ـ هي کالعصفور
"فز فزة العصفور کلبي شيلزمه" أي إنتفض إنتفاضة العصفور مالذي يمسك قلبي، کلمات رقيقة ولکن معبرة أيما تعبير من أغنية عراقية فلکلورية، إذ يشبه لحظة توله القلب بنار العشق بإنتفاضة العصفور المباغتة و السريعة جدا والتي من الصعب بسببه النيل من العصفور الذي هو نبه و حساس جدا بالفطرة و دائم الحذر و التوجس، والقلب عندما يعشق يمسه هو الآخر بريق شفاف من الوجد فيخترق شغافه بومضات تبرق أحيانا کسنا برق خاطف، لکنها تهز الوجد کله هزا ليس من بعده هز، فتثمل الروح و تفقد توازنها عندما تنهل من خمر العيون، لکن ليس أية عيون، وانما تحديدا السود منها، لکن المشکلة العويصة هنا، أنها کالعصفور، ولاتحب أن ترکن على أي غصن او شجيرة قلب، ولذلك ليس له من خيار سوى أن يمسکها في الحلم، بيد ان النوم قد جفاه منذ زمن، فکيف السبيل الى هذه العصفورة المتمردة؟
ـ احساس رقيق رقيق
"يلي ماجاسك فکر باليل
ماجاسك سهر
يلي بين حواجبك غفوة نهر"
لم يمسها فکر او سهر بالليل(والليل کعمر الاموات طويل)، و بين حاجبيها غفوة نهر! هکذا همس مظفر النواب في مسامع الوجد فوصل همسه الى أعماق النفوس وهو يحاکي ثمة غادة لم يطرق باب قلبها بعد وصل الهوى و لاأکتوت جوانحها بلظى شوقها المتدفق کحمم البراکين، مظفر النواب، هذا الرجل الذي لم يکن سوى مشروعا للتضحية من أجل قضية وطن و حرية شعب، لم يتوقف احساسه المرهف حتى و هو في غمرة سبر أغوار الافکار و المواقف و الدفاع عن قضيته التي هي اساسا قضية کل انسان، لکن مظفر النواب يمضي بعيدا في سفر الوجد ويقر:
"أنا ماذقت سوى طرف النهد
وصمت عن المشتهيات
رضعت العنبر من صدر العشق
و أمسکت بحلمتها الوردية في الليل أؤنبها
امتلأت کفاي رحيق الفستق"
النواب، لم يذق سوى طرف النهد، و هو في حالة صمت عن المشتهيات، لکن ليس عن العشق، فسلطانه أکبر و أعظم من أن يحجم او يروض وفق سياقات الرغبة الانسانية، ولذلك فإن أصابعه تتمرد على القوانين و السنن لتمسك بحلمتها الوردية في الليل، لکن من دون أن تکون النية خارج إطار الرابط العذري، فهو يؤنبها، ولأن الاعمال بالنيات، ونية العاشق"النواب"أصفى و أنقى نية، فإن کفيه يمتلئان برحيق الفستق، لکن کفي النواب في قصيدة باللهجة اللجنوبية تحظى أيضا بشئ آخر:(من أتلك بالحلم يااسمر يکع قداح بيدي"بتشديد الياء")، أي عندما أهزك يا أسمر يقع القداح في يدي!
التعليقات (0)