مواضيع اليوم

منظومة التربية بين الواقع المرذول والمأمول

عبدالله العديلي

2011-12-11 11:37:39

0

منظومة التربية بين الواقع المرذول والمأمول

يعرف الدين بأنه " وضع الهي لذوي العقول السليمة باختيارهم على الصلاح في الحال والفلاح في المال ". والإسلام كونه أخر الديانات السماوية نزولا ، لا شك وانه اكملها وأقواها واصلحها لمواجهة تغيرات الزمان والمكان ، كيف لا وأخر ما نزل قوله تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ".(المائدة:3 ) . ومادام ان الخالق لهذا الكون والإنسان هو أعلم بما يصلحه في حاله وماله ‘فإنه على العاقل أن يلتزم به ، عقيدة وشريعة ومنهجا وأخلاقا ،بل لا يعد عاقلا أبدا من حاد عنه إلى أهوائه وشهواته ،وأقل ما يتهم به هو الجهل .
والدولة الجزائرية كونها دولة مسلمة بنص الدستور ، وجب على القائمين على شؤون السلطة والحكم أن يصبغوا المجتمع بشقيه ( الحاكم بسلطاته ، والمجتمع بفئاته ) بصبغة الدين في ميادين السياسة والإقتصاد والإجتماع والفكر ، وأن يكون الإسلام هو الموجه والمرجع ، مع الإستفادة من الواقع الخاص والعام وعدم إهمالهما .كما يجب أن توجه كل عمليات الإصلاح والتجديد في سبيل العودة إلى هذا الدين لا الخروج عنه والتحلل منه ، وإلى إرضاء الله تعالى بأداء الأمانة كما أرادها الخالق ، لا الرضوخ والخوف من عباد وحكومات لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعا ولا ضرا " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا اشد حبا لله " ( البقرة : 165 ) .

نظرة على الواقع :

لا يشك أحد في أن الواقع بجملته يدل بوضوح لا لبس فيه إلا غياب الوازع الديني من الحياة غيابا كبيرا جدا ( لا نتكلم هنا عن عقائد الناس ) ، والأمر لا يتطلب الشرح ، فالفساد الإداري ، وتعاطي الرشوة ، وإهدار حقوق الناس ، والظلم ،وانتشار الميوعة والخلاعة والجرائم والفوضى ....إلخ شاهد على ذلك ، وكل هذه الأشياء وغيرها صارت هي الأصل في التعامل ومن أراد أن يستقيم في خلقه أو عمله أو دينه فسيجد مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : " بدا الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا " .

وما يعنينا في هذا المقام هو المدرسة الجزائرية ، فكل تلك الآفات ـفي الغالب ـنتاج لما ياخذه الطفل وما يتركب عليه في المدرسة والجامعة ، خصوصا مع ضعف أو إنعدام دور الأسرة في تربية الطفل .
ما يلاحظ على منظومة التربية هو ضالة مادة العلوم الإسلامية وسوء تدريسها ، والدليل على ذلك هو عدم تأثيرها في سلوك التلاميذ سواء من ناحية المعرفة بأمور الشرع ، ونحن نتكلم هنا على الحد الأدنى الذي ينبغي توفره في العامي ، وليس طالب العلم ، فلا نتعجب إذن إذا وجدنا دكتورا لا يعرف فرائض الوضوء من سننه ، اما إذا اخطأ في صلاته فلن يفقه في ترقيعها شيئا .
أما من ناحية السلوك العملى فتشير الإحصائيات إلى إنتشار المخدرات بنسبة هائلة في أوساط المدارس ،ابتداء من المتوسطة وربما الإبتدائي ، وتصل نسبة متعاطيها إلى ثلاثون بالمائة من التلاميذ ، والغريب في ذلك أن المتعاطين من كلا الجنسين .
كما انتشر في أوساط الفتيات ألبسة الموضة الفاضحة لما يرونه في التلفزيون ، وبذلك يسقط الحياء بينها وبين الأستاذ ، فاصبح هذا الأخير يتعرض إلى ضغوط نفسية أثناء عمله لا تقوى الفطرة على دفعها .وقد حدث لأستاذ انه نصح تلميذة عنده بأن تستر نفسها قليلا ، لأنها بلغت حدا فضيعا من التبرج فحرشت اباها ، فجاءه مسرعا وقال له : إنك إرهابي وتصنع الإرهاب ، دع إبنتي وشانها .
وقد كثرت الإعتداءات على الأساتذة نتيجة لضعف مركزهم ولما سلب من اساليب في تأديب التلميذ ، ونظرا لقلة التربية فإن الأستاذ أصبح يخاف على نفسه ، ليس داخل المدرسة فحسب بل وفي خارجها ، حيث يجمتمع التلميذ مع عصابته ليعطوه جزاءه .
ولا ننس ظاهرة التسرب ، فقد صار الوسط المدرسي غير مغر بالمستقبل ، بل أصبح السؤال المتداول على ألسنة التلاميذ
( وعلاه نقرى ، واللي قراو واش دارو ) .
ترى هل يساعد جو كهذا ومنظومة كهذه على تنشئة افراد صالحين يخدمون دينهم ووطنهم ، ويغارون على حرمات الله ومقدسات المجتمع ، الجواب لا ، إننا إذا ابعدنا الراسبين في الباكلوريا وتفحصنا طلاب الجامعة ، هؤلاء الذين تفوقوا على زملائهم وأصبحوا إطارات الدولة ، لن نطيل الحديث ، فمن يتجول قليلا في احدى جامعتنا أو يتناقش مع بعض الطلبة والطالبات في شؤون الحياة ، وما يحملونه من افكار عن الكون وعن الله وعن الحياة ، وعن رسالتهم فيها ، لوجدنا العجب العجاب ولها لنا ذلك المستوى المتدني إلى مادون العامة ولترحما على إيمان العجائز .
شاهدت في التلفزيون مرة الداعية ( الحبيب علي الجفري ) يبكي حينما قال : " من الكارثة أن تبلغ الفتاة خمسة عشرة سنة وهي لا تدري رسالتها في الحياة " ، فقلت في نفسي : ماذا لو جاء إلى شبابنا ورأى أنهم يموتون وهم لا يعرفون هدفا للحياة ، حتى أن حلم الهجرة أصبح يراود كل شرائح المجتمع . يقول الدكتور عمر عبد المجيد النجار في كتابه ( عوامل الشهود الحضاري ) : " وحينما غاب الوعي الرسالي من ضمير الأمة كان ذلك سببا أساسيا في فتور همتها عن أن تصوغ من الدين مشروعا حضاريا تبشر به وتدعو إليه ، وهي الآن تعيش على ذلك الفتور والتراخي الإرادي .....وبناء على ذلك فإننا نحسب أن من أهم الأسباب الكفيلة بتحريك الهمة الإسلامية للنفير في سبيل التحصر بعث الوعى الرسالي في النفوس "(ص:241 ) .
وإن ما ينذر بالخطر حقا هو أن هذا الداء لا يقتصر على المدن الكبيرة فقط ، فقد انتقل إلى القرى والمد اشر الصغيرة ووجب استئصاله .


