بقلم : سامية أحمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما يصبح الإسلام كائنا يمشى على الأرض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة الثامنة
بعد شهرين.......................
كان آلان ينطلق بسيارته فى شوارع نيويورك من حانه الى أخرى .........وغرق حتى النخاع فى الخمر والمجون والمخدرات فى محاوله يائسه لنسيان المأساه التى مرت به
أما النوم ........... فهو عدوه الأول
فكلما أغمض عينيه ...يرى مصرعها من جديد
ولم يعد الى وطنه حتى لا يذكره أى شئ بها
أصبحت الحياه بالنسبة اليه جحيما بعد أن رأى أشد وجوهها قبحا
كان يقود السياره بجنون ويسير فى أشد شوارع نيويورك خطوره
وكأنما يقدم دعوه صريحه لملك الموت ليقبض روحه ويحيلها الى رماد كما استحالت سلمى.......لكن أمنيته لم تتحقق
وفى احدى الليالى.................
كان يسير بالسياره على غير هدى ومعه احدى فتيات الليل
فجأه لمح شيئا جعله يتوقف ويعود للخلف
توقف أمام مبنى كبيرونزل من السياره وحاول اقتحام المبنى وهو فى حالة سكر شديد.......حاولت الفتاه منعه ...لكنه دفعها بعنف فسقطت على الأرض
اقتحم الباب الخارجى وتجاوز الحديقه الصغيره حتى وصل الى الباب الداخلى
حاول الحارس الشاب منعه لكنه دفعه ودخل وهو يصرخ :
أنتم ..يامن تبيعون الوهم للبشر يامن ترسلونهم الى الجنه المزعومه .....لقد ماتت سلمى..... لقد ماتت سلمى.....
ظل يصرخ ...حتى جاء رجل كهل يلبس منامه وساعد الحارس على ادخاله الى مكتب كبير
كان يترنح بشده وهو يصرخ : سلمى ..حبيبتى ...هل وجدتى الجنه؟؟...وأخذ يقذف بأى شئ تصل اليه يداه
والحارس والرجل لا يستطيعان السيطرة عليه
حتى كادت يده أن تصل الى المصحف ..لكن يد الرجل أوقفته بقسوه وهو يقول : كفى
توقف آلان قليلا
نظر الرجل الى الحارس : حسن ..ساعدنى لننقله للحمام
أدخلاه الحمام وهو يهذى
ملء الرجل حوض الإستحمام بالماء...وغطس رأسه عدة مرات ...حتى بدأ يفيق ...ويهدأ
نظر الرجل الى الحارس : حسن .....أحضر ابريقا كبيرا من القهوه المركزه ولا تدع أحدا يدخل علينا
نظر اليه حسن بتردد من لا يريد الإنصراف
فقال له : اذهب أنت ...أستطيع تدبر أمرى
جلس آلان فى مكتب الشيخ أسامه مدير المركز الإسلامى بنيويورك
جلس شاردا وحول رقبته المنشفه....كان يتأمل الكتاب المقدس الموضوع على المكتب بعنايه ....لكنه لم يمد يده اليه
وتذكر يوم أن حاول أن يمسك كتاب سلمى المقدس بدافع الفضول .....لكن يدها كانت الأسبق اليه فأخذته ووضعته فى درج المكتب بعنايه
استفاق من ذكرياته على صوت الرجل وهو يقدم له كوب القهوه : تفضل سيد آلان
آلان : أتعرفنى ؟؟
الرجل ببساطه : بالطبع ...آلان ديزيه....بطل فرنسا للتنس خمسة أعوام على التوالى
ثم هز رأسه بأسف : ياللخساره ...سيحزن طارق كثيرا اذا رآك على هذه الحاله
آلان بتساؤل : طارق؟؟؟
الشيخ أسامه : ابنى الصغيرفى الثانية عشر ...يحب التنس كثيرا...يضع صورتك فى ألبوم مع لندل وأجاسى وسامبراس
آلان : هل يلعب التنس ؟؟
قال الشيخ أسامه وهو يتجه الى درج مكتبه ويخرج منه صوره : حصل على كأس مدرسته...وبعض الجوائز الأخرى
تناول آلان الصوره ونظر الى الصبى الجميل الذى يحمل كأس ويبتسم بسعاده وقال : عيناه تشبهان عينا سلمى
نظر اليه الشيخ بإشفاق وقال فى نفسه : انه يرى سلمى فى كل شئ حوله
أغمض آلان عينيه بحزن وهو يقول : فيهما نفس البراءه والطهاره
قال الشيخ : أخبرنى .لم أتيت الى هنا فى هذه الساعه من الليل
قال : لا أعرف بالضبط
بدا مشوش تماما وعينيه زائغه وحزينه
لقد...لقد أردت أن أجد اجابه
الشيخ : اسأل ما شئت
آلان : هل ......هل ..وجدت سلمى ..النعيم الأبدى؟؟
فوجئ الشيخ بالسؤال : ماذا ؟؟
آلان : الجنه ...جنة الخالدين ...هل وجدتها؟؟
فكر الشيخ قليلا ثم قال : لا أدرى
آلان : اذا كنت لا تدرى ...فمن يجيبنىاذا ؟؟
قال الشيخ : حقا لا أدرى...فأنا حتى لا أعرف من هى سلمى؟
استمع الشيخ الى قصة سلمى باهتمام...وعندما انتهى آلان
سأله بدهشه : هل كنت تبكى سلمى كل هذا الوقت ؟؟
تعالى معى ...أريد أن أريك شيئا...
اصطحبه الى القاعه الكبيره ...فتح الباب وأضاء النور وقال : انظر ...هذا معرض للصور الفوتوغرافيه
انه يحكى للبشر أحوال المسلمين فى كل بلاد الدنيا
تجول آلان فى أرجاء المعرض ..وأخذ يتأمل الصور بإمعان
كانت مقسمه الى مجموعات كتب تحتها عناوين وتحت العناوين كتبت أرقام القتلى بالمئات والآلاف
المسلمون فى فلسطين.....المسلمون فى الشيشان المسلمون فى إندونيسيا....فى الفلبين....فى البوسنه......فى العراق...
توقف قليلا أمام صور العراق وأخذ يفكر..
لأول مره يدرك حجم المأساه عن قرب
قبل الآن كان ينظر للأمر من بعيد
وفى نشرات الأخبار كان يسمع أخبارهم وكأنه يسمع خبرا عن احدى فصائل الحيوانات المهدده بالإنقراض
لم يكن عقله يدرك وقتها أن هؤلاء بشر مثله يتألمون .. ولديهم أطفال وزوجات وناس يحبونهم ويتعذبون لفقدهم
تذكر لحظتها المجاهد الذى قابله فى العراق ...أبو زينب
لم يدرى ماذا يقول...فالأمر أكبر من أى كلام
قال الشيخ أسامه بمراره شديده : أنت تبكى انسانه واحده
وأنا أبكى أمه بأثرها
أسبل آلان جفنيه فى ألم وهم بالخروج ..لكنه تذكر شيئا .. فالتفت الى الشيخ وقال : لم تجب على سؤالى ..
هل وجدت سلمى الجنه؟؟.......النعيم الأبدى ؟؟
قال الشيخ بعد تفكير : سأجيبك اذا ما جاوبتنى ...
هل تؤمن بوجود النعيم الأبدى ؟؟
صمت آلان قليلا .ثم قال بحيره شديده :
فى الماضى ...لم أكن أصدق ...بل كنت رافضا للفكره كلها
لكن ....الآن...!!!!! لم أعد متأكدا
الشيخ : حسنا ....سأجيبك ..
اذا لم تكن تؤمن بالنعيم الأبدى...ولا وجود للجنه فى عقلك
فإن سلمى ليست هناك....وهذا هو ما يسبب لك كل هذا الألم والعذاب
لقد عاشت حياتها تمنح الآخرين السعاده ولم تنعم بها
بالعكس ...لم تجن الا الشقاء
ثم ماتت موته مروعه وتحولت الى رماد ...وهذه هى النهايه
أغلق آلان عينيه بألم شديد..وظهر على وجهه التأثر
لكنه قال: ومن وجهه نظر سلمى؟أعنى من وجهه نظركم؟
الشيخ : من وجهه نظرنا أن كل هؤلاء البشر.آلاف.. ملايين. لم يموتوا هباءا وأنهم سوف ينالون مكافأتهم هناك فى النعيم الأبدى...فى الجنه ..كل على قدر اخلاصه وعمله
وصبره على ما أصابه من شقاء فى الدنيا
.......................................
مضى آلان وقتا طويلا هائما على وجهه يفكر فى كلمات الشيخ أسامه ويسترجع كل ما مر به
وترك حياة المجون والمخدرات التى لم تستطع اطفاء النيران المستعره فى قلبه
وبعد عدة أسابيع ...عاد الى الشيخ أسامه وطلب منه طلبا غريبا
آلان : هل تحتاج الى مدرب تنس محترف ........لطارق ؟؟
توطدت صداقه متينه بين آلان والصبى الجميل طارق الذى أحبه حبا كبيرا
أما آلان ...فقد كانت أكثر اللحظات التى يشعر فيها بالراحه
عندما يكون مع طارق الذى يذكره دوما بسلمى
يوما .....سأله طارق على استحياء : آلان.آ..لماذا.لا تصبح مسلما؟
آلان : هل تود أن أكون مسلما ؟؟
طارق بلهفه : نعم ...أتمنى ذلك بشده
آلان : لماذا ؟؟
خفض طارق عينيه وقال بتردد : لأننى أحبك كثيرا ...ولا أريدك أن.....أن....تدخل النار
ثم قال برجاء : أرجوك كن مسلما.........ليس من أجلى
........................بل من أجل سلمى
حتى يجمعك الله بها فى الجنه
نظر آلان بمنتهى الحب الى عينى طارق اللتان تحملان صدق وبراءة الدنيا
ولأول مره منذ زمن طويل ......يبتسم
التعليقات (0)