منتدى المستقبل بمراكش
علامات الفشل البيّن لوحت في الأفق
هيلاري كلينتون و الطيب الفاسي الفهري بمراكش خريف 2009
انعقد يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين منتدى المستقبل بمراكش في دورته السادسة، علما أن دورته الأولى انطلقت من المغرب سنة 2004، ويأتي انعقاده في ظرف انكشف دخول إدارة البيت الأبيض الجديدة في وفاق استراتيجي مع الاتحاد الإفريقي، وفي طور الإعداد رغم عدم إثارته بملتقى بمراكش، حسب مصدر يتابع عن قرب تطور العلاقات الأمريكية الإفريقية.
ويذهب هذا المصدر إلى القول، إن من الانعكاسات الأولى لهذا الاتفاق الجاري الإقرار به، سحب البساط من تحت أقدام المغرب كحليف رئيسي للولايات المتحدة خارج الحلف الأطلسي (ناتو).
ويؤكد نفس المصدر أن معالم هذا الوفاق قد اتضحت بمناسبة زيارة مسؤولين أمريكيين في الدفاع، للجزائر وليبيا وزيارة وزير الدفاع الفرنسي لموريتانيا، كما أن هيلاري كلينتون، نفسها، سبق أن صرحت، قبل مجيئها إلى مراكش، باهتمام إدارتها بالهاجس الإفريقي مع التوجه إلى الاتحاد الإفريقي عوض اللجوء إلى كل دولة على حدة.
حسب الأخبار المتسربة، عكفت هيلاري كلينتون، منذ وصولها إلى مراكش، على الإطلاع على ملخصات مجموعة من الملفات الساخنة بالمغرب، المرتبطة بالانتخابات والإسلاميين وحرية الأديان والعقيدة والاعتقالات التي طالت بعض الصحراويين وملف الصحراء والقضية الأمازيغية والمضايقات الأخيرة التي تعرضت لها الصحافة المستقلة مؤخرا، وهي ذات الإشكاليات التي طغت على اللقاءات المنعقدة، على هامش أشغال المنتدى مع المسؤولين المغاربة.
وقد التقت وزيرة الخارجية الأمريكية الملك محمد السادس بحضور مساعدها في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسفير الولايات المتحدة في الرباط، وتناول هذا اللقاء مجموعة من القضايا العربية والداخلية، وعلى رأسها الدور الذي يمكن لبلادنا لعبه في الدفع بعملية السلام ومكافحة الإرهاب.
وعموما فقد شعر العرب بخيبة الأمل بمراكش عندما أقرت هيلاري كلينتون بأن إسرائيل أبدت استعدادها لتقييد النشاط الاستيطاني لكن في مستوى يقل عمّا كان ينتظره المشاركون في المنتدى هذه السنة، وبرزت خيبة الأمل هذه أكثر عندما أبدى عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية قلقه بخصوص فشل محادثات السلام الإسرائيلية.
وقد اكتفت هيلاري كلينتون، بخصوص المنتدى، بالتركيز على المفاوضات بلا شروط في منطقة الشرق الأوسط، في حين اتجه الأوروبيون نحو الاهتمام بتوضيح عدم استعداد أوروبا، الاكتفاء فقط بالقيام بدور "كومبارس" والممول في نزاع الشرق الأوسط، تاركة واشنطن تلعب الدور الأول في مساعي السلام المتعثرة حاليا.
أما العرب فقد كادوا يجمعون على الاهتمام بإشكالية تقوية الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمطالبة بتكريسها عمليا على أرض الواقع، إلا أن الوضع في الشرق الأوسط والحوار بين الغرب والإسلام استأثر بحصة مهمة في أعمال الدورة السادسة لمنتدى المستقبل في ظل خيبة الأمل التي منوا بها.
إذا كان الموقف الرسمي يعتبر منتدى المستقبل تكريسا لشراكة عليها أن تحرص على تسوية عادلة ودائمة لبؤر التوتر في المنطقة، فإن مجموعة من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لا تشاطر هذا الرأي، وتعتبر المبادرة كلها، بما في ذلك صيغتها السادسة بمراكش سوى عودة للتحكم في المنطقة، ما دام المشروع لم يخرج عن نطاق المضمون الجوهري لمشروع بوش "الشرق الأوسط الكبير" والذي كان موضوع مناهضة منذ الإعلان عن فحواه.
