مواضيع اليوم

من أجلِ نظامٍ تعليميًّ عربيًّ متوازنٍ طَموح!!

 نظام الثانوية العامة الذي قد يستبدل بنظام جديد اعتبارًا من العام الدراسي القادم، إذا أقرته الجهات المختصة، لم يكن بذلك السوء الذي يستدعي التحول عنه، والانقلاب عليه، لا لشيء إلا لأنه نظام قديم تجاوز سن الخمسين من العمر!! فليس كل قديم سيّئًا، وليس كل حديث جيدًا، وليس كل تمسك بالقديم رذيلةً، وليست كل دعوة للحداثة والتحديث فضيلة.. نظام الثانوية العامة القديم-على علاته- زود المجتمع على مدى أكثر من نصف قرن بخريجين عمل كثير منهم في الدوائر والوزارات، والتحق كثير منهم بالجامعات في أقطار شتى من أقطار هذا العالم، وكانوا في غالبيتهم الساحقة من الناجحين، وكانوا أيضًا من المتفوقين لسبب بسيط هو أن المتعلم في تلك الأيام كان يريد أن يتعلم، وأن المعلم كان يريد أن يعلم، وأن الناس كانوا يحترمون كلاًّ من المتعلم والمعلم، ويرَون فيهما الخطوة الأولى لمواجهة الأوضاع المعيشية الصعبة التي أعقبت نكبة العرب في فلسطين، ويرون فيهما أيضًا المقدمة الأولى لاسترداد الحق العربي السليب في ذلك الفردوس المفقود.. حصل هذا في أعقاب النكبة، وحتى أواخر سنوات الخمسين في إبان الوحدة الأردنية الفلسطينية بين الضفتين، وفي ذلك الزمن الذي كانت فيه مدة الدراسة أحد عشر عامًا يتقدم الطلبة بعدها للحصول على الثانوية العامة التي كانت تسمى(المترك) في تلك الأيام.. ثم أصبحت سنوات الدراسة اثنتي عشرة سنة، وأصبح تقسيم الدارسين في السنتين الأخيرتين إلى علمي وأدبي، وإلى صناعي وزراعي وتمريضي وتجاري بالإضافة إلى العلمي والأدبي، منذ بداية سنوات الستين من القرن الماضي، وحتى أيامنا هذه.

    لست مع القديم لأنه قديم، ولست مع الجديد المقترح الذي لم نطلع على تفصيلاته بعد، ولست ضد أحدهما، أو كليهما، وإنني مع ما يقرره ذوو الإختصاص، ويقره من يعنيهم الأمر بهذا الشأن.. ولكنني - يقينًا- مع النقد الهادف البناء لسير العملية التربوية، ومع النقد الهادف البناء الذي يتوخى سد الثغرات، والتخلص من الأخطاء والسلبيات في العملية التربوية أولاً قبل الخوض في نظام الثانوية العامة، وقبل الخوض في تفصيلات هذا النظام، لأنني أومن بالتحرك والبناء من أسفل إلى أعلى، لا من أعلى إلى أسفل، ولأنني أومن بالمنهاج المدرسي وسيلة لتحقيق الأهداف المرجوة من العملية التربوية التعليمية، وتحقيق الأهداف المرجوة من فلسفة التربية والتعليم التي لا بد منها، ولا غنًى عنها لبناء الأجيال بناءً تربويًّا علميًّا خلقيًّأ وطنيًّأ عربيًّأ سليمًا، ولأنني أومن أن فلسفة التعليم – إن وجدت- فإنها تحصّنه من كل عاديات الزمن، وتحميه من عبث كل عابث، وتصونه من تدخل الجهلة والفاسدين، وأنصاف المتعلمين الذين لا يرون في مدارس الصغار والكبار، وفي معاهدهم وجامعاتهم أيضًا أكثر من مزارع وحقول تجارب لأفكارهم وثقافتهم وممارساتهم التي يحاولون معها صنع الإنسان (الجديد) الذي يخدم طموحاتهم وأحلامهم في السيطرة على الناس، والتحكم بهم، وصولاً لصنع المجتمع (الجديد)، والحياة (الجديدة) التي تعتبر كل ديار العروبة والإسلام جزءًا من هذا العالم الجديد وجزءًا من هذا النظام العالمي الجديد الذي يعتبر بدوره كل هذه الديار مناطق تابعة له، خاضعة لسيطرته، منفذة لتعليماته وأوامره دون إبطاء ودون تلكؤ، أو تردد، أو نقاش.
    قد يبدو مثل هذا القول في موضوع تربوي تعليمي غريبًا بعيدًا عن الموضوع، وما هو كذلك،لأن غياب فلسفة التعليم في هذا الوطن العربي الكبير هو الذي أدى إلى كل ما أدى إليه من أخطاء، وأخطار، ومخاطر، وخطايا أبسطها وأقلها الفشل في صنع الشخصية العربية المنتمية الملتزمة، والفشل بالتالي في تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التربوية، ومن نظام التعليم مهما كان شكله ولونه وتاريخ ميلاده، والفشل أيضًا في مواجهة هذه الدنيا من حولنا، لأننا لا نملك الأداة، ولا نملك الوسيلة، ولا نملك الفكر، ولا نملك الاستعداد، ولا نملك القدرة، ولا نملك الإرادة، ولا نملك التعبئة المعنوية، ولا نملك الأداة المادية والسلاح الذي يمكننا من المواجهة ، ويمكننا من الانتصار، ويمكننا من الاستقلال، ويمكننا من العيش في أوطاننا بحرية وكرامة واحترام.
    إنه، ولكي يكون للتعليم فلسفته، ولكي تحقق العملية التربوية التعليمية أهدافها وغاياتها، ولكي يكون بالتالي لنظام الثانوية العامة قيمته ومعناه، فإنه لا بد من معالجة الصغائر واحدة واحدة، وصغيرة صغيرة، ولا بد من مراجعة سير العملية التربوية، ولا سيما في السنوات العشر الماضية مراجعة شاملة وافية شافية كاملة لاستخلاص النتائج والدروس، ولا بد من مراجعة المنهاج لغة وأسلوبًا ومحتوًى وأهدافًا وغايات.. ولا بد من التحقق من أن الخطط الدراسية، وأيام الدوام المدرسي قد استوعبت تمامًا هذا المنهاج، وقدمته كاملاً شاملاً للطلبة على مدار العام الدراسي، ولا بد من التحقق من أن الطلبة قد استوعبوا هذا المنهاج، وأنهم يستحقون الترفيع إلى هذه الصفوف الجديدة التي رفعوا إليها، بعد التحقق بطبيعة الحال من مدى استفادة الطلبة من كل هذه الحصص المتأخرة كالحصة التاسعة والثامنة والسابعة والسادسة في مدارس لا تصلح للتدريس صيفًا أو شتاءً أعني في أيام الحر اللافح، والبرد القارس، وبعد التحقق كذلك من أن عدد أيام الدوام المدرسي الفعلي التي داومها الطلبة في مدارسهم، وتعلموا فيها كافة الحصص هي فعلاً كما جاء في شهادات الطلبة (181) يومًا دراسيًّا، وإذا لم تكن كل تلك الأيام المفتوحة، والرحلات المدرسية، وأيام قطف الزيتون، وهطول الأمطار الغزيرة والثلوج، وأعمال الاحتجاج في مناسبات كثيرة على مدار العام، وإذا لم يكن كثير من الأعياد الوطنية والاجتماعية والقومية والعمالية والدينية عطلاً رسمية، فكيف بلغ عدد أيام الدوام الرسمي (181) يومًا بعد عطلة يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع؟؟.
    بعد معالجة هذه الصغائر والكبائر، وغيرها مما لا يسمح المقام بذكره، والدخول في تفصيلاته، وبعد أن يعود للعملية التربوية شكلها ومضمونها، ولنظام الثانوية العامة معناه ومبناه قديمًا كان، أو حديثًا أو خليطًا وسطًا بين القديم والحديث، لا يعنيني ذلك في كثير أو قليل ما دامت القاعدة سليمة، وما دام الطلبة في كافة صفوفهم ومراحلهم التعليمية يتعلمون، وما دامت العملية التعليمية تسير من اليوم الأول من العام الدراسي وحتى اليوم الأخير منه، وعلى مدى عام دراسي من سبعة أشهر (210) أيام دراسية فعلية كما كان الأمر هنا حتى الأمس القريب.. أقول بعد معالجة هذا كله، وكثير غيره، وبعد أن نثبت بالدليل القاطع، والبرهان الساطع أننا حريصون على مستقبل طلبتنا، حريصون على ضمان حقهم المقدس في عام دراسي كامل، وعملية تربوية تعليمية حقيقية ناجحة، ونظام للثانوية العامة يكون حصادًا لسنوات الدراسة، وتتويجًا لها بالحصول على الثانوية العامة بجدارة، بعد هذا كله، وبعد كل هذه التوضيحات والتصريحات والتلميحات أضيف بعض التصورات والرؤى والمقترحات التي قد تضيف جديدًا في هذا السياق، وقد لا تضيف، وقد تساهم في خدمة أبنائنا وحفدتنا الطلبة، وقد لا تساهم آملاً في أن تساهم:
    ينبغي أن يأخذ من يعنيهم الأمر في اعتبارهم كافة الموهوبين والموهوبات من الطلبة، كي تتبنى المجتمعات والدوائر والمؤسسات هذه المواهب.. هنالك طلبة يكتبون، ويتذوقون الأدب، ويحاولون أن يقولوا شعرًا.. ومن حق هؤلاء علينا أن نأخذ بأيديهم، وأن نضع لهم البرامج والمناهج، وأن نعقد الندوات لصقل مواهبهم، وتحسين لغتهم، وتطويرها وتخليصهم من مظاهر الضعف في لغتهم العربية.. يحسن بنا أن نخصص لهؤلاء يومًا دراسيًّا أسبوعيًّا (وليكن يوم العطلة الثاني الذي يبدو أن أحدًا لا يريد العدول عنه) ونحن بذلك نحصنهم، ونقويهم، ونغذي مواهبهم، ونشجعهم على إتقان لغتهم العربية، ونساعدهم على الكتابة الأدبية نثرها وشعرها، ونحول بينهم وبين التسرب والتشرد في الشوارع والأزقة والطرقات مع الكلاب الضالة، والقطط المريضة، وقرناء السوء في يوم عطلة لا يجد الناس فيه ما يفعلون سوى ما ذكر، وكثير غيره مما لا يعود على أحد بأي نفع.. هذه المواهب الأدبية يمكن تبنيها، ويمكن تطويرها عن طريق إعداد البرامج والمساقات المناسبة، وعن طريق منح الشهادات في نهاية كل عام بهذه الساعات المعتمدة التي أتموها بنجاح، وعن طريق صرف الجوائز وتقديم الحوافز التي تشجعهم على العودة في السنة القادمة لمثل ما بدأوه في سابقتها، وبمستوى جديد أعلى، وهكذا، وكذك صرف الجوائز وتقديم الحوافز لمعلميهم ومعلماتهم، سواء كانوا من أعضاء الهيئات التدريسية أو من الخريجات والخريجين العاطلين عن العمل... وما يقال في المواهب الأدبية، واللغوية، والنقدية، يقال أيضًا في الخط العربي، فتطويره أمر رائع، وهو- دون شك- واحد من أجمل أنواع الرسم الذي يجب أن نهتم به كل الاهتمام، إن كثيرًا من الأطفال يعبرون عن أنفسهم بالرسم، وإن كثيرًا من الأطفال من الممكن أن يصبحوا رسامين محترفين إذا وجدوا من يأخذ بأيديهم، وإذا وجدوا من يتبنى مواهبهم.. وقد يقال ذلك في النحت، ويقال في الموسيقى، والعزف على مختلف الآلات الموسيقية، ويقال في الغناء، والتمثيل، والرقص، وتكوين الفرق الشعبية الفلوكلورية.. وما يقال في كل تلك الفنون الجميلة التي تصقل الذوق، وترهف الإحساس، وتربي الطفل على حسن الخلق، والذوق السليم، وتذوق الجمال وسمو المشاعر والوجدان والأحاسيس يقال أيضًا في المحاسبة، والحاسوب ببرامجه المختلفه، ويقال في كافة المقدمات الأولى للعلوم الكونية المختلفة التي يتسابق العالم لامتلاك ناصيتها، ويقال في كل أوجه ثورة المعلومات.. ويقال أيضًا في كثير من اللغات الحيوية التي من الصعب أن نستغني عنها، ومن الصعب أن نتجاهل وجودها علميًّا وأدبيًّا وثقافيًّا ومعرفيًّا كاللغة الإنجليزية التي لا بد من الاهتمام بها على الشكل الذي قدمناه للغتنا العربية الجميلة، وكذلك اللغة الفرنسية، والألمانية، والروسية.. إنه من الجميل جدًّا أن نرى  طلبتنا( في أيام إجازة يقضونها متسكعين متشردين لاهين) وهم يؤسسون منتديات ومنابر للغات في مدارسهم، وفي أحيائهم، وفي مجالسهم الخاصة، وفي بيوتهم.. إنه لمن الجميل أن نرى جيلاً يتقن لغته العربية أولاً، ويتقن إلى جانبها كثيرًا من اللغات الحية في هذا العالم.. وما يقال في اللغات يقال أيضًا في الثقافات والمعارف والعلوم والآداب العالمية التي يمكن الاطلاع عليها من خلال هذه اللغات الحية التي كُتبت بها.. وما يقال في هذا يقال في الترجمة، فكم هو رائع جميل أن نربي كثيرًا من أبناء هذه الأمة وبناتها على مثل هذه المهارة العظيمة التي تضع كل ثقافات الدنيا بين يدي القارىء في كل مكان، وفي كل زمان.
    إن حدود مثل هذه المهارات، وتطوير مثل هذه المواهب والكفاءات، إضافة إلى تعلم العلوم والآداب والفلسفات والفنون واللغات، وكثير مما ذكرت، ومما لم أذكر هي حدود مفتوحة لا تغلق، وهي حدود يستطيع طلبتنا ولوجها بكل سهولة ويسر، وهي وسيلة لإثراء طلبتنا، وإغنائهم، وتثقيفهم، والانتقال بهم إلى عالم جديد، ودنيا جديدة، وإبعادهم عن التسكع والتسرب والتسيب والانحراف والجهل والتبعية للأراذل والفاشلين والمتجرين بتخلف المتخلفين وطيش الجاهلين، وهي إلى ذلك وسيلة من وسائل استقطاب الطلبة حول ما ينفعهم، ويربي فيهم الذوق الرفيع، والمواطنة الصالحة، ووسيلة لحصولهم على شهادات تفتح أمامهم الطرق لمواصلة الدراسة مستقبلاً، وتفتح أمامهم الطرق للعمل الجزئي في سن مبكرة في العطل الصيفية، وخلال العام الدراسي أيضًا، ولو كان ذلك العمل من باب أن يوفر الطالب مصروفه الشخصي بطريقة محترمة، وإن مثل هذه المهارات والهوايات والمواهب والكفاءات وشتى أشكال العلم والمعرفة والإلمام بوسائل المواصلات والاتصالات والإلكترونيات من شأنه ان يخفف قليلاً أو كثيرًا من هذه الأزمات التي يتحدثون عنها في المجتمعات، كأزمات البطالة، ولا سيما بين الخريجين والخريجات لتشابه التخصصات، ونظرًا لإقبال معظم خريجي الثانوية العامة على دراسة العلوم الإنسانية التي أصبح خريجوها منذ زمن عاطلين عن العمل، لأنهم يقدرون بعشرات الآلاف في الوقت الذي لا تستوعب الدوائر والمؤسسات أكثر من عشرات منهم في كل عام، وذلك في أحسن الظروف..إن إعداد البرامج، وإعداد الموازنات والميزانيات التي نستطيع من خلالها مد يد العون لأبنائنا الطلبة في مدارسهم سواء كان ذلك خلال العام الدراسي، أو في جزء من العطلة الصيفية يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ هؤلاء الطلبة، ويكاد يكون الوسيلة الوحيدة لتنمية مواهبهم، وإثراء ثقافتهم وإغنائها، ومساعدتهم على فرض وجودهم في صراع الحياة القائم على هذه الأرض منذ أجيال. إن التوسع في هذه البرامج يساعد كثيرًا على تخفيف الأزمات الناشئة عن الخلل سواء في سير العملية التربوية التعليمية، أو في نظام الثانوية العامة قديمه أو حديثه.
    إن كل ما ذكر بحاجة إلى همة عالية، وإعداد واستعداد، وإنه بحاجة إلى أن تنقلب المدارس والأحياء والنوادي والمنتديات وكثير من البيوت أيضًا إلى ورش عمل يتعلم فيها طلبتنا، ويتلقون التوجيهات والإرشادات والمساعدة الأدبية المعنوية والمادية، وهذا بالإضافة إلى ما تعده بعض الدوائر من برامج مهنية، وتعليم مهني صناعي ، أو زراعي، أو تجاري، أو فندقي هو بدون شك أمر جميل، وحبذا لو تطور كل هذا ليأخذ شكلاً جديدًا يعود على الطلبة، ويعود على الخريجين، ويعود على المجتمع كله بالخير والفائدة، ومن يدري فقد يؤدي ذلك كله، وكثير غيره مما قد تتفتق عنه أذهان الطلبة ومعلميهم إلى ثورة كبرى صناعية تجارية فنية أدبية لغوية معرفية ترفع من شأن هذه الأمة، وتعلي مكانتها بين أمم العالم، وتنهي بذلك عهدًا كان العرب فيه متهمين بالاقتتال والاحتراب وسفك الدماء والتخلف والجهل والغباء، وتنهي كذلك عهدًا طمع فيه الطامعون بهذه الأمة، وثرواتها، وتنهي بذلك عهدًا تحكم فيه الجهلة المأجورون منذ عقود.. ومن يدري، فربما كانت هذه الأحلام والآمال والأمنيات والتمنيات فاتحة عهد جديد تحقق فيه هذه الأمة ذاتها، وتعلي فيه هذه الأمة بنيانها، وتحترم إنسانها، وتستعيد مكانتها اللائقة بها بين الأمم.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !