ألشيخ اسعد عارف الظاهر
مسـجد المشـاقي الجــديد ياصـيد
اسم الخطبة : { منكرات الاعراس }
رقم الخطبة : { 727 }بتاريخ {24-5-2013م}
الموافق { 14رجب1434هـ}
_____أما بعد عباد الله:
إن نعم الله علينا كثيرة ومتتالية: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} سورة النحل 18. ومن هذه النعم، نعمة الزواج، بل إنها آية من آيات الله
ولكن- وللأسف الشديد- بدل أن يشكر الله على هذه النعمة، ويراعوا فيها الآداب الإسلامية، فإنها تنقلب الموازين، فتصبح السنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً، والصالح فاسداً، والفاسد صالحاً، والخائن أميناً، والأمين خائناً، وتنقلب السعادة إلى شقاء، والفرح إلى ضنك وتعاسة، وما كان مستهجنا اصبح مستساغا ، فتبدد الأموال، وتهدر من أجل شهرة زائفة، أو رياء ممقوت، وهذا ما يفعله أكثر الناس اليوم في جميع أفراحهم، وخاصة في أفراح الزواج حتى بات مجرد ذكر الزواج يورد علينا الخواطر الرهيبة، والمشاق المدمرة، والأشباح المخيفة، بسب ما يكتنفه من تكاليف مالية باهظة، وتقاليد زائفة، ناجمة عن حب الشهرة والرياء، ومطلب التفاخر، مما أدى بالغالبية العظمى من الشباب إلى الفرار من الزواج، وصرف النظر عنه.
حديثي إليكم اليوم عن موضوع نشترك جميعًا في كُرهه، ونشارك معًا في بقائه، نعترف فيه بخطئنا، وتغلبنا عليه عوائدنا وشهواتنا، يمارَس الخطأ فيه من قبل الرجال والنساء، والفقراء والأغنياء، وتسري آثاره في الحضر والبوادي، نزاوله ونحن له كارهون، وننتقده ونحن له فاعلون!! ينهى عنه ديننا، وتعجُّ به دنيانا، نحمل أثقاله على كواهلنا، ونظل بعده في حيرة وقلق مما صنعنا!!
تُرى أي ظاهرة تلك التي بلغت مبلغها من الحرج في حياتنا، ولربما تراكمت الديون بسببها في ذممنا؟!
إنه الإسراف، والإسراف في أكثر من مظهر: في المطعم والمشرب، والملبس والمسكن، في الكلام أو الصمت، وفي المدح أو الذم، في السهر والنوم، وفي المناسبات والأفراح، الإسراف في إهدار الطاقات، وليس الماء إلا نموذجًا لها، وإضاعة الأوقات، وهي من أغلى ما نملكه في هذه الحياة، والإسراف في نقد الآخرين، أو تزكية الذات، إسرافٌ حسي، وإسراف معنوي، وظاهر وخفي... إلى غير ذلكم من مظاهر الإسراف الأخرى.
وما من شك أن الإسراف في العنف يولد أضرارًا وآثارًا سيئة أول من يتضرر منها المسرفون أنفسهم.
والمصيبة أن مثل هذه الظواهر، أو بعضها يقع فيها المتعلم والأمي، ولا يكاد ينجو منها العالم، وغيره من باب أولى، وتتحدث عنها وسائل الإعلام محذرة، ولربما ساهمت مساهمة فاعلة في انتشارها!
ويتحسر لها العقلاء ولكنهم واقعون في شراكها! ويبلغ الحرج مبلغه فيها حين يتحدث المتحدثون محذرين، وهم –كغيرهم من الناس- في المحذور واقعون! ولكنها قضية لا بد أن نصارح أنفسنا بها، ولا بد أن نتعاون جميعًا في تشخيصها وعلاجها، ونرفع أكفَّ الضراعة لمولانا للعفو عن أخطائنا، وإعانتنا على إصلاح أحوالنا: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة: 286]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) [آل عمران: 147].
عباد الله: المتأمل في نصوص شريعتنا الغرَّاء يجدها ناصعة البيان في النهي عن الإسراف والتبذير والأمر بالتوسط والاعتدال، فلا تُغلُّ الأيدي إلى الأعناق بخُلاً وتقتيرًا، ولا تُبسط كلَّ البسط إسرافًا وتبذيرًا: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء: 29]، (
ومشكلتنا –أحيانًا- عدمُ التفريق بين ما أمر به الإسلام، وما عنه نهى، وتختلط الأمور في حساباتنا ،فلا نكاد نُفرق بين كرم الضيافة والرياء، وبين أخذ الزينة والخيلاء، وبين ما ينبغي أن يتسابق فيه المتسابقون من أعمال الخير ابتغاء مرضات الله، وبين ما يُنفق وهو يحمل المنَّ والأذى! فرق بين من يقف عند المباحات في الدين، ومن يتجاوزها إلى المحرمات
أيها المسلمون: هذه وقفة عند مظهر من مظاهر الإسراف، ربما يكون من أكثرها شيوعًا، وإن كان غيرها لا يقل عنها خطرًا، إنه الإسراف في حفلات الزواج وما يسبقها وما يعقبها، ويعلم الله كم يفرح المسلم بإعلان الزواج فذاك فرق بين النكاح المشروع، وفاحشة الزنا الممنوع، وكم يُسرُّ المسلم لوليمة النكاح تُحقق بها السنة، ويتقارب بها الأرحام، وإطعام الطعام في الإسلام، وهو طريق موصلٌ إلى الجنة بسلام لمن رضي الله عنه وقبله، ولكن المأساة حين يدخل الإسراف أفراحنا، ويعكر علينا صفو حياتنا،
، فهناك حفلة العرس وما ادراك ما حفلة العرس التي لا تبقي ولا تذر ، انها الحالقة لكل ما هو جميل وممتع في هذا الزواج، فهناك الدعوات وبطاقاتها ، الجاهات وكثرة مسمياتها قبل العرس واثناء العرس وبعد العرس ، عند اللزوم وعند عدم اللزوم ، هناك الحفلة وتعدد اشكالها، والوليمة والإفراط فيها والصالة ومستلزماتها ، والصالونات ومصائبها ، والملابس ومسمياتها وفضائحها
المهور المغالاة فيها ، كان الزواج في السابق وإلى عهد قريب من أيسر الأمور، فأصبح اليوم من أشق الأمور وأعسرها؛ ذلك لأننا ألزمنا أنفسنا بأعرافٍ وشكليات، وأثقلنا كواهلنا ببدع ورسميات، ما أنزل الله بها من سلطان.
لقد أحيط الزواج في هذه الأيام بأغلال الفخر والخيلاء والمباهاة والتقليد، حتى أصبح الحلال عسيرًا، بينما ترى شياطين الإنس والجن قد جعلوا الحرام مبذولاً يسيرًا. فالشاب اصبح لا يستطيع الزواج او مجرد التفكير به، إلا ان يكون صاحب رصيد ضخم في البنك ليستطيع توفير الكثير مما يطلب منه ، وهذا الكثير لم يصنعه الشرع بل العرف والتقليد والمفاخرة والمباهات والمكاثرة ، والرياء الإجتماعي الزائف ، بنت فلان مهرها كذا، ذهبها كذا، اثاثها ايطالي ، الثلاجه، البوتغاز، المكنسة الكهربائية، الغسالة ،التلفزيون الكمبيوتر كلها لازم مستورده ، سيارتها شبح هذه لغة العصر اليوم – سياره شبح ، بلفون شبح، حتى يصبح العريس نفسه إن أقدم شبحا، او تطارده كوابيس هذه الأشباح ، والرسول –ص – يقول (ايسركن صداقا اكثركن بركة )
ولو كان غلاء المهور مكرمة في الدنيا او تقوى عند الله لكان اولاكم بها رسول الله – ص- وبناته وزوجاته، من في نساء الأرض اليوم افضل من فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة والتي كان عفش بيتها عباره عن طاحونة وجلدا مدبوغا ووسادة حشوها ليف ومسبحة من النوى وكوزا وقصعة ) واما لباسها وهي عروس خرجت وعليها شملة من صوف رقعت في اثني عشر مكانا ، وكانت تطحن الشعير باليد وتقرأ القرآن باللسان ،وتفسره بالقلب، وتحرك المهد بالرجل ،وتبكي بالعين ، وامرأة اليوم تضرب الدف باليد وتغتاب باللسان وتحب الدنيا بالقلب وتغمز بالعين فشتان بين الثرى والثريا.
1. ويبدأ المسلسل
A. بطباعة أعداد كثيرة من بطاقات الدعوة، بأشكال غريبة جذابة وألوان مختلفة وإطار مزخرف ، ، تكتب بصيغتين مختلفتين: واحدة بإسم حرم فلان ام العريس وام العروس وأخرى بإسم فلان ابا العروسين مجموعة للخطبه واخري للحنا وثالثة للزفة ، يتنافس أهل الزوجين في نوعيتها مهما غلا ثمنها ولم يكتفى بها بل اضيف اليها الدعوة العامة بمكبرات الصوت بالمساجد..........
B. :ثم تأتي الصالة ويشترط بعض الأولياء إقامة حفل الزواج في أغلى الفنادق أو في أفخم قصور الأفراح أو أغلى صالات الاحتفالات بقصدُ المباهاة والمفاخرة، والتقليد الأعمى للآخرين، وحُب الظهور على حساب الزوج الذي يلجأ في معظم الحالات إلى استدانة الأموال أو الاقتراض من غيره حتى يلبي تلك الرغبة، وفي ذلك إهدار للأموال وتضييع وصرف لها في غير محلها
C. ويبدأ الاستعداد للوليمة وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس ،وربما استدانها أو اقترضها او باع ارضا من اجلها ،وقد حضرها من جاء إليها (مجاملة)، وحضرها من الأغنياء من لم يطعمها، ومنعها الفقراء فلم يدع إليها أصلاً، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شرُّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعى لها الأغنياء ويمنعها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". فلا يكتفون بقدر الحاجة وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة. وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها , فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة وإذا فضل شيء عن الحاجة بحث عمن هو في حاجته، وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان لتأكله الدواب ويسلم من الامتهان.
D. ومن منكرات الأفراح : استخدام المفرقعات النارية التي حلت محل اللأعيرة النارية التى ما تركها الناس إلا بعد ما أودت بحياة الكثير من المسلمين ، إثر طلق ناري طائش ، وتحول الأفراح إلى مآتم وأتراح ، فلا بد من منع تلك المهازل ، لما تسببه من إزهاق النفوس البريئة وتقطيع الأطراف، وإهدار الأموال المحترمة ، فيجب الأخذ على أيدي السفهاء ، وأطرهم على الحق أطراً ، وقصرهم على الدين قصراً ، وإلا هلكوا وأهلكوا غيرهم .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: عباد الله :أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل واتباع مرضاته ولو أسخط ذلك الناس، فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أسخط الله برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
إخوة الإسلام: تُسرف بعض النساء في زينة اللباس التي أمر الله بها، وسواءٌ بارتفاع قيمتها أو في حرمتها، وما يسمى بـ(طرحة العروس) أو (ثوب العرس) نموذج لذلك؛ إذ تدفع لهذا الثوب مبالغ طائلة ثم لا يُستخدم بعد هذه الليلة، وربما أنفت بعض النساء من استعارة هذا الثوب من غيرها.
