من ينقذ طفلا من أبيه؟!
اغتصاب داخل كواليس الأسرة
غادة الترساوي
الاغتصاب.. أبشع جريمة يمكن أن تحدث لفتاة، يختلف تأثيرها حسب صلة الفاعل بها، فلو صدرت من أخٍ تجاه أخته لوصفناها بالكارثة، فما بالنا لو صدرت من أبٍ تجاه ابنته، ساعتها لن تكفي كل كلمات الكره والاحتقار في التعبير عما يعتمل في نفس الضحية من مشاعر تجاه الجاني الذي سلبها عذريتها، وانتهك آدميتها، واغتال أحلامها بالمستقبل، في الوقت الذي كان لزاما عليه حمايتها والحفاظ عليها، مما يدفعها إلى الاكتئاب والجنون البطيء والخوف من خطر يظل ينهش روحها وجسدها معا دون أن تستطيع له إدراكا ودون أن تملك له تفسيرا؟!
واغتصاب المحارم ليس مجرد عنف جسدي يقع على الطفلة أو المراهقة كالضرب الذي يحمل معنى الإهانة ويقلل من تقييمها لنفسها، ولكنه نوع من الاستغلال الجنسي الذي ينتهك جسدها الصغير دون أن تفهم ما الذي يحدث لها، ويزيد العبء عليها إذا علمت أن أحد أفراد الأسرة يعلم بهذا الإيذاء، لكنه لا يمد لها يد المساعدة، وهنا تختل ثقتها بالآخرين الذين تعلمت منذ نعومة أظفارها أن تثق بهم، وما يزيد الأمر سوءًا عندما يبدأ المعتدي بتهديدها أنها إذا أخبرت أحدًا فستكون النهاية لها أو لشخص تحبه أو للعائلة بأسرها.
طبيب يغتصب ابنته!!
طالع :
زنا المحارم نار في البيوت
الحكايات كثيرة ومن بلاد عربية مختلفة، فالظاهرة أصبحت عابرة للقارات، ولم تعد تقتصر فقط على دول الغرب التي تطالعنا صحفها دوما بمثل هذه الحوادث الشاذة، بل هي موجودة أيضا في معظم الدول العربية.. الفارق الوحيد في التعتيم الأسري والإعلامي الذي تحيط به مجتمعاتنا الشرقية هذا النوع من الجرائم وبسياج من حديد..
"إيمان".. فتاة جميلة -كما وصفت نفسها في رسالتها لإسلام أون لاين- لم تتجاوز الرابعة والعشرين من عمرها، وبرغم ذلك الحزن الذي يغلف كلماتها، واليأس الذي ينبض به حديثها أضاف إلى عمرها سنوات وسنوات.
تقول إيمان: تجاوزت مراحل الألم الأولى، وردات الفعل التالية لها.. تعرضت لأسوأ أنواع الاعتداءات والتحرشات اللفظية والجسدية من قبل مَنْ هو مِن المفترض به أن يحميني ويخاف عليّ كنفسه، لكن "لا".. لم أمثل لأبي سوى أنثى وأنا بعد في الثامنة من العمر ولسنتين متتاليتين، ما زلت أذكر كل ما حدث خلالهما حتى اليوم، كل فعل.. كل همسة.. كل تهديد "إن أخبرت أمك ستموت هي.. سأذهب أنا.. لن تري إخوتك بعد اليوم".. لا تقتربي من أحدهم.. لا تحتضني أحدا.. أنت لي فقط".
لم أقترب من أحد منذ ذلك الوقت، رفضت حتى احتضان أمي لي أو لأعترف رفضت أي طريقة تواصل إنساني، حتى الانتحار لم أعد أفكر فيه بعد 4 محاولات فاشلة، فقد عشت وكبرت مع فكرة قائمة وثابتة بأنني طفلة مدنسة، لا حق لها بالحياة ولا بالعيش، ستبقى وحيدة دائما، خائفة، متألمة، تحاول الهرب من نفسها، من تاريخها، ومن ماضيها كله، لكن بلا فائدة..
الذكرى تهاجمني، والنوم يصبح مستحيلا في الليل إلا بعد مرور ساعات وساعات، والخوف يدفعني للاستيقاظ عند كل همس.. سيعود في يوم ما.. أعلم ذلك.. عندما يستطيع الهرب من أمي سيعود من جديد.
المضحك في الأمر والمبكي في نفس الوقت أن الأب طبيب، أقسم يومًا أن يحمي الإنسانية!! لكنه فقدها في شخص ابنته التي تقول في يأس: أعرف أنه لا أمل لي، أفكر فقط في الصرخة التي عليّ أن أطلقها قبل أن أموت وأنسى.. أيها الآباء لتحموا أطفالكم من أنفسكم فمن لهم بعدكم؟ وإلا فمن يستطيع أن ينقذ طفلا من أبيه في يوم ما؟!
الجاني والجلاد
(أ.م) فتاة سعودية لم يتجاوز عمرها عشرين عاما.. كانت صغيرة هي الأخرى فلم تستطع الدفاع عن نفسها، لم تفهم ما يحدث معها، كل ما كانت تعرفه أنها تتعرض لانتهاك ترفضه وتتألم منه، وحتى حينما نضجت واستطاعت تفسير ما وقع لها من خالها -الذي مكث بمنزلهم قرابة الثلاث أعوام داوم خلالها على اغتصابها- لم تستطع التفوه به لأحد، فهي تتوقع ما سيحدث وقتها، وربما تودي مأساتها بأمها أقرب الناس إليها، ولكن قلقها من المستقبل وضيقها وغضبها المكتوم جعلها في حاجة لصدر رحب يسع ألمها، وعقلا راجحا يقدم لها الحل دون أن يشهر بها أو يلقي عليها اللائمة، ويوقع عليها عقابا لإثم لم ترتكبه أو تشارك فيه.
تقول الفتاة نجحت في تكوين مجموعة من الأصدقاء عبر النت، أصبحنا 5 الآن بعد أن كنا 7، شابين وثلاث فتيات، موزعين على عدة بلدان عربية (السعودية ومصر واليمن)، كان الجامع بيننا الاغتصاب المتكرر منذ الصغر، استغرق الأمر منا أكثر من سنتين ونصف السنة حتى يثق أحدنا بالآخر ثقة تامة، ويأتمنه على أدق أسراره وأسوأ ذكرياته، جمعتهم بنفسي بعد تعرفي على كل منهم على حدة، لنا هدف واحد.. هو حماية الأطفال مهما كانوا ومهما كلفنا الأمر، أنا مؤمنة إيمانًا تامًّا بأننا لم نجتمع صدفة، وبلا هدف أسمى؛ لذلك يجب عليَّ أن أقوم بأمر ما لهم ولغيرهم.
وبسؤالها: "لماذا أصبحتم خمسة"؟! أجابت من فورها: أحدنا انتحر، والأخرى قُتلت غدرًا، وختمت القضية بـ"قضية قتل شرف".. ولم يعاقب الأخ (القاتل) وبقي حرًّا طليقًا طالما الأب لم يطالب بشيء، وبالطبع هو لن يطالب ما دام شريكا في الجريمة.. أتعلمين لماذا حدث هذا الأمر؟!.
حدث ذلك بسبب مقاومتها وتهديدها لهما بالفضيحة بعد أن تناوبا اغتصابها معا سنوات وسنوات، هذا ما أخبرتني به أختها بعد موتها، طبعا ستلتزم الصمت هي الأخرى وللأبد حفاظا على حياتها.
وتتساءل: لماذا يخبرني الجميع بأنني أستطيع الدفاع عن نفسي في حال تكرار الاعتداء؟! إذا كان المعتدي خائفًا من الفضيحة فسيقوم بأي فعل حتى لا يُفتضح أمره، وستتحول القضية من اعتداء إلى قتل، ولا يحتاج الأمر إلا أن تكون في إحدى الدول العربية حتى تنتهي المأساة بقضية شرف عادية؛ فالقتل جائز لأجلها في نصف الدول وبلا أي بحث عن أدلة قطعية.
للعم رغبات أخرى
مأساة أخرى تروي أحداثها (م. م) من قطر.. تقول: تعرضت لحادثة اعتداء رغمًا عني وأنا في الحادية عشرة من عمري، فعلها عمي الذي قابلني بعد خروجي من المدرسة لا أعرف مصادفة أم بترتيب سابق منه؟ وعندما عرض علي توصيلي للمنزل قبلت على الفور، لاطمئناني له من ناحية فهو بمثابة الأب لي، ولكوني طفلة لا يذهب تفكيرها إلى هذه المساحة من المحظورات، لكني بمجرد أن ركبت السيارة فوجئت به يتحول إلى وحش لا قبل لي بمقاومته، أتذكر تلك اللحظات وكأنها تحدث الآن، عندما امتدت يديه نحوي ارتعدت من الخوف، لم أستطع أن أتفوه بكلمة، لم أصرخ.. لم أقاوم، لم أمنعه، لا أتذكر أنني بكيت، سلبني حياتي وشرفي وعذريتي وأنا لا أحرك ساكنا، لا أذكر حتى أنني تألمت، وكأنني كنت ميتة في تلك اللحظات.. لا أدري لماذا لم أفعل شيئا؟.. كل شيء تجمد، حتى الدموع لم تنزل.. وعندما أنهى فعلته صار يهددني بأن والدي سيقتلني إن أخبرته بما حدث.
أخفيت هذا الأمر عن كل مَنْ حولي، خفت كثيرًا من أهلي فهم غير متفاهمين بالمرة، ولم يسبق لهم حتى يومي هذا أن أفسحوا لي المجال كي أحاورهم في أي موضوع، ظنًا منهم أنني ما زلت صغيرة برغم أنني أكبر إخوتي.
حاولت قبل فترة أن أناقش أمي إذا تعرضت فتاة لمثل هذه الحادثة فماذا سيفعل بها أهلها، فكان رد فعلها كالصاعقة بالنسبة لي، وأكدت لي ما سبق وهددني به هذا المجرم من أن مصيرها الموت، والمدهش أن هذا العم المزعوم ما زال يتردد علينا حتى هذه الساعة وكأنه نسي ما كان منه أو ربما يعتقد أنني نسيت، لكني أبدا لن أنسى.. فقد بت أكرهه كرها لو وزع على العالم لكفاه..
الجد والإخوة والأشقاء.. أحمدك يا رب!
فتاة مصرية تخرجت حديثا في الجامعة.. أسلوبها في الحديث يكشف عن ثقافة ووعي تحسد عليهما.. ما إن بدأت في سرد مأساتها حتى تكشف بجلاء حزنها الدفين وحيرتها الظاهرة التي تحاول إخفاءها خلف رصانة مزعومة..
فظروف هذه الفتاة الأسرية كارثة بكل المقاييس، والداها لا يكفان عن الشجار، الأب سكير لا يفيق من الخمر والأم مطلقة تزوجها الأب لتربي له طفليه من زواج سابق.. أنجبت له طفلين ليصبح لبطلتنا أربعة من الإخوة (أخوان من الأب ومثلهما أشقاء).. ولأن والدها كثير السفر فقد عاشوا جميعا في بيت الجد، وهنا بدأت الكارثة..
فقد تعرضت الفتاة وهي في الخامسة من العمر لمحاولات تحرش مستمرة من جد لم يرحم طفولتها.. لكن لم يصل الأمر للاغتصاب، وأيضا لم تنته المأساة.. فعند عودة أبيها إلى أرض الوطن كان يعاملهم بعنف شديد، ويضرب والدتها ضربا مبرحا، لتقوم بدورها بضرب أبنائه انتقاما منه بعد عودته إلى المهجر، فنشئوا يحملون لبطلتنا وأشقائها كرها ومقتا لا يوصف.
وعندما كبرت الفتاة فوجئت بأخيها من أبيها يتحرش بها هو الآخر، لحظتها شعرت بمرارة لم تذهب من حلقها حتى الآن؛ لكنها قاومته ومنعته عن نفسها.. فقد اكتسبت وعيا مما فعله الجد معها، ومن يومها أصبحت تخاف الرجال وتخاف البقاء في المنزل بمفردها، خاصة بعد أن حملت الأيام لهم فجيعة أخرى عندما وقع الطلاق بين والديها، لتجد نفسها ضحية مجتمع لا يرحم.
وتكتمل المأساة بانحراف الأم التي مارست الرذيلة على مرأى ومسمع من أبنائها، ومع مرور الوقت وفي هذا المناخ المتردي أصبح الأشقاء بدورهم يتحرشون بشقيقتهم الوحيدة أمام أعين الأم، التي كانت تغض الطرف عما يحدث وكأنها تشجعهم على ذلك لتعيش الابنة جحيما حقيقيا لا تدري سبيلا للنجاة منه؟
تقول الفتاة الحاصلة على ليسانس الآداب: وضعت همي في الدراسة فقد أصبحت أملي الوحيد في النجاة من هذه العائلة.. ولكني دائما ما أقول شكرًا أبي لأنك جعلتني ما أنا عليه الآن، شكرًا أمي لتجاهل شكواي وبكائي وكل ما كان واضحًا لك.. قد يكون في الأمر سخرية أو لوم، لكن السخرية أخف من الحقد والكره.
وتتابع: لا أستطيع أن أفضح أمي أو أكرهها، كلما تذكرت معاناتها مع أبي لا أستطيع أن ألومها، لكن ماذا أفعل؟ ولمن ألجأ وجميع من حولي يتربص بي؟! المرة الوحيدة التي تجرأت وأخبرت بها أحد الزملاء عن مشكلتي، اتهمني برغم ثقافته بأنني من شجعت إخوتي على ذلك، من يومها صدمت وقررت ألا أخبر أحدا بالموضوع.
والآن أتساءل هل سأنجح بتكوين أسرة؟ هل أصارح زوج المستقبل بالماضي المؤلم؟ هل سأسمح لإخوتي مستقبلا بدخول بيتي؟ لا أعرف.. أصبحت لا أثق في أحد، وأخاف أن تتكرر التجربة بين أولادي وبناتي مستقبلا!
الحب في غير موضعه
جمعنا صرخات هؤلاء الضحايا وغيرهم الكثير مما لا تتسع لهم الصفحات، ووضعناها بين يدي مجموعة من المستشارين بشبكة إسلام أون لاين في محاولة لعرض بعض الحلول التي قد تنير الطريق أمام هؤلاء الضحايا وتمد لهم جسور الأمل..
في البداية ينصح د. "عمرو أبو خليل" اختصاصي الطب النفسي ومدير مركز الاستشارات النفسية والاجتماعية بالإسكندرية ضحية هذا النوع من الاغتصاب بالتعبير عن مشاعرها تجاه الجاني بكل وضوح وصراحة، وألا تضيف عليها عبء مسامحتهم، فليس مطلوبا منها أن تسامح أحدًا ممن أساء إليها وارتكب في حقها أحقر جريمة، سواء كان الأب أو الأخ أو العم أو حتى الأم التي شعرت بما يحدث وغضت الطرف، فالتعبير عن مشاعر الكره لهؤلاء جميعا هو المنطقي والفطري؛ حتى لا تقع أسيرة تصورات خاطئة لمشاعر التسامح والحب في غير موضعها.
ويوضح د. عمرو أن التظاهر بالحب تجاه الجاني والذي تعتقد الضحية أنه مشاعر فطرية يجب أن تحتفظ بها تجاهه، هو ليس حبًّا، ولكنه حالة من الصراع بين رغبتها الحقيقية في كرهه ورفضه، وتصورها أنها من المفترض أن تحبه وتتعامل معه أو تشفق عليه.
مجتمع ظالم وأسرة جائرة
أما د. ليلى الأحدب -طبيبة وكاتبة ومستشارة للتنمية الذاتية والاجتماعية بالسعودية- فترى أن معاناة المغتصبة وشعورها بالظلم والضياع يزداد في عائلة لا ترحم ولا تفهم؛ ولذلك تنصح كل فتاة تعرضت للاغتصاب من أحد المحارم في سن مبكرة ولم تقم بإخبار أهلها وقت الحادث، بأن تكتم ألمها وتضعه في غياهب النسيان إذا أرادت أن تعيش بأمان في مجتمعات ديدنها توجيه التهمة إلى الضحية وسوء الظن بها، لكنها تعود فتؤكد أن الأفضل إخبار الأسرة وقت الاغتصاب لإثبات التهمة على المجرم، لكن بعد مرور زمن على المصيبة لا توجد فائدة من نَكْء الجراح سوى تعريضها للتقيح مرة أخرى.
وتصف "د. ليلى" رد فعل بعض الأسر التي تعاقب الضحية بأنه غير طبيعي وغير مبرر، وأنهم يفضلون دفن رؤوسهم بالرمال على أن يواجهوا المشكلة بالآليات المناسبة لها.
مظلة رسمية
وعن دور المجتمع في مواجهة هذه الجريمة يقول د. محمد مهدي، طبيب نفسي ومستشار اجتماعي بصفحة مشاكل وحلول: هناك أشياء يتوجب على المجتمع القيام بها حتى لا نترك ضحايا الانتهاك الجنسي تحت رحمة المعتدين عليهم حتى ولو كانوا أقرب الناس إليهم.
ويقترح تخصيص رقم تليفون يتصل به الضحايا، وتكون هناك آليات حكومية أو أهلية لها القدرة والحق في التدخل وبحث الحالة وتقدير درجة الخطورة، واحتياجات الضحية التي تتدرج من مجرد إبداء النصح والمشورة إلى تغيير بعض الأشياء في الأسرة لتحقيق الأمان لها، وقد تصل إلى عزل المعتدي بعيدًا عنها أو العكس، ويتم هذا من خلال مختص نفسي أو اجتماعي يزور الأسرة تحت مظلة رسمية، ويدرس الحالة من كل جوانبها ويتابعها حتى تصل إلى مرحلة الأمان.
ويتمنى د. المهدي أن تلتقط إحدى الجمعيات الأهلية المعنية بالمرأة على وجه الخصوص هذا الخيط، وتبدأ في المساعدة على أرض الواقع من خلال مجموعات رعاية ذاتية تلتقي مباشرة وفي أوقات معلومة، ويؤكد أنه في مجتمعاتنا العربية قد يكون من المفيد تدخل المؤسسات والرموز الدينية لما لها من مكانة وتأثير في نفوس الناس.
--------------------------------------------------------------------------------
محررة في النطاق الاجتماعي
التعليقات (0)