الإصلاح واجب إذن :

إن أزمتنا الحقيقة – باختصار شديد – هي فصل الأخلاق عن العلم ، ولأن كان من الواجب أن يربى الولد في البيت ثم تستكمل المدرسة تربيته وتعليمه ، فإن الوقع أن غياب دور الأسرة يتبع بمنظومة تربوية أثبتت فشلها الذر يع ، ومع انتشار الفضائيات وتعدد المؤثرات على الناشئ ، فلا نرجو خيرا ، والواقع أقوى شهيد .
ولأن أردنا إصلاحا حقيقيا فلن يتحقق إلا بما يلي :
1. العزم الحقيقي والصادق على الإصلاح ، ببناء منظومة شاملة تنشئ جيلا جديدا صالحا ، وتحاول التحكم وضبط الأجيال الحالية .
2. الإهتمام بإصلاح الأسرة وتوعيتها بدورها ومسؤولياتها .
3. وضع قنوات تلفزيونية موجه للأسرة والتلاميذ وتوجيههم الوجهة الصحيحة .
4. تحسين المستوى المعيشي للأساتذة وتكوينهم بما يلائم دورهم الحقيقي .
5. إعداد منظومة تربوية تهتم بتكوين التلميذ في الجانب الروحي والمعرفي على السواء :
-الجانب الروحي : وهي نقطة الإصلاح في التربية الإسلامية ، وذلك بتدريس مفردات الشريعة الإسلامية من جهة ، وأهم من ذلك تنشئة التلاميذ على وعي دقيق بحقيقة الإنسان مبدأ ومعاد ، ودوره الكبير في القيام بمهمة الإستخلاف . وتقوية الداعية الدينية في النفوس أثناء قيامها بأي عمل .يقول الدكتور عمر النجار في كتابه السابق : " لقد قصرت الفكرة التي تعمر عقل الأمة اليوم عن أن تمد بوعي لإلى غاية تحقيق الخلافة في الأرض ، خلافة تقوم على العبودية لله ، ممثلة في الترقية الدؤوب للإنسان فردا ومجتمعا ، في مضمار الروح : فضيلة وعلما وحرية وعدلا. وفي مضمار المادة : تنعما الطيبات ، وانتفاعا بمرافق الكون ، وكل ذلك في نطاق إنساني عام يحدده معنى الشهادة على الناس ، وكل ذلك أيضا في وجهة خطها مستقيم ونهايتها الله تعالى فيما يحقق رضاه " (ص : 22 ) . أجل إن هذه هي الفكرة العامة التي يجب أن يحملها كل فرد في المجتمع " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " ( الأنعام : 162 ).

- الجانب المعرفي : ويتمثل في إعداد برامج حديثة تساير التقدم العلمي وما توصلت إليه الحضارة الغربية ، وتوفير الجو الملائم – ماديا ومعنويا – مما يساعد الطالب على التحصيل والإبداع .
6 – كل إصلاح يجب أن يكون منطلقا من النظرة الإسلامية في بناء الفرد والجماعة ، وأي عدول عن هذا فهو مجرد تضييع للوقت وهدر للأموال وتكريس للتخلف والتبعية ، وقد جربت الجزائر والعالم العربي تجارب الآخرين بما فيه كفاية لعاقل وعبرة لرشيد .

بقي هناك إشكالان : أحدهما : كيف يواجه ضعفنا قوة الغرب وكبرياءه والجواب أن إانسلاخنا من ذاتنا افقدنا جوهر قوتنا ، ولو رجعنا إليها رجوعا صادقا لوجدنا من الغرب ناصرا ومؤيدا لنا ، إن لم يكن في حكوماته ، ففي شعوبه التي ستجد ريح الإسلام تهب على أرواحهم المختنقة من جراء طغيان المادة .
وثانيهما: كيف نرجو الخلاص والإصلاح، وشعب مسلم تحكمه قلة علمانية تفرض عليه ما يخالف دينه وأصوله ، بل وتضيق على ما يريد إصلاحا من جوهر هذا الدين . والحقيقة أن هذا موضوع آخر أعقد من الأول ، ‘ذ هو المفتاح الحقيقي للإصلاح المأمول .
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !