البشرى السادسة
بالإستغفار تمحق الذنوب والأوزار
إن البشارة التى معنا هنا الآن هى بشارة تهفو إليها النفوس والأرواح ويهون دونها كل التعب والأتراح،
وهى أمل كل مؤمل فى كل آن وحال ألا وهى مغفرة العزيز المتعال! وهى قوله تعالى لنا وبشارته لكل واحد فينا
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
فنحن جماعة المؤمنين لو نظرنا إلى إكرام الله لنا فى تلك الآية الكريمة وفى غيرها من كتابه المبين ما وسِعَنا
إلا أن نخر لله ساجدين على عطاءه الذى تفضَّل به علينا أجمعين فقد خلق الله الملائكة وهم أعلى الأصناف فى الطاعات من نور الملكوت وخلق الجن من النار أما نحن فقد خلقنا وسوانا ونفخ فينا من روحه أعطانا أعزَّ ما عنده
{وَرُوحٌ مِّنْهُ}جعل فينا روح من حضرته
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}
ووسع لنا سبحانه دائرة
العفو الإلهى أيما وسعة ونوع وعدَّد أبواب الفضل الربانى وهنا عظمة البشرى ولكى نشم قليلاً من عبيرها أعرض
لكم مقارنة واحدة وقيسوا بفهمكم تدركوا تناهى بشرى ربكم وإحسان إلهكم فقد عبد إبليس الله ثنتان وسبعين ألف سنة لم يترك موضع أربع أصابع فى السموات السبع إلا وله فيه سجدة لله وأذنب ذنباً واحداً فقال له الله
{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً}
أذنب ذنباً واحداً فطرد وبالمقت باء وأبعد إلى الأبد أما نحن فلما يقنطنا الله من رحمته بل تحنَّن لنا
وساق بشرياته إلينا ومنته فهو يغفر لنا الذنوب جميعا وقال أحدهم فى ذلك أبياتٍ قليلة ولكنها محكمة ورصينة:
إبليس قد هوى لما عصى ربى بذنب واحدٍ أبى السجود لجدى
وأنا عبدٌ ظلومٌ ملأت أرضى وبحرى بقراب الخطايا ويحى انتهى أمرى
ناديتنى قل ياعبادى أثلجت صـــــدرى يغفر الذنوب جميعا قد محت وزرى
وهو الغفور الرحيم أكدت وصلى محقت آى الزمر كل بعدى وفصلى
ولكن هل هناك ما لا يغفر؟ قال الله: شئٌ واحد {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}
فإذا أذنب العبد وأحس بوقع الذنب وقال يارب يقول له رب الوجود كما أخبرنا سيد كل مخلوق وموجود
{يا ابنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً}
ناهيك بعد ذلك عن فضل المدوامة على الاستغفار فإذا كان الحبيب الذى حفظه الله من الذنوب والأوزار يتوب لله
فى الليل والنهار مائة مرة ويقول{يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، كُلَّ يَوْمٍ،
مِئَةَ مَرَّةٍ". فَقُلْت لَهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ اثْنَتَانِ أَمْ وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا}
فما بالنا وكلنا أوزار نترك الإستغفار وهو بشرى حصن الحفظ من عذاب الجبار{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ
وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}وهنا نورد شيئا من أشعار الحكماء ونظم الصالحين أو الأولياء نروح به النفوس ونشوقها إلى رحمة وعفو وشفقة المليك القدوس قال الحكيم التلمساني المنداسي :
ربِّ إني ظلمت نَفسي وَنَفسي ظلمتني فصيرتني ذَليلا
قد أتى فى القران قولك إلهى لا تقنطوا فجعلت أَرجى القبولا
قولك الحق لست تخلف وعدا ولك الملك لا تزال مقيلا
أَمن الروع لا تزال كَريما وَأَنا الغمر لا أزال بَخيلا
وسأورد فى الإستغفار بعض الأبيات من قصيدة شهيرة من مائة بيت للملقب ببركة الوجود الشيخ/
عبد الغنى النابلسى وله دواوين من قصائد مئوية عديدة قال فى قصيدة أسماها أستغفر الله من سرى ومن علنى:
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن سَرّي وَمِن عَلَني أَستَغفِرُ اللَهَ مِن نَفسي وَمِن بَدَني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن روحي الَّتي نُفِخَت عَن أَمرِ خالِقِها في جِسمي الوَهنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن عَقلي إِذا اِختَلَفَت بِهِ المَعاني وَمِن فَهمي وَمِن فِطَني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن فِكري وَما سَرَحَت خَواطِري فيهِ مِن بادٍ وَمُكتَمَنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا يَقظَتي كَسَبَت وَما عَلَيَّ جَرى في النَومِ وَالوَسَنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا باشَرَتهُ يَدي مِن كُلَّ شَيءٍ قَبيحِ الفِعلِ أَو حُسنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن رِجلي وَما بَطَشَت في الخَيرِ وَالشَرُّ تُدَنّيني وَتُبعِدُني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا قَد رَأى بَصَري في طولِ عُمري وَمَمّا قَد وَعَت أُذُني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا قَد نَطَقَت بِهِ مِن كُلِّ لَفظٍ شَريفٍ في الوَرى وَدَنى
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن كَفّي وَما وَضَعَت عَلَيهِ مِن ناعِمٍ في اللَمسِ أَوخَشِنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا قَد شَمَمتُ لَهُ مِن الرَوائِحِ في الخَضراءِ وَالدِمَنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مَمّا ذُقتُهُ بِفَمي مِمّا أَراهُ كَريهاً أَو أَراهُ هَني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن سَخَطي وَمِن غَضَبي وَمِن رِضايَ وَإِشفاقي وَمِن جُبني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن ضيقي وَمِن سِعَتي وَمِن هَزالي وَمِن سَقَمي وَمِن سَمَني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن قَولي بِلى وَنَعَم وَلا وَكَيفَ وَيا لَيتي وَهَل وَمِنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن هَذا لِما وَبِما قَد كانَ هَذا الأَمرُ بِالخَفا قَمَنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِمّا قَد دَرَيتُ وَما لَم أَدرِ مِن خَبَرٍ في الناسِ يَعجِبُني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن كُلِّ المَقاصِدِ في دَهري وَمِن أَمَلٍ في الصَدرِ مُحتَقِنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ ما كانَ في عَمَلي وَما هَممَتُ بِهِ مِنهُ وَلَم يَكُن
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن كُلِّ الذُنوبِ وَمِن كُلِّ البَلايا وَكُلِّ الشَرِّ وَالفِتَنِ
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن دَمعٍ بَكَيتُ بِهِ وَمِن دَمٍ كانَ مِنّي سائِلاً وَمِنّي
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن صَبري وَمِن جَزعي وَمِن غَرامي وَمِن شَوقي وَمِن شَجَني
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن سَهلٍ عَلَيَّ وَمِن صَعبٍ وَمِن فَرَحٍ عِندي وَمِن حَزَنِ
البشرى السابعة
التقوى هى مفتاح الرزق الأقوى
لما أصبح الناس فى مجتمعنا يشكون مر الشكوى من ضيق الأرزاق وسوء الأخلاق وإنتشار الشقاق والنفاق،
فلا قليل يفى ولا كثير يغنى! والغلاء الذى استشرى والأمر من شدة إلى أشد ما العـلاج؟ وأين سبيل النجاة والشفاء؟
العلاج فى آيات فى كتاب الله فيها البشرى والشفاء والنجاة والدواء قال تعالى{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}وقال الرجل الحكيم مبينا فضل التقوى:
ألا إنما التقوى باب الرزق و الفخر وترك التقى باب الذل والفقر
وليس على عبد تقي نقيصة إذا صحت تقواه فى الجهر والسر
ولكننا كأننا نسينا بشرى الله لنا وأخذنا نبحث فى الدنيا حيارى كأعداء الله وقد جعل للخلق طريقين للأرزاق
إما طريق أهل الكفر والشرك والجحود والشقاق فهو طريق الكدح والسعي فى الأسباب التى خلقها الله بلا نظر
ولا إعتبار لأمر آخر وأما الطريق الثانى فهو طريق أهل الأيمان والتقوى وهو الوارد فى هذه البشرى وشرط نوالها والتمتع بنورها وسرها هو التقوى فإن أهل الإيمان وإن كان لزاما عليهم الأخذ بالأسباب التى خلقها الله إلا أنه
تفضَّل عليهم وزادهم من جوده وكرمه وجعل أرزاقهم ليست وقفا على الأسباب وحسب كما عامل أهل الكفر والجحود
وإنما جعل طريقـاً للمتقـين وسبيلاً للمؤمنين من وراء الأسباب وهو سبيل البركة التى يفتح الله كنزها من وراء الأسباب
فهو يرزقهم بغير حساب الأسباب وأكد ذلك فى الآيات البينات الأخرى التى ساق فيها الأمل والبشرى
{إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}فإذا قمنا بالشرط الوارد فى تلك البشرى رزقنا الله بغير حساب وكنا من المتقين
الذين ذكرهم الله فى الكتاب؟ فمفتاح التقوى هو السبب الأقوى وتقوى الله أى مراقبة الله والتقى
لا يغش فى كيل ولا ميزان ولا ينصب ولا يخدع أحداً من الناس فى أى شأن ولا يكذب ولا يفعل شيئاً يغضب الرحمن ولا يعمل عملاً نهاه عنه النبى العدنان وإنما يصنع الخير الذى أمره الله فى كل وقت وآن و يتحرَّى الصدق فى كل حال وزمان ومكان مع الله ومع جميع خلق الله فى الأكوان وقد ورد فى الأثر الذى أثلج الله به صدور أهل الإيمان من البشر أن الله خاطب عباده فقال فى الخبر{يا بن آدم لا تخش من ضيق الرزق وخزائني ملآنة وخزائني لا تنفذ أبداً يا بن آدم لا تطلب غيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن فتني فتك وفاتك الخير يا بن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب} فإن خاف الله واتقاه فتح الله له باب رزق خفى من عند مولاه فكان رزقه بلا حساب وبارك له فيه فكفاه حتى يعجب الخلق من رزق الله لأهل العقل القليل وذو النهى عاجزون ولذا قال القائل فى الرزق يسوقه الله بغير حساب من وراء الإحتساب:
لو كانت الأرزاق مقسومةً بقدر ما يستوجب العبد
لكان من يُخْدَمُ مستخدماًّ وغاب نحسٌ وبدا سعد
لكنها تجري على سمتها كما يريد الواحد الفرد
وكم من أمثلة ساقها الله فى كتابه للرزق من غير حساب كما حدث مع أم السيدة مريم عليها السلام
وقد ضرب لنا مثلين فى قصتها وأوردهما باختصار شديد: أما المثل الأول فكانت أمها عاقراً لا تنجب وذات يوم رأت طائراً أعمى فى عش على شجرة ورزقه الله بطائر مبصر يحضر الطعام ثم يضع منقاره فى منقاره حتي ينزل له
الطعام فإذا تأكد أنه شبع من الطعام ذهب وملأ فمه بالماء وجاء ووضع منقاره فى منقاره ليشرب منه الماء وهنالك
وعندما رأت ذلك أمامها علمت أن لله قدره لا يعجزها فى الأرض ولا فى السموات شئ فدعت الله وقالت كما قال الله{هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء}فلم تذهب إلى طبيب ولم يكن فى عصرها أطفال أنابيب ولكنها دعت الحبيب المجيب فاستجاب الله لها وأصلح أدواتها وأجهزتها وأهَّلها وأخرج منها مريم بقدرة من لا يسأل عما يفعل
فهذا المثل الأول للرزق بغير حساب ثم قصة سيدنا زكريا عليه السلام وهى أن زوج أم مريم بعد حملها هو هارون -
وهو غير أخى موسى وإنما شبيهٌ فى الإسم- قد توفى فلما وضعتها أنثى وكانت قد نذرت لله إن جاء ذكراً أن تجعله
خادماً لله فى بيت المقدس، ولذلك أسمتها مريم أى العابدة فذهبت إلى الكهنة تطلب من يكفلها فأقرعوا فأصابت القرعة زوج خالتها زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فكفلها وتعهدها بالرعاية حتى كبرت وعلمها كيف تعبد الله وجعل لها خلوة فى بيت المقدس تفرغت فيها لطاعة الله وكانت الخلوة مكاناً مرتفعاً لا يبلغه إلا بسلم يضعه وقت صعوده فقط ومعه مفتاح واحد وذات مرة ذهب إليها وفتح فوجد رزقاً ساقه الله من وراء الأسباب فاكهة فى غير أوانها ولا احتساب فعلم أنها قد وصلت إلى التقي الذى إذا وصل إليه عبد تولاه مولاه ورزقه من وراء الأسباب بغير حساب وعندها ماذا فعل؟سأل الله الذرية الصالحة على الفور فاستجاب له ذو العزة والجلال فى التو والحال وهذا هو المثال الثانى على الررزق بغير حساب من لدن المعطى الوهاب والأمثلة لا تنتهى وقال أبو تمام الشاعر المعروف فى قصيدته التى ذهبت أبياتها أمثالاً:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهلُ ويكدي الفتى في دهره وهو عالمُ
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا هلكنَ إذاً من جهلـهنَّ البهائمُ
فلم يجتمع شرقٌ وغربٌ لقاصدٍ ولا المجدُ في كف امرئ والدراهمُ
ولم أرَ كالمعروف تدعى حقوقه مغارم في الأقوام وهي مغانمُ
البشرى الثامنة
السعى فى طلب الأرزاق باب فتح الرزَّاق
وهذه البشرى العظيمة بها حفظ ناموس الحياة وقوانينها وهى السر الذى يرزق الله به كل من قام للدنيا بحسب شئونها وطبق نظامها وببركتها لا يدع الدين مجالاً لأتباعه أن يكسلوا أو يتقاعسوا فقد بشر الله كل من أراد أن يأكل من رزقه
أو فضله فقال{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}وقال النبى موجها أصحابه وأحبابه إلى طلب الأرزاق والسعى إليها{الْتَمِسُوا الرزْقَ فِي خَبَايَا الأَرْضِ} وأمرهم بالسعى مبكراً فى طلب الأرزاق والسعى على المعاش فقال
{إذا صليتم الفجر فلا تناموا عن طلب أرزاقكم}فهذه البشرى هى التى تدفع كل مسلم للأخذ بالأسباب التى سنها الله فى الوجود وإلا سنجد فى المسلمين من يجلس ويقول رزقى سيأتينى كما يأتينى أجلى وتتعطل الحياة ويخلد الناس للكسل
ولكننا نأخذ بالأسباب وعيننا على خالقها فأنا أشرب الدواء وأعلم علم اليقين أن تأثيره ليس ممن صنعه؟ أو كتبه؟
ولكن من الذي وضع فيه التأثير وخلقه ثم حركه فى داخلى وأذن بالشفاء، وهو الله فهذه البشرى الرائعة من الأهمية
بمكان إذ أخطأ الكثير منا فولجوا باب الدعاء تخفق قلوبهم بالرجاء يدعون بالليل و النهار ولكن لا يأخذون بالأسباب
التي أمر بها الله عندما أمرنا أن نمشى فى مناكبها أى أعاليها كالجبال فاصعدوا القمم بحثـاً عن أرزاق الواحد المتعال
مع الدعاء لحضرته لتفعل الأسباب وانظروا إلى عمر إذ رأى شباباً أشداء يعمرون المسجد ويدعـون فسألهم من أين تأكلون؟ فسكتوا فقال{لا يَقْعُدْ أحدُكمِ عن طَلب الرِّزق ويقول: اللهم ارزُقْني وقد عَلِم أن السَّماءَ لا تُمْطِرُ ذَهَباً ولا فِضة
وإنّ الله تعالى إنما يَرْزق الناسَ بعضهم من بعض}وضربهم بدرته وأخرجهم من المسجد ليلتمسوا الأرزاق فالبشرى العظيمة هى فى المنهج القويم والطريق المستقيم لمن أراد أن يمشى على شرع العزيز الحكيم ويحظى فى الدنيا بكل
العزة وتكريم أن يمشى كما أمر الله فيأخذ بالأسباب التي أمر بها مولاه ويبذل فيها جهده ولا يدخر وسعاً فيها ويستعين على ذلك بطاعة الله والدعاء لله قال الرجل الصالح رضى الله عنه وأرضاه فى شعر الحكمة:
توكل على الرحمن في الأمر كلـه ولا ترغبن في العجز يوماً عن الطلب
ألم تر أن اللـه قال لمريم وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزِّه جنته ولكن كل رزق لـه سبب
واستمع لقول إبن أبى الصلت فى حكمة السعى على المعاش بيقين:
لا تقعدن بكسر البيت مكتئبا يفنى زمانك بين اليأس والأمل
واحتل لنفسك في شيء تعيش به فإن أكثر عيش الناس بالعمل
ولا تقل إن رزقي سوف يدركني وإن قعدت فليس الرزق كالأجل
وقالوا زوَّج العجز التوانى والكسل فانتجا الحرمان وفقدان الأمل قال أبو المعافى:
كأن التكاسل أنكح العجز بنته وساق إليها حين زفت له مهرا
فراشاً وطيئاً ثم قال لـه اتكي رويدكما حتماً أن تلدا الفقرا
وقال أحد الحكماء فى سر العمل ويشير إلى الأمر بظاهره وباطنه :
العلم يهتف بالعمل فاعمل تنل كل الأمل
بالعلم يخشى الله من كل عليم قد وصل
العلم كشف الحجب من سر الحقائق في الأزل
علم يقين بعده عين اليقين بلا وجل
من بعده حق جلي حق اليقين لمن عقل
من بعد ذا فوق المقام جميعه كبرى الولاية فاتصل
البشرى التاسعة
بشرى البركة
ولكى نفهم المقصود من تلك البشرى فإننى أقول أننا نقع فى اللبس فى الفارق بين ما صرفه الله لنا من الرزق المسطور وما نريد أن نصرفه من المال المنظور كيف؟لأننا قد نسينا أن الذى يرضى بما قدّره له الله يأتيه دعمٌ من مولاه ما إسمه؟اسمه البركة نعم إسمه البركة وماالبركة عندما تأتى البركة فى القليل تقوم مقام الكثير من أين هذا ؟ فى كتاب الله
وفى سنة حبيب الله؟{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}لم يقل فتحنا لهم خيرات فالخيرات كما هى لكن يضع فيها البركة أهذا واضح؟خذوا أمثلة وهى أكثر من أن تعد أو تحصى:إذا كان الأكل فى
البيت يكفى إثنين يجعله يكفى عشرة ويزيد طالما فيه البركة وإذا كان الجلباب أو الحُلّة تبلى كل سنة فبالبركة تمكث السنين ولا تبلى ومن يراها يقول مبروك على الثوب الجديدلماذا؟لأن فيها بركة الله ومن عجيب بشرى البركة
وهذه تستدعى صفاء الذهن لكى نستوعبها قول الحكيم{من العصمة ألا تجد}فكم زيادةٌ فى الرزق فتحت على العبد باب وسعة دخل منها على عصيان الله فأكلت منه الأخضر واليابس وفتحت عليه وعلى بيته أبواب شهوات ورغبات لا
يطيقونها وقد عصموا منها أولاً بفقدان الوسعة وكلكم يعرف قصة الذى نصحه النبى لما طلب الدعاء له بالزيادة :
أن قليل تشكر خير من كثير لا تطيق فلم يسمع وأصرَّ فدعا له فزاد ماله ونما وزاد جشعه حتى قال عن الزكاة لما سئل دفعها: إن هى إلا أخت الجزية فأعقبه الله نفاقا فى قلبه إلى يوم لقياه إذاً أفلم يكن الفقد أو ضيق ذات اليد التى كان فيها أولاً له بركة ومنة عليه ومن البركة حجز الأمراض وإبعاد الأعراض فربما أتاك من المال الألاف ومعه مرض بعشرات الألاف فتصير أفقر أفلم يكن المنع أغنى وأبرك وربما فتح لك المال مصاريع المشاريع فوقعت فى أرضها قتيلاً أو صريع فقد المسلمون البركة الآن فأطلقوا أيديهم ليحصلوا مرادهم لم؟ لأن ليست معهم بشرى آية سورة الطلاق من قول الله{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}بماذا أو كيف؟هذه هى البركة هل فهمنا هذه البشرى؟كيف تأتى وما أثرها؟إذا فهمنا ذلك أجيبونى إذاً من أغنى الناس؟ من رضى بما قدّره الله له من الحلال وسارع فى طاعة ذى الجلال فأتته البركة التى تُحيّر الناس كلها فى شأنه وهذه معجزة الإسلام المستمرة إلى يوم الدين هؤلاء أغنى الناس ومن عيون أسرار بشرى البركة استجابة الدعاء فيكون الشيىء قليلاً فتدعو الله فيستجيب لك فيكفى القليل أو تنزل النازلة وليس عندك طاقة لصدها ولا لصرفها فتدعو فتكشف وتفوز بالأجر والنجاة معها هدية تجد الناس فى المجتمع دخلهم قليل ولكنهم يعيشون أفضل من أناس دخلهم كثير بل وهم من الجماعة الذين يدخلون الجنة بغير حساب فالذى يراقب الله و يتحرى الحلال فى مطعمه ومشربه ولا يستزيد مما يغضب الله فهو ولى من أولياء الله لأنه من أهل الإستجابة وحلت عليه وفيه البركه سيدنا سعد سأل رسول الله قال : يا رسول الله كيف أكون مستجاب الدعوة ؟ ماذا أفعل ؟ لم يُعطه كماً من العبادات فى الليل أو الصيام فى الحر أو كماً يتلوه من القرآن؟ لا هذا ولا ذاك بل قال له قولاً مباشراَ{يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ } شرط واحد كُلْ حلالاً تكن دعوتك مستجابة هل نريد أكثر من ذلك لحل مشكلاتك وصلاح زوجك وأولادك والبركة فى بيتك وولدك ومالك لا أظن
قال الإمام على كرم الله وجهه ورضى عنه:
لاَ تَخْضَعَنَّ لِمَخْلَوقٍ عَلى طَمَعٍ فَإِنَّ ذَلِكَ وَهْنٌ مِنْكَ في الدِّيْنِ
واسْتَرْزِقِ اللَّهَ مِمَّا في خزائِنِهِ فَإِنَّما الأَمْرُ بَيْنَ الكافِ والنُّونِ
إِنَّ الَّذي أَنْتَ تَرْجوهُ وَتَأْمُلُهُ مِنَ البَرِيَّةِ مِسْكِيْنُ ابْنِ مِسْكِيْنِ
ما أَحْسَنَ الجُوْدَ في الدُّنُيا وفي الدِّينِ وأَقْبَحَ البُخْلَ فِيْمَنْ صِيْغَ مِنْ طِيْنِ
ما أَحْسَنَ الدِّيْنَ والدُّنْيا إذا اجْتَمَعَا لا بَارَكَ اللِه في دُنْيا بِلا دِيْنِ
لو كان باللُّبّ يَزْدادُ اللَّبِيْبُ غِنًى لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ مِثْلَ قارُونِ
لَكِنَّما الرِّزْقُ بالميزانِ مِنْ حِكَمٍ يِعُطَى اللَّبِيْبُ وَيُعْطَى كُلُّ مأْفُونِ
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175
[1] سنن الترمذى عن أنس
[2] عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أخرجه أحمد: المسند الجامع
[3] ورد فى المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي
[4] للدارقطني في السنن في الأَفراد للبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة (ابن عساكر ) عن عبد اللَّه بن أبي ربيعة
[5] للطبراني في الكبير عن ابن عباس كنز العمال
[6] رواه الطبراني فى الصغير عن ابن عباس.
[7] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة، ورواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما من حديث واثلة عن أبي هريرة، الترغيب والترهيب
[8]وروى ابن ماجه عن ثوبان قال ورواته ثقات
التعليقات (0)