مواضيع اليوم

من "الأرض مقابل السلام" إلى "التوطين بلا مقابل"!

ممدوح الشيخ

2009-01-17 20:32:09

0

 

 

بقلم/ ممدوح الشيخ

mmshikh@hotmail.com

 

بينما المساعي العربية تتواصل في الأمم المتحدة، وقبل صدور القرار الدولي الذي رفضته حماس، اتصلت بي محطة إذاعة عربية تطلب رأيي في مسودة القرار وتوقعي لمسار الأحداث في مأساة غزة، ولفت نظري أن المذيع يركز بشكل ملفت على احتمال ضم غزة إلى مصر، وضم الضفة الغربية إلى الأردن، انتهيت من هذا اللقاء الإذاعي وعدت إلى جهاز الكومبيوتر لاستكمال جولة إخبارية كنت قد بدأتها قبله فجدت تقريرا إخباريا عن الموضوع نفسه بثته وكالة الأنباء الفرنسية في اليوم نفسه وأخذ مكانه في صدر العديد من المواقع الإخبارية.

وفي اليوم التالي كان على مكتبي تقرير إخباري عن اتجاهات الصحافة الأمريكية في التعامل مع ممكنات الحل وكانت فكرة الضم هذه تتردد منسوبة إلى محللين كبار ومسئولين سابقين سبق لهم شغل مناصب مرموقة، كما كان عاملا مشتركا بين "وصفات" العلاج التي تطرحها المؤسسات البحثية الأمريكية الكبيرة.

بدأت أرجح أن شيئا ما يتم إنضاجه أو ربما تم إنضاجه بعيدا عن الأضواء وحان وقت تسويقه. أول استنتاج يترتب على مقدمة الضم – المحتمل – أن الضم معناه "تصفية" القضية الفلسطينية – ربما نهائيا – وأن يصبح دور مصر بالمعنى الحرفي حماية حدود إسرائيل وأمنها. النتيجة الثانية المحتملة: مواجهة دموية تقوم بها مصر ضد ما يتبقى من "حماس" بعد العدوان الرهيب الذي تتوالى فصوله الآن، واختلاط الأوراق بين ملف الإخوان المسلمين في مصر وحماس في غزة ليس جديدا ويعد نموذجا من نماذج "عمى البصيرة" المتفشي عربيا.

لكن مد الخطوط على استقامتها للأمام، بأمل استشراف المستقبل، اقتضى أيضا العودة إلى الوراء لاستصحاب عبرة الماضي. فقد سبق أن تولت مصر مهمة إدارة قطاع غزة لسنوات بعد تداعيات حرب 1948 لكن الصدام بين الإخوان والنظام المصري لم يجعل إخوان فلسطين هدفا للإجراءات نفسها التي اتخذت في مصر عقب حل الجماعة، فبقي إخوان غزة يعملون بقدر كبير من الحرية حتى 23 يوليو 1952.

وبين 1952 و1954 كانت "الهدنة" بين الإخوان وضباط يوليو فترة هدوء بالنسبة للإخوان في غزة، ولكن "حادث المنشية" عصف بهذا الهدوء بدأت توابع الصدام تنتقل من القاهرة إلى غزة. وقد أضاف ضباط يوليو إلى موقفهم من الإخوان صراعا آخر مع الشيوعيين، وما إن جاء عام 1955 حتى كانت الإدارة المصرية للقطاع على عداء مع القوى السياسية الفلسطينية كافة، والأهم هنا أن "الهيئة العربية العليا" ورجال أمين الحسيني كانوا ينظرون لضباط يوليو بريبة بسبب علاقة الحكومة المصرية بـ "مشاريع التوطين"!!

وفي نهاية فبراير 1955 شهد القطاع غارات إسرائيلية عنيفة (أشهرها "مذبحة المحطة" الشهيرة وأسفرت عن 39 قتيلا و33 جريحا)، واعتبر كثير من الفلسطينيين أن الغارات جزء من مخطط أوسع تشارك فيه الحكومة المصرية هدفه تهجير فلسطينيي قطاع غزة وتوطينهم في العريش، وكانت الأنروا ومعها الإدارة المصرية تقوم بإغراء الفلسطينيين بالبيوت المشيدة البعيدة عن خطر الغارات!!

وكانت غارات نهاية فبراير الشرارة التي أطلقت الغضب الفلسطيني ضد الأنروا والإدارة المصرية وتعرض الجيش المصري لإهانات بسبب ما سماه الفلسطينيون "فشله في الدفاع عن نفسه" وقذف الغاضبون سياراته بالحجارة، واتهم الفلسطينيون بالتقصير والخيانة معا، وكان الشعار الأشهر وقتها: "لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان"!

لكن المفاجآة الخطيرة في هذا كله كانت الكشف في مارس 1955 عن وجود اتفاقية موقعة بين الحكومة المصرية ووكالة الأنروا تلتزم مصر فيها بتوطين لاجئي قطاع غزة في سيناء وقد استطاع الشيوعيون عن طريق موظفة فلسطينية في الوكالة الحصول على نسخة منها وتم طبع 5000 آلاف نسخة منها ووزعت في القطاع فتضاعف الغضب الفلسطيني وأصبحت الشعارات أقسى ومنها: "تسقط الديكتاتورية العسكرية"، "لا صلاح في جمال وجمال في صلاح"، "يسقط حكم البكباشية"، وليته سقط "حكم البكباشية" فربما لو سقط ما وصلنا إلى هذه المهزلة!

إن الضم مطروح بقوة، وإذا حدث فإن الترحيل (ومن بعده التوطين) سيكون مؤكدا، وبذلك يكون الإسرائيليون قد نجحوا تماما في "تصدير" مشكلتهم إلينا، والمثير أن كل من تحدثوا عن ضم غزة لم يقولوا لا تلميحا ولا تصريحا ما المقابل..يعني "بكم"؟

والدرس الأهم في هذا الفصل من تاريخ القضية الفلسطينية الذي لا يعرفه كثيرون أن شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" ليس تلخيصا دقيقا ولا أمينا لموقف عبد الناصر من هذا الصراع!




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !