رابلس ـ من كريستيان لو: حين يحل الظلام على الشارع الذي يوجد به مسجد عبد الله الشعاب بالعاصمة الليبية طرابلس تبدأ عادة المناقشات الدينية لكنها في الآونة الأخيرة جرت في حضور السلاح.
وزارت مجموعات من السلفيين المسجد تحت جنح الظلام ثلاث مرات هذا الشهر وكانوا يحملون بنادق كلاشنيكوف ومدفعا مضادا للدبابات عيار 106 مليمتر وشاحنة محملة بصواريخ جراد وفقا لما ذكره رجل دين في المسجد.
يريدون هدم ضريح سليمان الفيتوري الموجود داخل المسجد وهو من شيوخ القرن الثاني عشر لكنهم يعتبرون هذه الأضرحة وثنية.
ويتصدى لهم رواد المسجد الاكثر اعتدالا الذين تدعمهم وحدة ميليشيا مزودة بأسلحة آلية علاوة على شاحنتين صغيرتين مزودتين بمدافع مضادة للطائرات.
وقال عمر حجاج (30 عاما) وهو رجل أعمال يعمل مساعدا ايضا لإمام المسجد حتى الآن نحاول التفاوض معهم لكن اذا لم ننجح سنستخدم القوة.
وأضاف إنهم حفنة من المتطرفين الذين لا يريدون أن تستقر البلاد. نحذر الجميع من خطر هؤلاء.
وبعد أن تحرر الليبيون من حكم الزعيم الراحل معمر القذافي الذي استمر 42 عاما يفكرون الآن في الاتجاه الديني الذي يريدونه وحجم الدور الذي سيلعبه في حياتهم اليومية.
وتحولت العملية الى منافسة بين المسلمين المعتدلين من ناحية والتيار الإسلامي من ناحية أخرى والذي يتبنى تفسيرا اكثر تشددا للدين ويؤمن بأنه لابد أن تكون مرجعية قواعد المجتمع وسياسات الحكومة دينية. ولا يمكن الاستهانة بحجم الخطر. ويملك الطرفان كميات كبيرة من الأسلحة وقد تحدد النتيجة من الذي سيتمتع بالنفوذ السياسي في ليبيا الجديدة في نهاية المطاف.
وحتى الآن فإن الإسلاميين هم الذين يملأون الفراغ الذي تركه سقوط القذافي. والإسلاميون اكثر تنظيما ويقدمون ايديولوجية تلقى جاذبية لدى الشبان والمحبطين.
ويقول الكاتب الليبي صلاح انقاب الذي كتب كثيرا عن الاسلام والذي يشعر بالقلق من صعود الإسلاميين إن هذا هو قانون الفيزياء حين ينخفض الضغط في منطقة ما فإنها تمتليء من منطقة عالية الضغط وهذا هو ما يحدث في ليبيا.
وأصبح ظهور فكر الإسلاميين من ملامح انتفاضات الربيع العربي في شتى أنحاء المنطقة. في تونس يقود حزب إسلامي معتدل حكومة ائتلافية الآن. وفي مصر يتوقع أن تحقق جماعة الاخوان المسلمين مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية.
في ليبيا ايضا وضع الإسلاميون بصمتهم على المشهد السياسي الذي يتشكل الآن.
ويقود عبد الحكيم بلحاج -الإسلامي المتشدد السابق الذي قضى فترة مع حركة طالبان في افغانستان لكنه يقول الآن إنه نبذ العنف- واحدة من أقوى الميليشيات على مستوى البلاد.
وكان مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي يقود ليبيا في المرحلة الانتقالية قال إنه يريد أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين وإنه سيتم إلغاء القيود على تعدد الزوجات.
ودور الإسلاميين السياسي في تغير مستمر. في الحكومة الانتقالية التي أعلن تشكيلها الأسبوع الماضي لم يعين الا وزير واحد للشؤون الدينية وهو إسلامي معروف. وربما لن يتضح الحجم الكامل لنفوذهم الا حين تجري الانتخابات منتصف العام القادم تقريبا. ولكن لا شك أن التيار الإسلامي المتشدد يكتسب قوة في الشوارع والمساجد.
ويشاهد السلفيون الآن في الشوارع ويتميزون بإطلاق اللحى الطويلة وارتداء الجلباب.
وفي عهد القذافي الذي شن حملة استمرت 15 عاما على الإسلاميين الذين اعتقد انهم يحاولون الإطاحة به كان هذا المظهر يلفت انتباه ضباط أجهزة المخابرات الداخلية.
وسجن الكثير من السلفيين في عهد القذافي ومن لم يسجن قضى سنوات وهو يتفادى إظهار معتقداته علنا.
وخلال صلاة الجمعة الأسبوع الماضي بمسجد النفاتي الذي يرتاده مسلمون معتدلون ألقى الخطبة إمام جديد تحدث عن مفاسد الاختلاط بين الرجال والنساء وانتقد الأغاني.
ويركز السلفيون على الحديث عن هذه الأفكار لكنها لاتزال غير مألوفة بين الليبيين.
وتبنى اجتماع لكبار علماء الدين في فندق بطرابلس هذا الأسبوع توصية بمنع تعيين من يشرب الخمر في مناصب حكومية رفيعة.
ويحظر بيع الكحوليات في ليبيا منذ عقود لكنها متاحة في السوق السوداء. وقال أحد رجال الدين إن من يشرب الخمر ويريد الانضمام للحكومة فإنه يستطيع أن يتوب وحينذاك لا تكون هناك مشكلة.
ويقول كثير من الليبيين إن حرية العبادة بالطريقة التي يختارونها هي أحد مكاسب الانتفاضة.
وقال مؤذن في مسجد بالمدينة القديمة بطرابلس في عهد القذافي كان من يأتون لأداء صلاة الفجر يعتقلون.
وأضاف الرجل الذي طلب عدم نشر اسمه كانت الشرطة تعتقد أنهم متدينون أكثر من اللازم وكان الناس يخشون المجيء وكانوا يعذبون. كل المتدينين كانوا يخافون الحضور الى المسجد.
واستطرد قائلا الآن يتوافد المزيد من الناس. هناك حرية كاملة، كثيرون يرتدون مثل من هم في قندهار مشيرا الى مدينة أفغانية تتمتع فيها حركة طالبان بنفوذ كبير.
لكن البعض متفائلون.
وقالت هدى وهي طالبة هندسة (21 عاما) لست خائفة من الإسلاميين في ليبيا. هذه دولة وسطية وحتى لو كان هناك عنصر صغير من المتشددين فإنهم لن يستطيعوا أن يفرضوا أسلوبهم.
وأضافت أخطأ عبد الجليل حين تحدث عن تعدد الزوجات... لكننا نعتبر هذا خطأ وسامحناه. ويشعر آخرون بالقلق الشديد.
ويقول انقاب الذي يكتب عن الإسلام إنه مسلم متدين يؤدي الصلوات الخمس كل يوم. لكنه يرى أنه لا يوجد في القرآن ما يشير الى أن الحجاب فرض او ان على الحكومات تطبيق الشريعة الإسلامية.
وضبط انقاب نغمة هاتفه المحمول لتكون أغنية للمغني الأمريكي بوب ديلان. وقال إن صديقه قال له إن هذا المغني يهودي فأجابه انقاب بأن هذا أمر لا يعنيه لأنه يحب بوب ديلان ولا يهمه حتى لو كان يعبد البقرة.
في فناء مسجد عبد الله الشعاب يخرج حجاج مساعد الإمام جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به. ويقف حراس المسجد المسلحون على مقربة فيما يقلب بين صور تظهر أضرحة هدمها السلفيون.
ويؤمن بعض الإسلاميين بأن إقامة الأضرحة نوع من الشرك.
وأظهر صورة مبنى صغير متهدم في مصراتة على بعد 200 كيلومتر شرقي طرابلس. وقال حجاج إن هذا هو كل ما تبقى من ضريح سيدي احمد البكر الذي يرجع تاريخه الى 400 عام مضت بعد أن أطلق مهاجمون نيران المدافع المضادة للدبابات عليه.
ويقول حجاج إن في درنة قرب حدود ليبيا مع مصر هدم السلفيون قبر سيدي نصر عزيز.
ويقول عمران علي امام مسجد سيدي نصر ان مهاجمين اقتحموا المسجد ليلا حين كان خاليا وهدموا ضريحين أحدهما لرجل دين توفي نحو عام 1760 والآخر لشيخ توفي منذ 15 عاما. ويقول رواد للمساجد إن السلطات الجديدة تحجم فيما يبدو عن مواجهة الإسلاميين المتشددين.
ويشيرون الى مكاتب مؤسسة النفط الحكومية على الجانب الآخر من الطريق حيث توجه كاميرات التأمين نحو مدخل المسجد. ويقولون إنه لابد من أنها سجلت الهجوم لكن المؤسسة لن تسلم الشريط المسجل.
وقال علي جاء كثيرون الى هنا ليطرحوا الأسئلة ويلتقطوا الصور لكن لم يفعل احد شيئا.(رويترز)
التعليقات (0)