هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ
المسالة تتعلق بدرجة اداركنا لحقيقة الدلالات التي يحملها القران الكريم فالنص القراني له عمق باطني وهو العمق المتشابه والذي نهايته عمق التأويل الذي لايعلمه الا الله ولذالك قال(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) وعند كلمة (وَالرَّاسِخُونَ) ابتداء كلمة جديدة اي ان الراسخين في العلم لايعلمون تأويل القران الكريم .! ففي العمق المتشابه الباطن تكمن جزئيات الكليات التي يحملها القران في عمقه الظاهر وتكمن جزئيات شعائر العبادات التي اتت السنه الشريفة لاستخراجها من اعماق هذا العمق والا كيف يكون القران الكريم تباينا لكل شئ ان اقتصرت دلالاته على ماندركه من عمق الظاهر. فالعمق المتشابه هو دلالات مخفية في باطن القران الكريم يحتاج كشفها ورؤيتها الى رفع الاغطية التي تكمن تحتها هذه الدلالات فكل غطاء تحته عمق وكل غطاء جديد له عمق جديد من هذه الدلالات
واضح بشكل جلي ان هذه الايات فسرت تفسيرا تأريخيا خاطئا تماما على مر الاجيال المتعاقبه من قبل المفسرين الذين يصرون على تفسيره محمولا بالتاريخ والاصل ان القران الكريم حاملا للتأريخ وليس محمولا به..!
حيث قال المفسرون فيها ان ايات الله تعالى تنقسم قسمين .. منها المحكم .. و منها المتشابه و هذا سبب ظهور نظرية الناسخ و المنسوخ في القران ..وهو اساءة كبيره لايات الله تعالى واوضح ان السر في كلمة - ايات - هنا فهي لا تعني ايات قراءنيه او نصوص قراءنيه بل هي احكام..! و شرح الايه ببساطه هو ان كل نص قرائني فيه احكام واضحه صريحه بينه .. و هذا النص - ذاته - يحمل احكام باطنه .. تحتاج الى التدبر في النص القرائني للوصول الى هذه الاحكام مع تطور الزمن..! وهذا واحد من الاعجازات القرانية حيث ان كل جيل يستطيع ان يغوص الى اعماق لم يستطع الاوئل الغوص فيها ومن ثم استخراج احكام جديدة ودلالات جديده ولألئ جديده تتلائم مع مقتضيات العصر المتغيير دوما والمتجدد دائما وبهذا يتسع القران الكريم لكل جديد ويتفتق بكل جديد مع تفتق اذهان وعقول المتدبريين له والغائصون في بحرهِ العميق الذي ليس له قاع..!
كما ان الايه الكريمه .. لغويا لا تعني ابدا ان القران يحوي نصوصا محكمه و اخرى متشابهه فالقران كله متشابه والدليل (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد) وهو ذاته (القران الكريم) محكم ولذلك قال (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ولو كان الامر كما يقول المفسرون يعني قسم من الايات محكمة وقسم اخر من الايات متشابه لقال الله عزوجل (منه ايات محكمات هن ام الكتاب ومنه متشابهات) لكنه تعالى قال (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) والسر في كلمة ( اخر) والتي تعني ان الاية تكون محكمة (ظاهر واضح) وهي ذاتها ذاتها ذاتها متشابهه (عمق باطن عميق جدا لكن لايختلف مع الظاهر)
حيث ان كلمة مثاني من خلال القران الكريم في الايه الكريمه
]وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ[
ومبدئيا ان تفسير المفسريين الاوائل ان المثاني هي سورة الفاتحه .. هو خطا نتج عن عجز عن التفسيرلان سورة الفاتحه جزء من القران الكريم .. لا ينفصل عنه
بينما الايه الكريمه توضح ان هناك شيئين لا شيء واحد المثاني و القران الكريم
اما تفسير كلمة مثاني من خلال ايات الله تعالى فهو ببساطه (ثنى الشيء بمعنى طواه)
و هذا يعني ما في قلب القران الكريم من معان تظهر من خلال التدبر لايات الله تعالى اي ان درجة فهم القران الكريم و تفسير ما فيه تحمل سبع درجات (او اعماق بطانه مطوية) .. ينعم الله بها على اي عبد وفقا لقربه من الله و تدبره لكتابه
فمنهم من لا يدخل اي درجه من تلك الدرجات السبع من الاساس .. خصوصا اذا قرأ القران كاداء للواجب و منهم من يتدرج فيه درجه درجه كلما اقترب فيه من الله تعالى بمعنى ان مثاني القران .. هي درجات تفسير العبد لمعانيه وفقا لقربه من الله تعالى و هي سبع درجات .. و علمها عند الله كما هي سبع سموات على سبيل المثال
و يظهر هذا من خلال الاعجاز العددي في القران الكريم وهذه الايه الكريمه
التي اعتمد عليها انصار الناسخ و المنسوخ في القران تعني ببساطه
ان كل نص قراءني له وجه ظاهر محكم .. و له وجه باطن من خلال التدبر فيه وهذا التدبر ينقسم الى سبع درجات في العلم لكن التاويل الكامل للقران ما ظهر من احكامه و ما بطن هو لله تعالى فقط والدليل (ومايعلم تأويله الا الله) يعني لايعلم ادنى وآخر عمق من التأويل الا الله ولا أعلى سقف من التاويل الا الله تعالى..
(هل ينظرون الا تاويله يوم ياتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون)
ولقد سألني بعض الاخوة بعض الاسئلة وجبت عنها بالشكل التالي 1- (هل يكون اتباع ذالك العمق سببا لذم المتبع.؟ ) نعم قد يكون سببا لذم المتبع اذا غاص بعيد عن دلالات المحكم البين وشط وتاه في غياهب الهوى وكهوف العصبية وهو مايعني (ابتغاء الفتنة) يأتي بتفاسير بعيدة كل البعد عن مراد الله لأن الساحة ساحة غيبيات وليس حدث, مثلا (وتوكل على الحي الذي لا يموت) يقول لك هذه تفسر يعني التوكل بـ علي رض لأنه حي شهيد لايموت في جنة الخلد) فيكون هنا الميل والانحراف تجاه عصبيات طائفية او مذهبية شاذه تغلف بغلاف الدين حيث يوظف الدين لخدمة شراذم رؤوس الفتنة.! ولكن هذا ايضا لايعني التكلس والتحجر وعدم المرونه بالغوص بتأني وتؤده لأستكشاف دلالات جديدة لأحداث جديدة معاصرة تستنبط من ايه معينه وهي التي قال عنها الله تعالى(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) فالصياغة اللغوية للقران الكريم اشبه بوعاء عميق للمعاني او بحر لايعلم عمقه الا الله تعالى وهي ساحة الحدث المعاصرة, وساحة الاعجاز لأن ايات الله فيها مرونه ومطاطية تجعلها تتسع لكل العصور.! وربما في هذا جواب ايضا حواب حول سؤالك عن فائده المتشابه والجواب هو استنباط احكام جديدة لأحداث جديدة هذا اولا وثانيا هي الدعوة الدائمه والحث المتصل بالتدبر والتفكر والتأمل ولكي تتفكرون وتعقلون ..!
2- ماهي العلاقة بين المحكم والمتشابه بالناسخ والمنسوخ..؟ أهل التفسير التراثي الجمعي ولانهم لم يقفوا على دلالات الاية ولذالك ابتعدوا عن معاني هذه الايات الكريمات وهم من قال ان المحكمات تنسخ المتشابهات .! فحملوها على الناسخ والنسوخ وبالمناسبة حيث ما تجد ناسخ ومنسوخ فأعلم ان هناك لبس وعدم غوص حقيقي في الدلاله.!
3- بخصوص (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) لاتعني الايمان بالمحكم فقط بل امنا به (كل من عند ربنا) تعني المحكم الظاهر والمتشابه (الاعماق الاخرى) الاثنين معا يجب الايمان بهما انهما من عند الله وليس نؤمن بالمحكم ولانؤمن بالمتشابه لأنها منسوخه .!
4- اذا اكتشفنا عمق جديد لايه معينة يتحول هذا العمق المتشابه فورا الى محكم لأنه ظهر وتبين دلالاته ويكون البحث من جديد عن عمق اخر جديد وهكذا الى قيام الساعة يوم يأتي تأويله بالكامل.!
اميل الى تصنيف هذه المتشابهات الى طبعات جديدة وترجمة متجددة من الافهام للقران الكريم وربما هي تلك الساحة التي قال عنها ص (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي دينها )هي اشبه بتجديد الافهام والغوص بعمق اكثر من اعماق الجيل السابق وهي بلا شك دعوة قوية جدا لـ افلا يعقلون و افلا يتدبرون وافلايعقلون وهي تعني بالضرورة عدم وضع افهام الجيل السابق كسقف كونكريتي مقدس لا يجب خرقه ولا يجب الاقتراب منه.! بل هي دعوة صريحة لتجاوزهم مشكورين لماقدموا وعدم اتخاذهم اصنام تعبد واعتبار كل مايقولونه كأنه نص لايجوز تجاوزه هم بشر فكروا جزاهم الله خيرا ونحن ايضا يجب ان نفعّل عقولنا لأن تفسير القران اشبه بفرجال يبدأ بنقطة معينه ثم تفتح عتلتي الفرجال فهي دائما في الاتساع ودائما في الاتساع متسع اكبر فأكبر وليس العكس
هؤلاء الرجال المتدبرون لأيات القران الكريم عندما يسلكون طريق المتشابه يعرفون جيدا ان الطريق ليس معبدا وفيه مزالق وتعرجات ولكن عندهم الشجاعة ايضا ليكونوا كرافعه للأمه ولأفهام الامه لأنهم بالحقيقة غالبا مايكونون سابقين لعصورهم
إن الخطاب القرءاني نزل وفق الثابت والمتغير، فماكان ثابتا في الكون أتى بصيغة محكمة مثل قانون الحركة وارتباط الحياة بالماء....، وماكان متغيرا اتى في النص بصيغة متشابهة يتطور مع تطور العلم وادواته
التعليقات (0)