مواضيع اليوم

من أجل أن يكون اليمن سعيدا

جمعة الشاوش

2010-01-06 13:58:15

0

من أجل أن يكون اليمن سعيدا.

مهما أحسسْتَ بآلام غيرك وحملْت همّه،فإنّك لن تُدرك خفايا مأساته بالقدر الذي يُدركه وهو يتحامل على جراحه،ومن ثمّة تكون محاولتك للفهم "ترفا فكريا" إن لم تُشفع بعمل نافع يُواسي ويُخفّف من الفجيعة...ولعلّ تسارع وتيرة الأحداث الدامية التي تعيش اليمن على وقعها هي من قبيل ما لا يجوز معه التلهّي بهذا الترف الفكري،بكلّ زخم وسائله الإعلامية التي تُلوّن المشهد الدرامي بشهواتها وأغراضها التي غالبا ما تُعتّم الرّؤية...
وحتى حين يكون الهدف مجرّد الإشعار بالتعاطف مع الذي يتعذّب بالجمر الذي يقبض عليه،فإنّ الحكمة تقتضي ألا تُسيء إليه من حيث لا تقصد،وهي غاية ليست في المتناول غالبا،لأنّك تُسقط على حالته ما بداخلك من تفاعلات ليست بالضرورة صالحة لمن تروم التعاطف معه...ومع ذلك فإن لم نقدر على فعل ما ينفع فلن نقدر على الصمت...
حين نعيش الأحداث وهي تطبخ على سعير نار ملتهبة تشدّنا إليها شدّا عنيفا بدخانها وأجيجها ووهجها وضجيج غليان قدْرها رغما عن بعد المسافة التي تفصلنا عن مسرح عملياتها...وحين تتناهى إلينا روائحها الكريهة فإننا ندرك، دون عناء، أنّ هذه الأحداث تُطبخ على وقود من لحم ودم بشريّ لشعب يتطهّر من وصمة عار علقت بشموخ أمجاده وكبرياء تاريخه،وهي وصمة إثم انجرّ إليها بفعل أفيون ما يُسمّى "باليمن السعيد"،إذ السعادة إن تعاطيناها وهما وأفيونا لن تكون إلا احتجاجا على غيابها ...
هكذا يبدو المشهد اليمني اليوم مروّعا، وأحداثه التي يكتوي بلظاها ضحاياها ليس يشغلنا المتسبّب فيها بقدر انشغالنا بحجم الجرائم الشنيعة التي نتجت وتنتج عنها...أليس الأهمّ،في اللحظة الراهنة،أن نصرخ بصوت مدوّي لنقول:"أوقفوا هذه الهواية الوحشية في شواء اللحم الآدمي.ا.."،وهي صرخة تستوجب أن نخمد لهيب النار المتأججة لا أن نذكّيها بنيران مستوردة من حيث ندري أو لا ندري...
أجل لقائل أن يقول اللحظة لا تحتمل صراخا على صراخ ولا توسّلا وموعظة مهما كانت صادقة في ظلّ انتهاك سيادة دولة وكبرياء مهدورة واحتكام إلى شرع الأخذ بالثأر والتشفيّ...ثمّ إنّ العنف لا يردعه إلا العنف...
ومع الإقرار بوجاهة كذا رأي مدجّج بفعل منجز في مسرح الحدث،فإنه لا يجوز تجاهل أنّ الكارثة داخلية وزلزالها يهتزّ لهوله إقليم رخو،وقد سمعنا من قال أنّ "القتال في اليمن تهديد للاستقرار الإقليمي والعالمي"، وأنّ الدّم الذي يُسفك في اليمن،وما يزال مرشحا لتعويض شحّ المياه، هو،أساسا،دم يمنيّ،وأنّ عشرات آلاف المشرّدين والجياع والثكلى والمعذّبين هم من هذا الدّم الذي ما يزال ينبض فيهم ببقايا حشاشة من حياة لن تقدر على مغالبة الموت طويلا...
ثمّ من هو عدوّ اليمن؟..ورائحة احتراق الجثث تُفصح عن هويتها اليمنية أكانت للقوات النظامية الرسمية أو لتلك المتمرّدة في الشمال (حوثية،عرقية،شيعية،زيديّة.ا..)،أو للأخرى الانفصالية في الجنوب،أو هذه التي خرجت من بعبع القاعدة تطارد كما يُطارد الشبح...
لا داعي لاعتراض عن الموقف الدّولي والإقليمي الذي أرسل برسالته الواضحة في تحديد عدوّ اليمن أو أعدائه، ذلك أنّ المأساة اليمنية تفرض علينا الخجل من الخوض في جدل من هذا القبيل،فضلا عن الحذر من الانزلاق في مطبّاته والرّؤية،حاضرا، يلفّها دخان الأحداث الكثيف...ومع ذلك فإنّه ليس من المجازفة المجاهرة بأنّ عدوّ "اليمن السعيد" هو "اليمن التعيس"،ولئن استطاع اليمن تعاطي أفيون السعادة لزمن طويل فإنه استفاق دون أن يقدر على طرد الأوكار التي عششت فيها تعاسته...وليس أشقى من تعاسة الاحتياج في قحط يُحيط به الرّخاء...وعليه فليس غريبا أن تأتي لليمنيين قوارب نجاة مضللة من أشقاء لهم تسلّلوا،مثلا،من الصومال،هم أشدّ احتياجا واحتجاجا على عالم تقوده قوى تعرف كيف تزرع الدمار في غير بيئتها تماما كما تعرف زرع الزهور في بيئتها...لكنها لم تُدرك،رغم دروس التاريخ،أنّ "من يزرع الشوك يجن الجراح".

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !