مناكفات صحفية.
تحولت بعض الجرائد المغربية هذه الأيام إلى فضاء للمناكفات و الإتهامات المتبادلة في مشهد يؤشر للإسفاف و الحضيض الذي بلغته الصحافة التي تسمي نفسها " مستقلة " في بلادنا...
بدل التوجه إلى أداء مهمتها الإعلامية في تنوير الرأي العام و الإقتراب من هموم المواطن اليومية، اختارت بعض الصحف أن تشارك هذا المواطن في كل صباح و مساء هموما من نوع آخر في سيناريو غريب لا أحد يعرف من الضحية و من الجلاد فيه. و أصبح من الواضح أن السباق المحموم نحو اكتساح السوق و الفوز بلقب " الصحيفة الأكثر مبيعا " هو الذي يحرك كل هذه الجعجعة. و هذا يعني أن هذه الصحف تنظر إلى القارئ بوصفه مجرد زبون أدمن تأبط الجريدة. و هو بذلك يمكن أن يتسلى بقراءة أي موضوع حتى و لو تعلق الأمر بالغسيل الوسخ الذي تعرضه بعض الجرائد هذه الأيام.. و مع إدمانه هذا تمتلئ الأرصدة المالية لناشري تلك الصحف طبعا. و هذا هو الهدف في نهاية المطاف...
هذه الخلفية التي تؤطر الحرب الكلامية بين بعض الجرائد تؤكد أن الإحترام اللازم للقارئ هو الغائب الأكبر في هذه اللعبة المكشوفة، لأنها تجعله في معمعة الحسابات الضيقة بين الأطراف المتحاربة، وتساهم في تحويل أنظاره عن القضايا الحقيقية لتتبع فصول كواليس " صحافة الشريكات " ( الضرائر )، التي تستقي قواميسها من لغة شعراء النقائض. و قد تجلت فصول هذه الملهاة الصحفية منذ مدة ليست بالقصيرة، لكنها بلغت في الآونة الأخيرة حدا لا يطاق. و أصبحت بعض الصحف لا تخفي فرحها كلما نجح مقص الرقيب في قص أجنحة جريدة زميلة. بل إننا طالعنا عددا من المقالات التي هللت بموت جريدة " نيشان " التي توقف صنبور الإشهار عن ضخ الدماء فيها فأسلمت الروح إلى بارئها. و عوض أن تتحول تلك الواقعة إلى مناسبة لنقاش عقلاني و هادئ حول واقع الصحافة المغربية التي فقدت عددا من العناوين الصحفية في السنوات الأخيرة لسبب أو لآخر، خرج علينا من " يتشفى " في الجريدة و يجد الذرائع التي تبرر مآلها.
إن المتتبع للشأن الإعلامي المغربي في شقه المكتوب لابد أن يتذكر جريدة مغربية اسمها " الصحيفة " كان قراؤها ينتظرون موعد صدورها كل يوم جمعة بشغف كبير، و لطالما نجحت بجرأة غير مسبوقة في تلك الحقبة في تفجير قضايا كبرى تابعها الشارع المغربي باهتمام شديد. و سمحت بظهور جيل جديد من الصحافة ( المستقلة ) التي فرضت نفسها و ساهمت في الرفع من سقف حرية التعبير في بلدنا، غير أن ما نشهده الآن من لمز و غمز على أعمدة بعض الصحف يدعونا إلى الترحم على أيام " الصحيفة " و "لوجورنال " بحسناتهما و سيئاتهما، لأن ما نقرأه اليوم هو فعلا " لعب الدراري " ( لعب عيال بلغة أهل الشرق). محمد مغوتي.
التعليقات (0)