ومن المعلوم أن الدورة الأخيرة لمنتدى المستقبل التي عقدت بمراكش، حصلت في ظرف ما زال يتميز بتصاعد مطالب وضغوطات البيت الأبيض على الرباط لأخذ المبادرة في تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ومنذ الدورة الأولى، أي منذ 5 سنوات خلت، بدا، حسب الكثير من المتتبعين، أن الغرض هو اختيار المغرب ليكون بوابة لتنفيذ مشاريع واشنطن، وعلى رأسها التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد أقر البعض أن الهدف الخفي لمنتدى المستقبل هو السعي الحثيث إلى الإدماج التدريجي للكيان الصهيوني في المنقطة والتخفيف من حدة عداء العربي المسلم للسياسة والاستراتيجية الأمريكيتين، في هذا المضمار يقول البعض إن منتدى المستقبل يسعى في واقع الأمر إلى تكوين مسلمين جدد يتخلون بمحض إرادتهم عن كل ما يقلق واشنطن وتل أبيب، علما أنه، خلافا للدورة المنعقدة سنة 2004، لم تشارك إسرائيل هذه السنة في اجتماعات مراكش.
أكد أمين عبد الحميد، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن مناهضة منتدى المستقبل، في جميع دوراته، بالنسبة للحركة الحقوقية، ينبع من المناهضة للهيمنة الأمريكية، ومن كون هذا المنتدى مجرد آلية من آليات تصريف المخطط الأمريكي (مشروع الشرق الأوسط الكبير) المبلور منذ مارس 2003 غداة احتلال العراق. إنه ـ يقول أمين عبد الحميد ـ تزكية للاحتلال ومصادقة قبلية على هيمنة "العم سام" على المنطقة بمباركة القيمين على الأمور.
في حين ذهب خالد السوفياني إلى القول إن منتدى المستقبل يهدف حاليا إلى إعادة إحياء مخطط بوش الرامي إلى زرع دويلات وسط العالم العربي، لتسهيل فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ومن الفعاليات الحقوقية المغربية التي ساهمت وشاركت في الاجتماع التمهيدي مع منظمات المجتمع المدني، من أجل إسماع صوته، في إطار منتدى المستقبل، سيما بخصوص دفع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان. وفي هذا المضمار أقرت أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة بضرورة وضع آليات للتقييم والمتابعة السنوية للقرارات المنبثقة عن المنتدى، الشيء الذي أثار مجال بوليميكيا بين منظمتها والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مما دفع أمينة بوعياش إلى تذكير القائمين على الجمعية أن هذه الأخيرة كانت ممثلة في الاجتماع التمهيدي ببيروت والذي اهتم بالتحضير لاجتماع مراكش الأخير، إذ قالت إن حكيمة الشاوي حضرت باسم الجمعية، وهذا ما نفاه أمين عبد الحميد، جملة وتفصيلا، إذ رد عليها قائلا إن حكيمة الشاوي مثلت جمعية أخرى لا تمت بصلة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
أما عبد الإله المنصوري، عضو مجموعة العمل الوطنية لمساندة فلسطين والعراق، فيرى أن منتدى المستقبل جزء من استراتيجية متكاملة سبق لإدارة البيت الأبيض السابقة أن أعدتها لـ "شرعنة" تدخل قواتها في أي مكان من العالم مع الإقرار بتحريم المقاومة للاحتلال، علاوة على جعل الكيان الصهيوني جزءا طبيعيا في المنطقة تحت غطاء دعم الديمقراطية بالبلاد العربية، في حين كانت النتيجة هي تكريس الواقع القائم وتقوية الدولة في الأنظمة القائمة على حساب الشعوب وإضعاف هذه الأخيرة.
في حين جددت الخلية المغربية لمناهضة منتدى المستقبل ـ الذي تعتبره ملتقى استعماريا هدفه تدجين شعوب المنطقة ـ رفضها لكل أنواع المشاركة المباشرة وغير المباشرة في أشغال هذا المنتدى، واحتضان بلادنا لمنتدى المستقبل ليس سوى تقديم خدمة جليلة للعم سام ولمشروعه بالمنطقة العربية.
وللإشارة فقد انطلقت فكرة "منتدى المستقبل" في شهر يونيو 2004 تحت اسم "الشراكة في سبيل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك استنادا إلى ما تضمنته المبادرة الألمانية الفرنسية آنذاك حول مشروع "الشرق الأوسط الكبير" فوق الصيغة الأمريكية.
التعليقات (0)