منتدى المستقبل بدأ أعماله لدراسة المشروعات المقدمة نحو إصلاح أفضل للمنطقة العربية أو للشرق الأوسط ، وخرجت المظاهرات تحيى أفتتاح المنتدى فى العاصمة المغربية بشعارات تتهم فيه بأنه مشروع أستعمارى وبأنه مشروع أمبريالى أمريكى إلى آخر إتهامات المؤامرة والهيمنة التى أدمنها المجتمع العربى بما له من مقدرة خارقة على التنبؤ بالمصائب .
بنظرة واقعية لنبض الشارع العربى نجد الغالبية ترغب فى الإصلاح أو بعبارة أدق يريدون التغيير ، لكن هناك القلة القليلة التى لها سطوتها ونفوذها الإعلامى والدينى على الغالبية ، لذلك نجد تلك القلة المتطرفة فى أهدافها السلطوية تلغى الإرادة الشعبية الحقيقية فى السير على طريق الإصلاح والتغيير ، بأن تلهب مشاعرها الدينية بأحلام لا مكان لها فى حاضرنا ، مما يحصر الغالبية فى ردود أفعال سلبية ضد الوطن وضد المستقبل الذى يظل يدور فى حلقة مفرغة تقوده إلى الخلف والتخلف أكثر .
الإصلاح الحقيقى يعنى التغيير الجذرى لكل القيم والأفكار والسياسات الهدامة التى حاكت خيوطها على عقلية المواطن العربى ، تلك الخيوط التى خنقت كل رغبة حقيقية فى التغيير وأستسلمت بمحض إرادتها ووقعت فى شباك المستغلين الأنتهازيين للدين والدنيا ، مما جعل المجتمع يعيش فى حلبة صراع بين الأنظمة السياسية وتلك القوى الإنتهازية ، لذلك لا يوجد تغيير حقيقى إلا بعد البدء فى إيقاف نفوذ قوى الفساد والأنتهازية ، وتطهير هيئات وأجهزة الدولة من سمومهم حتى ينطلق الإصلاح والتغيير من قاعدة سليمة مبنية على أسس ومبادئ يتفق عليها جميع أفراد المجتمع لتكون المشاركة المرتقبة منهم كاملة وإيجابية تأتى بثمارها المطلوبة .
لا يمكن أن يكون هناك إصلاح وبناء للديمقراطية وحقوق الإنسان فى الوقت الذى نجد سياسات الأنظمة الحاكمة فى منطقتنا العربية تعمل على أزدياد الجهل والتخلف والأمية فى مختلف مجالات الحياة بنشرها ثقافات ما قبل العصور الوسطى ، سياسات الحكومات التى يحافظون عليها ويطبقونها طبق النموذج التراثى الذى يعزز أبديتهم فى السلطة .
عندما يكون النظام المصرى على سبيل المثال عاجز وفاشل فى إيجاد الحلول لمشاكل الشعب الإقتصادية ، وعاجز عن تحقيق الرخاء الإقتصادى أو الوفاء بأحتياجات المواطنين الضرورية ، فكيف يمكن لهذا النظام القيام بإصلاحات أو قيام المواطنين بالإيمان بتلك الإصلاحات والمشاركة فيها وإنجاحها؟
الإصلاح يعنى القضاء على التطرف الذى لا يقتصر على مجرد أفكار لجماعات دينية ، بل التطرف يصل إلى قمته عندما ترسم سياساته الدول ذاتها وتدعمه بمختلف الوسائل حتى يستمر فى الحياة وينشغل به المجتمع بأعتباره مشكلة أخرى تضاف إلى سجل معاناته اليومية ، وتحاول الدولة بأجهزتها التصدى لهذا العنف الذى سمحت بوجوده ليخدم مصالحها وتنتهك حقوق الإنسان فى مواجهة هذا العنف أو الإرهاب الذى أصبح قضية عالمية يعطيها الحجة فى أستمرار قانون الطوارئ مثلاً .
إن ما تقوم به الحكومات العربية من إصلاحات هى مجرد عمليات ترقيع وتجميل للتشوهات المزمنة التى صنعها الرؤساء والملوك المتعاقبون على الحكم فى أجساد الدول والمجتمعات ، تلك الإصلاحات التى تثير الشكوك فى أغراضها ونتائجها لأنها تأتى دائماً متأخرة ومن الخارج ، لذلك نجد محاولات الإصلاح عسرة الهضم على المجتمع والدولة التى تجعله أكثر عسراً .
التغيير الجذرى معناه فصل الدين عن السياسة ، الدين هو علاقة الإنسان بالإله الذى يعبده تلك العلاقة التى تطبع سلوك وأفعال المؤمن بالقيم والمشاعر والأعمال الصالحة البناءة والتى تعود بالخير والسلام على المجتمع ككل ، التغيير يعنى أن يعود التيار الدينى إلى مكانه الصحيح مكان العبادة لله ليتفرغ المجتمع فى بناء الوطن بأيدى مملوءة بالمحبة تنظر إلى مستقبل سعيد لكل البشر .
إن العدوانية المنتشرة فى ربوع الأقطار العربية ويتم تصديرها إلى الخارج ، هى نتيجة طبيعية لإفتقار أصحابها للقيم الإنسانية النبيلة تلك القيم التى تفكر فى البناء وليس فى الهدم ، لذلك كانت العدوانية هى أسهل الحلول وأبسطها لدى الغائبين والمنغمسين فى تراث الأولين ، الذين لم يعد لديهم ما يتغزلون فيه ، بل أصبح المجتمع من حولهم قبيحاً لا جمال فيه ولا أمل فى إحياء جماله الذى وهبه الخالق .
منتدى المستقبل أمامه طريق طويل يحتاج أولاً إلى إزالة الألغام التى زرعتها ثقافة الجهل فى مختلف مراحل تاريخها القديم والحديث حتى ينجح فى وضع أقدامه على أرضية صلبة تقوده إلى الأمام .
2004 / 12 / 13
التعليقات (0)