مواضيع اليوم

منقذ البشرية في ذكرى ميلاده

فيصل عبدالحسن

2011-02-25 22:55:45

0

 

 

    تعلمنا السيرة النبوية الشريفة لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، الكثير مما لن نجده أو نتعلمه من فلسفة السلوك، ولا من علم النفس التطبيقي ولا من علم الاجتماع ولا من سيرة المميزين من بني البشر، وذكرى ميلاد رسولنا الكريم التي مرت قبل أيام قليلة، في 12 ربيع الأول للسنة الهجرية الحالية 1432 والتي صادفت في 16 شباط الماضي توصل لنا قصصا في غاية الأهمية عن رسولنا الكريم، وطريقة تعامله مع أعدائه وأصدقائه، فنجد فيما قال أو فعل سلوكيات وتصرفات، لا تبدر إلا عن رسول كريم، فهو لا ينطق عن الهوى، ولا يتصرف كما يتصرف غير الموحى إليهم من باقي البشر.

   الكثير من المواقف التي نستذكرها في ذكرى ميلاد الرسول الكريم، وكلها تقودنا إلى الإعجاب والدهشة، والمحبة العميقة لصاحب هذه السيرة العطرة، وربما قصته مع أبي العاص زوج أبنته زينب تضعنا على الكثير الكثير من الصفات النفسية والسلوكية النبيلة، لهذا الرسول الكريم، وتقربنا لفهم إنسانيته العميقة، التي لا تغيرها مظاهر السلطة، ومغريات الانتصار على الأعداء، ولن ننسى أنه ولد وترعرع في صحراء قاحلة، بين رجال بدو غلاظ القلوب لم يستنكروا قتل أولادهم بأيديهم، بل وقيامهم بؤاد بناتهم الرضيعات، ودفنهن أحياء في باطن الرمال الملتهبة، وأيديهن الضعيفة تمتد لتمسك بأيدي قاتليها عسى أن تستدر رأفة أو رحمة لهذا الضعف .

   هذا الرسول الذي أشتد عوده في يتم من الأب ومن ثم يتم من الأم، فكيف له أن يتعلم كل هذا الحب ؟!!  والحنان وهما عادة نتعلمهما من أمهاتنا وإبائنا !! فممن تعلم هذا اليتيم الفقير، الذي كان يرعى الغنم في بطاح مكة ووديانها المعشبة، ويعد كل لحظة شياه من أمنه عليها، خوف ضياع واحدة من قطيعه الصغير، فهو أحرص عليها من حرصه على قطعة الخبز وقربة الماء اللاتي يحملهما معه في كده اليومي، فمن أين تعلم كل هذا السخاء والكرم الذي نطالعه في سيرته الميمونة، فقد أهدى في يوم واحد ألف ناقة بيضاء اللون، لبدوي سأله أن يعطيه شيئا من قطيع أهدي إلى الرسول الكريم، فلما وهبه الألف ناقة، وهو كامل عدد الهدية، صعق البدوي وكاد يموت من الفرح لهذا الكرم غير المسبوق وصرخ: والله ما هذا إلا عطاء نبي كريم !! انه عطاء من لا يخاف الفقر !! والله أشهد أنك رسول الله !!" حتى سمي الرسول الكريم في محيط مكة المكرمة من قبل القبائل العربية، التي سمعت بقصة هذه الهبة بأنه الرجل الذي لا يخشى الفقر !! وكان أهل الجزيرة العربية، الذين يعيشون فيما يشبه القحط الدائم، والفقر الشديد في أحسن الظروف يخشون الفقر، ويحسبون له مليون حساب، فالفقر يعني في باديتهم الجدباء، وأرضهم القاحلة:  الموت جوعا، وهو أكثر أنواع الموت ألما وبطئا، وسوءا من بين كل أنواع الميتات، وكان البدوي حين يضيع في الصحراء، ولا يجد الماء والطعام يذبح نفسه بالخنجر الذي يحمله في زناره، مفضلا الموت السريع ذبحا على الموت ظمئا أو جوعا، وكان ذلك قبل أن تؤمن هذه القبائل برسالة الرسول الكريم السماوية وتعلن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله !!

   ولنعد لقصته مع أبي العاص التي توضح لدارسي هذه الشخصية الفريدة الكثير من مقوماتها السلوكية والنفسية، وترينا كيف تعامل رسولنا الكريم مع زوج أبنته أبي العاص بن ربيع، وقد كان أيضا أبن خالة زينب ابنة الرسول الكريم، وقد تزوجها قبل البعثة النبوية، ورزقه الله تعالى منها بولد أسمه علي وطفلة أسمها إمامة ثم شاءت المقادير الإلهية أن يبعث الرسول الكريم بالإسلام، وكان أبو العاص مسافرا في تجارة خارج مكة المكرمة، فآمنت زينب بدعوة أبيها وأسلمت، وما أن عاد زوجها من رحلته حتى بشرته ببعثة أبيها، وطلبت منه أن يسلم مثلها، ولكنه أبى، مخافة أن تنعته عشيرته بأنه تبع أملاءات زوجته، وصارت زينب في حيرة كبيرة بين أبيها ودينها من جهة، وبين زوجها الكافر الذي يشارك كفار قريش محاربة الرسول الكريم بالقول، ويمنع الناس عن دعوته للإسلام، من جهة أخرى، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أبنته زينب أن تعامل زوجها بالمعروف، وأن تعكس في سلوكها معه سلوك المرأة المسلمة، وأستمر الحال هكذا لسنوات عديدة ثم جاءت هجرة الرسول الكريم إلى المدينة المنورة، فاعتذرت زينب عن الهجرة مع أبيها لئلا تشتت شمل الآسرة، ووافق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن تبقى مع زوجها الكافر ومع طفليها في مكة المكرمة، وكل هذه دلالات سلوكية ونفسية لرسولنا الكريم، تجعله في أعلى درجات الرحمة والمحبة الإنسانيتين، ولم تنته القصة فقد ساهم أبو العاص في إحدى الحملات العسكرية التي قامت بها قريش ضد المسلمين في المدينة المنورة، ووقع أبو العاص أسيرا لدى المسلمين، وافتدته زوجته زينب التي بقيت تنتظر قدومه في مكة المكرمة بعقد أمها خديجة الكبرى عليها السلام، كانت قد أهدته لها ليلة زفافها على أبي العاص، وتقع عينا الرسول الكريم على عقد زوجته خديجة الكبرى عليها السلام فتهمل الدموع من عينيه الكريمتين، ويرجع العقد إلى أبي العاص بعد أن يأخذ الأذن من المسلمين بذلك، ولكنه يطلب من أبن العاص أن يطلق زينب، ويرسلها من مكة لتلتحق بأبيها في المدينة المنورة، لأن الله تعالى أنزل في القرآن الكريم ما يحرم زواج المؤمنات من الكافرين، وينطلق أبو العاص ليعود إلى مكة، ويفي بوعده للرسول الكريم ويطلق زينب فتعود إلى المدينة المنورة، وتبقى في المدينة ترفض كل الخاطبين، الذين تقدموا للرسول الكريم لخطبتها طيلة أربع سنوات على أمل أن يهتدي أبو العاص زوجها السابق للإسلام ويعيدها إلى ذمته، ويجتمع شملهما من جديد، وتدور الدوائر من جديد فتقع تجارة أبي العاص بأيدي المسلمين فجاء المدينة مستجيرا بزينب زوجته السابقة، فـاتت رسول الله وهو يصلي في المسجد وأخبرته، أنها أجارت أبن خالتها أبا العاص وأنها ترجوه أن يعيد المسلمون له قافلته ليرد ديون تجار مكة المكرمة التي عليه، فيستأذن الرسول الكريم من المسلمين أن يردوا له ماله، فردوا له ماله وعاد أبو العاص إلى مكة المكرمة، لكنه هذه المرة عاد ليرد أموال تجار قريش، وليبلغهم أنه ذاهب إلى المدينة  ليشهد بالشهادتين ويعلن إسلامه، وهذا ما حصل وعاد من جديد ليطلب يد زوجته السابقة، وهذه المرة في ذرى الإيمان، ويقبل رسول الله بعد أن يسأل زينب رأيها فتبتسم، ويوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعيش الزوجان من جديد سنة واحدة بسعادة، ليتوفاها الله بعدها، ولم ير بعدها أبو العاص إلا وهو حزين النفس وقد فقد أية رغبة حقيقية بالحياة بعد زينب، وتوفى بعدها بعام واحد ليلحق بها.

      لم يفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر على مر التأريخ في إنسانيته وخلقه الرفيع، وكرمه وعفوه، حسبما أشارت الكثير من البحوث التي أجراها دارسون نفسيون أجانب ومنهم الأمريكي د. ملير، الطبيب المعروف، الذي آمن برسالة الإسلام من خلال هذه المعطيات الأخلاقية، وقد وجد أيضا أن عيسى المسيح ذكر أسمه في القرآن 25 مرة ولم يذكر أسم الرسول الكريم إلا 5 مرات، ولم يجد أسم أبنته فاطمة الزهراء عليها السلام ولا أسم إحدى زوجاته، وليس هناك ذكر لوفاة زوجته خديجة الكبرى عليها السلام، في القرآن الكريم، بينما ذكرت مريم عليها السلام كثيرا، وخصها القرآن الكريم بسورة كاملة، وكرمها  أكثر مما فعلت أية ديانة توحيدية أخرى، وجميع هذه الملاحظات، هي إشارات ورموز في علم السلوك والأخلاقيات تؤكد رسالة محمد الإلهية، وتبعد أية شكوك عن كون القرآن لم يكن منزلا من الله تعالى، فتبارك اليوم الذي ولد فيه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، منقذ البشرية وهاديها إلى الطريق المستقيم .

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !