منظمات المجتمع المدني مابين البراءة والشُبُهَـات
تعدد تعريف "منظمات المجتمع المدني" في دول العالم الثالث ؛ ولكن كانت أكبر الأخطاء هو زعم البعض أنها تشمل النقابات المهنية وإتحادات الطلاب والأحزاب السياسية .... فمثل هذه التنظيمات لديها أجندة ومصالح وطموحات خاصة بها لا يشترط أن تكون متوافقة مع قناعات ومطالب ومصالح عامة الشعب من غير المنتمين إليها.
وقطعا فإن التعريف الأمثل إنما يجب أن يتجه إلى أنها تلك الجمعيات الأهلية الطوعية الموازية بهدف إيصال صوت المواطن العادي للأجهزة الرسمية دون تبني أجندة حزبية سياسية أو جهوية أو مهنية مطلبية مسبقة ... هذه المنظمات المدنية ينشئها أفراد من المجتمع بمحض إرادتهم الخاصة وينفقون عليها من مواردهم الشخصية أو التبرعات العلنية من عامة الشعب ... ويتم تسجيلها رسميا وتعترف بها الدولة شريطة أن تصل أعداد المنتمين إليها إلى رقم محدد كحد أدنى . وأن تلتزم بتقديم بيانات مالية مدققة عن مصادر التمويل والنفقات.
وبالتالي فإن منظمات المجتمع المدني وفق التعريف الأمثل أعلاه نراها حالة جديدة طارئة على الشعب السوداني وقناعاته فيما يتعلق بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ...... وواقع الأمر فإن هذه المنظمات التي نشأت في السودان إستنساخا لتلك التي في الغرب المتقدم لا يمكن التعويل عليها كثيرا لأسباب اقلها أن قادتها إنما جاءوا من طرائق شتى :
- فمنهم الذي جاء من فراغ ؛ وبمجهود فردي دون أن تقوم بتصعيدهم آليات وقوى مدنية ذات تأثير نافذ على مفاتيح القرار أو شرائح نمطية من القواعد الشعبية مثل شيوخ القبائل ورجال الدين وغيرهم من ركائز العمل التطوعي العام وفق النموذج السوداني المتفرد بذاته منذ مئات السنين.
- ومنهم من خرج من رحم قيادات نقابية مهنية وطلابية سابقة كان لها أجندتها السياسية المعادية لنظام الحكم الحالي.
- ومنهم من لا يزال على علاقة سرية مع بعض الطوائف والأحزاب السياسية أو مع أجهزة إستخبارات الدول المجاورة .....
- ومنهم من جاء مزاحما على الحجر الأسود ورمى بجسده في الساحة لمجرد النصب والإحتيال على تحصيل الأرزاق والحصول على ما يسد الرمق وقوت العيال من فتات كعكة الثروة التي تهيمن عليها السلطة.
ومن ثم فلا تزال هذه التنظيمات في طور التجربة والنشأة الغضة ولا يمكن تبرئتها وفقا لذلك من الغرض والهوى ..
وربما لأجل ذلك جاء تبنيها الساذج العبيط لمهزلة شريط الفيديو الذي أظهر أشخاص يرتدون زيا مشابها لزي العاملين في المفوضية الإنتخابية وهم يقومون بحشو صندوق إقتراع ببطاقات . وإعتبرت وفق هذا الصندوق الوحيد أن آلاف الصناديق الأخرى قد تم حشوها وأن الإنتخابات قد جرى تزويرها وفقا لذلك من الوريد إلى الوريد.......
من نافلة القول أن نذكر بأن جميع الأحزاب والقيادات النقابية والطلابية السابقة والحاضرة لا يمكنها ولا يحق لها أن تدعي العذرية ...... وبالتالي فليسوا بفوق الشبهات ......
وكبار السن بوجه عام من جهة ، والصغار والرضع في رياض الأطفال على نحو خاص من جهة أخرى ؛ يعلمون تمام العلم النافي للجهالة أن مثل هكذا شريط غير موثق ومجهول الأشخاص يمكن فبركة مثله وأكثر في أي إستديو تصوير حفلات أعراس وطهور وأعياد ميلاد في شوارع العاصمة المثلثة ومدن الأقاليم والقرى والحلاّل.
ربما كان الأجدر بهؤلاء البسطاء العاطفيين وغير متزني الإنفعال من مستجدي العمل المدني أن يسألوا أنفسهم سؤالا بسيطا وهو:
متى وكيف ولماذا يتم تزوير الإنتخابات؟
إن اللجوء إلى التزوير بطريقة تسجيل الموتى وحشو الصناديق إنما يتم لسبب وحيد هو تدني نسبة المشاركة ليس إلاّ ... وهو ما يحدث في مصر على نحو متكرر في إنتخابات مجلس الشعب والرئاسة ......
ومن ثم فما كان هناك من داعي في النموذج السوداني لحشو الصناديق بالبطاقات أو تسجيل الموتى ، لأن نسبة التصويت قد تراوحت ما بين 65% و 70%.
.................
ولكن يبدو أن بعض الذين نصبوا أنفسهم قادة لتنظيمات المجتمع المدني قد إطلعوا على أدبيات المعارضة المصرية في نقدها للإنتخابات في بلادها . فحذوا حذوها "عِمْيَانِي" كدأب معظم المثقفين السودانيين في التأسي بالثقافة والممارسة المصرية ونقل تجربتها حتى لو جاء ذلك على شكل الخلع والزواج العرفي ؛ وعلى نحو كان فيه متحدث بإسم هذه التنظيمات يتحدث من خلال مؤتمر صحفي وينطق كلمة (بُناءاً) بضم الباء على "الطريقة المصرية الخطأ" دونا عن غيرهم من عامة العرب . وحيث الصواب هو نطقها (بـِناءاً) بكسر الباء لأن الأصل هو بَنَىَ فهو يبني بناءاً وليس بنا يبنو بُناءاً ....... ولكنه المثقف السوداني القديم بنحو خاص يقلد المصريين في الخطأ والصواب على حد سواء. والمقلد على كل حال يفضح نفسه بنفسه.....
وبالطبع فقد جاء هذا "الرّاوية" خلال المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه عن التزوير بنفس حجج المعارضة المصرية التي تتهم الحكومة المصرية دائما بحشو الصناديق وتسجيل أسماء الموتى والتصويت بإسم الغير والتخويف والترهيب .. إلخ من توجهات واساليب لا تعرفها أو تجيدها أو تمتلك خبرات ممارستها أو تتبنى أخلاقياتها المفوضيات الإنتخابية وأنظمة الحكم في السودان منذ عهد الإستقلال ولطبيعة خاصة بموروثات وتقاليد الشعب السوداني........
ولعلنا نتساءل هنا ؛ هل يمتلك السودان سجلا مدنيا موثقا (مثل مصر) بأسماء الموتى من مواطنيه في العاصمة ناهيك عن الأقاليم والقرى والبوادي والحلال حتى يخرج علينا متحدث رسمي بإسم تنظيمات مدنية بإدعاء تسجيل أسماء الموتى والتصويت بإسمهم ؟؟؟.......
إذا كانت الحكومة المركزية والولايات لا تمتلك سجلات دقيقة بأسماء السودانيين الأحياء حتى تاريخه .. فهل يعقل أن تمتلك ملفات باسماء الموتى؟؟؟
كاتب هذا المقال ذهب للتسجيل ثم التصويت بمحض إختياره وإرادته الحرة دون أن يتصل به أحد أو يرهبه ويخيفه آخرون أو يتشفع أمامه صديق أو قريب كي يصوت لهذا أو ذاك. ودون أن يتم رشوته بجنيه واحد ..... فأين وقائع ما ساقته بعض منظمات المجتمع المدني من إتهامات لا أساس ولا صحة لها ؟؟؟ وأين هؤلاء الذين تمت رشوتهم ؟؟ ولماذا لم يرشيني أنا أحد ؟؟ بل ولماذا لم يتعرض كل من يقرأ هذا المقال للرشوة والترهيب والترغيب التي يتحدثون عنها وينسجون الروايات من وحي الخيال؟
يرجى من بعض المنتفعين والمرتزقة في منظمات المجتمع المدني من واقع هذه التجربة ؛ وفي الإنتخابات القادمة مراعاة مثل هذه الحقائق والمعطيات "السودانية" قبل طرح الأكاذيب وفبركتها على الطريقة المصرية.
وفي الختام فإنه يحق لنا أن نتساءل عن حقيقة منظمات المجتمع المدني الشيطانية المنبت هذه .....
أ) اين نشأت وبإسم من تتحدث؟
ب) هل لها قوائم عضوية مسجلة موثقة؟
ت) وتحت رعاية من هي؟
ث) ومن يمول تحركاتها وأنشطتها على هذا النحو السخي؟
ج) وهل يوجد لها حسابات مصرفية من عدمه ، أم أنها تحتفظ بأموالها السائلة في جيوب قادتها والمنقولة على هيئة مشغولات وحلى ذهبية في أيدي وأعناق وصدور نسائهم ؟
ح) وهل تصدر وتنشر هذه المنظمات عبر الصحف اليومية قوائم مالية سنوية مدققة من قبل مراجعين قانونيين معترف بهم أم أن الحابل بختلط فيها بالنابل ؟ ......
أرجو أن لا يبرر رؤساء وقادة هذه المنظمات المدنية ظاهرة قصورهم المنيفة وسياراتهم الفارهة وإجازاتهم السياحية الأسطورية في عواصم وبلاجات الغرب الأوروبي والماليزي وجزيرة بتايا التايلندية ..... وجيوبهم المتخمة طوال الفصول الأربعة بشتى العملات الحرة .. ونفقاتهم ومنصرفاتهم المشبوهة المصدر، .... أرجو أن لا يبرروا ذلك بأنهم عثروا تحت أساسات بيوتهم على بُرْمَة فخارية مليئة بذهب ملوك سوبا أوالفونج وسلاطين الفور وشيوخ العبدلاب والمانجلك ... أو أنهم ورثوها عن أخوالهم في بلاد "نيام نيام" ..... أو أنها محض إشتراكات الأعضاء الغلابة .... أو ربما جلبوها من ذهب الشرق والشمالية وبني شنقول وأرباح مبيعاتهم من قرن ودهن الخرتيت وسن الفيل وريش النعام وخامات حفرة النحاس.
وبالطبع فلا مجال هنا لتصديق مقولات من قبيل ما جاء في النشيد الوطني :
نحن جند الله جند الوطن ...... إن دعا داعي الفداء لم نخـن
نتحدى الموت عند المحن ..... نشتري المجد بأغلى ثـمــن
وحيث أثبتت شهادات البحث وبورصة العقارات وتقارير سماسرة السوق من أرباب العمائم والجلاليب والمراكيب أن الفداء قد أصبح في خبر كان وباتت المقولة : "نشتري الأرض بأغلى ثمن"
....................
هناك أسئلة كثيرة تدور حول حقيقة هذه التنظيمات الضبابية النزعة والهلامية الشكل والقمة القاعدة ..... ولا جدال في أنه قد آن الأوان لتجيب أو يتم إجبارها من قبل الأجهزة المعنية والتنفيذية والقضائية لتجيب على هذه الأسئلة والإستفسارات وعلى عديد أسئلة أخرى بشأن الإفصاح بشفافية عن مصادر مواردها المالية الداخلية والإقليمية أو الخارجية التي تصل إليها عبر قنصليات وسفارات الولايات المتحدة ؛ وبعض دول أوروبا الغربية والإسكندنافية في الخرطوم والقاهرة وأديس ابابا ونيروبي....... وما خفي كان أعظم.
التعليقات (0)