وإذا كان هذا للعروسة فلا تسأل عن لباس الحاضرات، وفيه ما علا ثمنه وضاق ملبسه، وفيه ما بدا عند المرأة كاسيًا وهو في الحقيقة عارٍ، أظهر لقصره الساقين، وأعلاه يكشف ما فوق المرفقين، وفتحاته تكشف النحر والظهر، وهو من الضيق بحيث يكشف ملامح المرأة ومفاتنها، فماذا بقي من الحياء؟!
ثمة مظهرٌ من مظاهر الإسراف في الحفلات أو المناسبات يتمثل بالمبالغة في اتخاذ الزينة والمكياج وتسريح الشعور، في الصالونات ، يدخلن انفسهن تحت قائمة من لعنهن رسول الله (الواصلة والمستوصلة ،والنامصات ،الكاسيات العاريات المائلات المميلات رؤوسهن كأسنمة البخت –تضع علبة اللبن ليصبح كالسنام - ولكن قاتل الله التقليد الأبله، إن أخذ الزينة للمرأة في الإسلام مطلب، وإن إعداد المرأة نفسها لزوجها كأحسن ما تكون النساء شكلاً، ورائحة، وأدبًا، كلُّ ذلك جاءت به شريعة الإسلام، لكن دون إسراف في المال أو هدر في الأوقات، أو تغيير لخلق الله. تفعل ذلك لزوجها فقط الذي ينبغي ان يغار عليها كذاك الأعرابي الذي رأي من ينظر إلى زوجته، فطلقها غيرة على المحارم، فلما عُوتب في ذلك، قال
وأتــــرك حبها من غير بغض
إذا وقــــع الذباب على طعام
وتجتـنب الأســود ورود ماءٍ وذاك لــكثرة الشــركاء فيه
رفــعت يـدي ونفسي تشتهيه
إذا رأت الكـــلاب وَلَغنَ فيه
عباد الله إن مما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتخذون في أفراحهم اللهو اللاهي، والمجون المخزي، والخلاعة الفاضحة، يقوم بذلك طائفة من حثالة الناس وسفلتهم، بين مطرب ومطربة، وراقص وراقصة ومعهن الطبول والمزامير والعود، ، وإذا تعبت أو بُح صوتها فإلى جانبها آلة التسجيل(DG) تفتحها وتضعُ الموسيقى والأغاني الماجنة، في صخب ممقوت، وأوضاع يندى لها جبين الفضيلة، وتأباها نفس الحر الكريم، ويمجها الطبع السليم، وتبرأ منها العزة والكرامة وقد حرم الله لهو الحديث، كما في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان: 6، ) ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال : والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء ، رددها ثلاثاً ،. فالغناء يورث النفاق في القلب، وهو بريد الزنا، والواجب على المسلمين إنكار هذا المنكر الذي شاع بينهم في هذه الأزمنة، فإنك لا تدخل محلاً ولا بيتًا ولا تركب سيارة إلا وتسمع فيه الطرب واللهو والغناء إلا من رحم الله، حتى إن الأغاني والمعازف تسمع في الشوارع من اجهزة الجوال.
عباد الله : الزواج غاية نبيلة فلا ينبغي ان نتوصل اليها بطرق خبيثة من قروض ربوية وتبذير حرام وتهتك ومزامير شيطان، ولنبني هذه الأسرة على أسس من الحلال ليبارك الله فيها ولتدوم ونحفظها من الإنهيار السريع والزوال
بأيدينا عباد الله ان نفعل الكثير ووالله ليس بالصعب ولكن بقليل من الغيرة والتقوى والرحمة والنوايا الصادقة
لا بد أن نشكر أنعم الله علينا،
وما أجمل -أيها الأحبة- أن ننطلق في أفراحنا من اعتزازنا بديننا، وأن نكون صادقين مع ربنا، شاكرين لأنعمه، سائلينه سبحانه أن ينزل البركة والسعادة والتوفيق للزوجين في حياتهما الجديدة، وما أحوجهما إلى ذلك
التعليقات (0)