحدته الترابية، وأن تكون صيحاته امتدادا لصيحات أبطال المسيرة الخضراء، الذين دشنوا عهد الحرية والاستقلال لصحرائنا الحبيبة التي لن ولن نفرط في حبة رمل من رمالها ولو بقي في المغرب رجل واحد. هذه بعض من مشاعر مواطن مغربي عاش عن قرب لحظات المسيرة الخضراء، وتعايش مع كل الأحداث التي عرفتها قضيتنا الوطنية حتى اليوم ، ودافع عنها في السر وفي العلن بل ناضل من أجل نشر حقيقة مغربية الصحراء في بعض عواصم العالم منذ حداثة تحريرها عندما كان الجميع صامتا أمام إعلام العدو.
التعليقات (0)