ربما هو إحساسي كمواطن جزائري، بالتحسن الملحوظ ـ وإن كان طفيفا ـ للأوضاع الأمنية والإقتصادية والإجتماعية، هو ما يجعلني أتفهم تشبث الشعب الجزائري أو جله، بشخص الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (أو ما أبقى الزمن والمرض من جسده المنهك والضامر) . لكن ورغم كل الإنجازات التي حققها الرجل على مدار 14 سنة من حكمه، والتي يشهد عليها واقعنا المعاش ـ وأهمها إخراج الجزائر من دوامة العنف وإرساء قواعد الأمن والإستقرار ـ إلا أنه يبقى بشرا، ومهما كابر ـ على حساب نفسه وجسده وصحته ـ من أجل أداء مايراه واجبا مقدسا، فسيهوي في النهاية رغما عنه، حين يحاصره المرض ويكبله الوهن ..
فلمِ إذن يبقى أمل وطن بكامله معقودا على شخص واحد ؟!.. شخص لن نبخسه قدره وثمنه بالتأكيد، لأن التاريخ الذي يسجل آثار المارة من هاهنا، سجل له وفي حياته، أنه شخص أحب وطنه بصدق، وقاده بإخلاص وأمانة، فحقق له في عقد ٍ واحد فقط، مالم يتحقق له على مدار خمسة عقود كاملة مذُ إستقلاله . وبالمقابل أحبه الوطن بما حوى من بشر وشجر وجماد .. ولكن .. هل يكفي الحب وحده في عالم تطغى فيه المادة على العلاقات ؟!.. وهل يكفي الحب وحده، لأنه وحتى وإن كان قوة معنوية ونفسية، يستحيل ضعفا في عالم السياسة والإقتصاد وإدارة شؤون الأوطان ؟! ..
ونحن ـ كشعب ـ إذ نتشبث بشخص عبدالعزيز بوتفليقة وهو في حالته الصحية التي لم تعد خافية على القاصي والداني، وإغماض أعيننا عمن سواه من بدائل، وكل ذلك بدعوى الحب، هي قمة العبثية ـ رغم نبل المشاعر وصدق النوايا ـ ليس بمصائرنا الفردية فقط، بل بمصير الجزائر ككل .. لأن (لوبيات) السلطة العميقة للجزائر، تستغل عاطفة الحب النقية تلك، لإبقاء الوضع ضبابيا، غامضا، كما هو الآن : فراغ في السلطة . شعب مغُيب تماما عما يجري في دهاليز الحكم . إستنزاف لامسؤول لأموال الشعب وثروات الوطن .. وأهم دلائل على كل ذلك : التغييرات الحكومية المباغتة والمفاجئة . تعيين قائد أركان الجيش نائبا لوزير الدفاع (ووزير الدفاع في الجزائر هو رئيس الجمهورية) . سعي دؤوب في أروقة الدولة لتعديل الدستور واستحداث منصب نائب للرئيس (أي أن الرئيس بوتفليقة ـ أطال الله عمره ـ لو أنتخب لعهدة رابعة، فسيكون رئيسا شرفيا .. مايعني أن البلاد سيحكمها قائد أركان الجيش، ونائب رئيس بصلاحيات محدودة جدا ؟!.. والمعلوم أن الكثير من تلك الإرهاصات المستقبلية التي يتم التحضير لتقنينها، هي معُاشة في حاضر الجزائر من أن الرئيس فعلا شرفي، والجزائر يحكمها العسكر، لكن كل ذلك (تحت الطاولة) ..
مادام الأمر كذلك، فلم إذن لانعتق فخامته من تحمل المزيد من المسؤولية التي أنهكته، وأصبحت عبئا ثقيلا عليه، وحتى علينا شفقة وعطفا عليه ؟!.. ولم لاننعتق نحن، من أنانيتنا الجماعية التي يغذيها فينا الجبُن، والإتكالية، والخوف من (المجازفة) بتحرير رجل، فقط لأنه حررنا ذات يوم من أسوإ مخاوفنا وكوابيسنا (الإرهاب)، ونحن نخشى إن فقدناه نفقد الأمن والأمان ؟!.. لكن ماذا لو كانت المجازفة بالإبقاء على الحلم في واقع لايعترف بالأحلام كثيرا، أكبر من التخلي عنه ؟!.. وماذا لو كان مستقبل وطننا ومستقبلنا نحن وأبناءنا من بعدنا، يتطلب منا أن نواجه أسوأ مخاوفنا، وأن نجازف ؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الدين ــ الجزائر/تمنغست : 18.09.2013
التعليقات (1)
1 - tazrouk
interha - 2013-09-18 15:52:49
قالوا إن رحل بوتفليقة فمن سيحكم و قلت أين ما قاله بومدين دولة لا تزول بزوال الرجال.العهدة الرابعة و ببساطة ستكون الكارثة للزائر.